كانت مني محمد في منزلها بصحبة طفلها عندما دهس مهاجم بشاحنة فان مصلين قرب مسجد فينسبري بارك شمال لندن في هجوم متعمد علي مسلمين أثناء مغادرتهم المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان المنقضي.. تقول إنها تركت بيتها في مقديشيو، عاصمة الصومال، هربا من العنف، وجاءت إلي لندن آملاً في الأمن والأمان، لكن ذلك لم يعد قائما: »نحن خائفون.. عندما أستيقظ صباحا وأطالع الأخبار أجد دائما هجوما جديدا.. لماذا يحدث هذا في المملكة المتحدة؟» هكذا تبدي مني دهشتها لا سيما مع إصابة أحد أقربائها في الهجوم. الحادث وقع في منطقة تحتضن عددا من المساجد ويسكنها الكثير من المسلمين، وتشتهر بأنها أحد معاقل تشجيع فريق الأرسنال العريق، وخلّف الهجوم قلقا كبيرا بين المسلمين، إذ يقول مسلم آخر يُدعي علي، إنه كان يصلي الجمعة خارج المسجد عندما يمتلئ عن آخره، لكن في هذه الأيام، أضحت السيارات بمثابة أسلحة. ويضيف علي: »عانينا ارتفاع الإسلاموفوبيا كنتيجة للهجمات الإرهابية.. أمهاتنا وأخواتنا اللائي يخرجن إلي الشارع يتم التعرّف علي دينهن بسهولة لارتدائهن الحجاب.. لقد صرن أهدافا سهلة». وعبّر عدد من سكان المنطقة عن غضبهم من تردد طال وقته من قبل وسائل الإعلام قبل أن يصفوا الحادث بالإرهابي، عكس ما وقع في الهجمات الماضية التي نفذها إسلاميون متشددون، في وقت أكدت فيه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أن الحادث عمل إرهابي، وأنها قرّرت التعامل معه علي هذا الأساس بعد ثماني دقائق فقط من تلقيها مكالمة أمنية تفصيلية للحادث ، بينما لم تعلن شرطة لندن عن هذا الوصف إلّا بعد ثماني ساعات. ووقع الهجوم بعد ثلاثة أيام فقط، علي قيام مجموعة تراقب جرائم الإسلاموفوبيا بإشعار رابطة للمسلمين في المنطقة بضرورة أخذ إجراءات احترازية خلال رمضان، ووزع أعضاء المجموعة منشورات للسلامة علي المساجد، إذ يقول أحد أعضاء المجموعة إن رمضان يعدّ الشهر الذي يتم فيه تمييز المسلمين بسهولة عن غيرهم لأدائهم الصلوات إلي وقت متأخر من الليل، مشيرًا إلي أن أمن المساجد يجب أن يتم تعزيزه أكثر. فتيات مسلمات يعشن قرب المسجد، استيقظن فزعا في ساعات الهجوم بسبب الضجة الكبيرة: »كنت في السرير وسمعت أصواتا كثيرة.. نظرت وأختي إلي الشارع ورأينا شخصين مُلقيين علي الأرض، كما كان شخص طاعن في السن تحت الشاحنة التي قامت بالدهس»، كلمات منسوبة لفتاة من أصل سوداني تُدعي رويدا، مؤكدة أنها لم تستطع النوم في ذلك اليوم. وتقول سلمي أحمد، عضو في تجمع المسجد: »علمت بالواقعة عبر صديقتي..صدمت كثيرا لمعرفتي أن الهجوم وقع أمام المسجد الذي صليت فيه منذ أن كنت صغيرة. لم أحس بعدم الأمان إلا اليوم».. ولن أنزع أبدا حجابي». طمس الهوية لم يعد علي المساجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية أي علامة تدل علي هويتها، لا هلال ولا نجمة ولا آيات قرآنية منقوشة علي جدرانها، وذلك علي غرارالمبني رقم 2232 الواقع علي بعد 60 كم من ولاية سان فرانسيسكو، هو مركز سان ريمون الإسلامي الذي يرتاده 500 مسلم معظمهم من المهندسين والأطباء، وإمامه المسئول عن إقامة شعائره هو نعمان منيف الذي يعمل بشركة جوجل العملاقة. وأصبح علي المسلمين اتخاذ أقصي درجات الحيطة والحذر بعد مقتل نبرا حسنين، تلك الفتاة المصرية المسلمة ذات الأصول النوبية، في ولاية فرجينيا الأمريكية، بعد أن طعنها شخص بآلة حادة وهي في طريقها إلي المنزل بعد أداء صلاة الفجر في مسجد »آدمز»، وعثرت الشرطة علي جثتها واتهمت داروين مارتينيز توريس البالغ من العمر 22 عاما بقتلها. ومنذ هجمات باريس في الثالث عشر من نوفمبر 2015، ثم هجمات أخري مشابهه في مدن أمريكية ، طلب نعمان من الشرطة أن تكثف من دورياتها في محيط المركز، بعدما تزايدت الهجمات عليه من قبل متشددين معادين للمسلمين، وكان أقرب تلك الاعتداءات إلقاء قنابل مولوتوف علي المركز ليلة رأس السنة الميلادية، ويعلق عماد عبوشي أحد أئمة مركز سان ريمون لوكالة الصحافة الفرنسية قائلاً: » موجة الإسلاموفوبيا اليوم تتشابه مع ما حدث في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. في كل يوم يستوقفنا الناس في الشارع لكي نفسر لهم ما الذي حدث في باريس وفي لندن ونيس وبرلين وبروكسل وماذا يحدث في سوريا والعراق.. أحاول أن أشرح لهم أنه يوجد أكثر من مليار مسلم في العالم، ونحن لسنا معنيين بالسلوك الفردي لبعضهم». دراسة اجتماعية ويُعتبر الكثير من المسلمين الأمريكيين، الذين ولدوا وترعرعوا في أمريكا، هذا البلد وطناً لهم. لكنّ حياتهم اليوم، وبفعل العنصرية المتجسدة لدي بعضهم، أصبحت في خطر أكبر من أيّ وقت مضي. إذ توصل عدد من علماء الاجتماع في جامعة »مينيسوتا» إلي أن المسلمين هم اليوم أكثر مجموعة مرفوضة في أمريكا، من خلال دراسة أعدّوها خلال شهري أبريل ومايو الماضيين.. الدراسة التي حللت تصورات الأمريكيين تجاه الأقليات الدينية والمجموعات العرقية، وعرضت الكثير من حوادث الاعتداء والقتل والسرقة وحرق المصاحف وتخريب المساجد وقعت في أمريكا خلال السنوات الأخيرة بحق المسلمين، أظهرت أن رفض المجتمع الأمريكي لهم قد ارتفع من 26٪ في عام 2006 إلي 45.5٪ في عام 2017. ووفقاً للتقرير السنوي لمكتب التحقيقات الفدراليFBI) لعام 2016، ارتفعت جرائم الكراهية في أمريكا بنسبة 7٪، ونسبة الحوادث التي تستهدف المسلمين بنسبة 67٪. ولم تنجح حتي اليوم الحملات الأمريكية والإسلامية الداعية إلي توثيق جرائم العنصرية بالصوت والصورة لنشرها وفضحها، بالإضافة إلي الدعوة للتبليغ عن أي حادث عنصري يتعرض له أي مسلم للجهات المعنية من شرطة أو جمعيات حقوقية، في أن تحقق أي نتيجة مرجوّة مع الارتفاع السريع في عدد الحوادث وتنوعها. ووصلت الأزمة إلي حدّ الاعتداء علي أمريكيين هنود مثلاً، ظناً بأنهم مسلمون، لمجرّد تشابه بسيط في الشكل الخارجي، كما حصل منذ أيام مع رجل أمريكي هندي تعرض للضرب والشتم من قبل أمريكي آخر ظنّ أنه مسلم، أثناء تناولهما الطعام في أحد مطاعم بنسيلفانيا. وتم تسجيل العديد من حالات الانزعاج من مشاهدة فتيات محجبات في الأماكن العامة في الولاياتالمتحدة. وكانت النتيجة في بعض المرات، الاعتداء علي الفتاة وخلع حجابها. ففي ميتشيجين تعرضت امرأة محجبة للاعتداء وإزالة الحجاب رغماً عنها من قبل »رجل أبيض كان في حالة سكر» حسب وصف الشرطة، التي صنفت الجريمة في خانة »جرائم الكراهية». وتعرضت مريم نمير (16 عاماً)، طالبة في إحدي ثانويات لوس أنجلوس، بعد يومين فقط من إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية، لاعتداء من قبل زميل لها في الدراسة، قام بمحاولة خلع حجابها وتهديدها وتوجيه عبارات عنصرية لها. »يجب ألا ترتدي الحجاب، هذه ليست أمريكا، أنت لست أمريكية»، بحسب ما روته نمير في مقابلة تلفزيونية. عودوا إلي الصحراء في تقرير نشره مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، تم إحصاء أكثر من 200 هجمة علي مؤسسات إسلامية علي مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وهو رقم قياسي منذ عام 2009، وتراوحت تلك الهجمات ما بين إلقاء حجارة وعبوات حارقة، وكتابة عبارات من نوعية »إرهابيون» و»عودوا إلي الصحراء»، وليلة الأول من رمضان الماضي، في سوبر ماركت ضخم بولاية سان برناردينو، ألقي أحد المتشددين عبوة من لحم خنزير علي امرأة محجبة قائلاً: » عام سعيد». شاب مسلم آخر يُدعي سمير (17 عاما) من مرتادي مركز سان ريمون، ويدرس الهندسة، يقول لوكالة الصحافة الفرنسية: » كثير من زملائي بالجامعة يسألونني كيف أشارك داعش نفس العقيدة، وفي كل يوم علي أن أقول نفس الكلام: المسلمون هم ضحايا داعش قبل غيرهم». المركز الإسلامي بسان ريمون أعلن عن مبادرة »الأبواب المفتوحة»، في إشارة إلي أنه مستعد لاستقبال كل من له استفسار أو يريد التعرف علي الدين الإسلامي، وذلك تماشياً مع مبادرة أطلقها البيت الأبيض منتصف ديسمبر الماضي بعنوان Know your Neighbour »عرف جارك».. ولكن يبدو أن كل تلك المبادرات تندرج تحت عنوان: أسمعت لو ناديت حياً.. لكن لا حياة لمن تنادي