صبحي الشاروني: أتوقع أن تكون لوحة (زهرة الخشخاش) المسروقة مزيفة داخل قطعة قماش موضوعة في صندوق كرتون مربوط بدوبارة وضع اللصوص لوحة الفنان روبنز بعد سرقتها وذلك بعد أن بعثوا برسالة إلي د. ثروت عكاشة وزير الثقافة في ذلك الوقت بمكانها وشرح فيها سبب سرقتها بأنهم أرادوا لفت الأنظار إلي الإهمال الزائد من المشرفين علي المتاحف وأنهم لا يأسفون علي ما فعلوا بل علي استهتار الرقابة علي هذا المعرض القيم. وفي سبعينات القرن الماضي قام نجل أحد الوزراء المصريين في ذلك الوقت بسرقة لوحة زهرة الخشخاش لفان جوخ قبل أن يعيدها نظير ألف جنيه مصري فقط ودون عقاب، و ذلك قبل أن تعاد سرقتها لحساب جهة غير معلومة ولم تسفر التحقيقات عن شيء حتي الآن، مع وجود توقعات أن الأخيرة كانت مزيفة وسرقت من أجل عدم فضح ذلك زيفها وأن الأصلية قد تم استبدالها في إيطاليا عندما تم عرضها هناك. تجري حاليا تحقيقات واسعة بشأن ما أعلن عنه الصحفي فاروق جويدة من نهب القصور الرئاسية أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير، مما أعاد إلي الأذهان قضايا سرقة التراث والأعمال الفنية وما يتبعها من جدل بشأن تلك الجرائم التي تستهدف ليس فقط الثروات القومية ولكن التراث الإنساني. فهؤلاء السارقون لا يعتدون علي الثروة القومية فقط بل علي التراث العالمي. ورغم احتياطات الأمن والتكنولوجيا الحديثة فإن اللصوص لايزالون يتوصلون دائما إلي طرق مبتكرة للتغلب عليها والتوصل إلي كيفية تعطيل الأجهزة الأمنية الدقيقة من أجل الحصول علي النسخ الأصلية للوحات فنية لكبار فناني العالم. فحب التملك وهواية الأثرياء حول العالم في اقتناء الأعمال الفنية التي أبدعها أشهر الفنانين والتي تثمّن الآن بأرقام خيالية يدفعها لتأجير لصوص أو التعامل مع عصابات تستطيع سرقة هذه التحف من أماكنها الأصلية مقابل ملايين الدولارات في بعض الأحيان. فالتحف واللوحات الفنية لا تقدر بقيمتها المادية فقط ولكن إلي مكانتها في تاريخ الفن. أشهر السرقات في التاريخ و تعد فرنسا علي رأس قائمة الدول الأوروبية التي تتعرض لمثل هذه الجرائم حيث تمتلك عددا ضخما من المتاحف علي رأسها متحف اللوفر. فمثلا عام 0991 سرقت ثلاث لوحات من متحف اللوفر، هي (وجه المرأة) لرينوار خلال النهار، و بعد عدة ساعات اختفت لوحة (فتاة صغيرة) للفنان ايرنست هيبرت من متحف تابع لأحد البنوك، و في الوقت نفسه سرقت لوحة (منظر طبيعي) من متحف كرنافاليت، كما أعلن متحف اللوفر عن اختفاء 21قطعة من المجوهرات التاريخية الثمينة. كما قدرت السلطات الثقافية والأمنية في فرنسا أن قيمة اللوحات والتحف التي سرقت من عام 0891حتي 0991بمبلغ 005مليون فرنك فرنسي. في عام 6691سرقت لوحة (الدون ولنجتون) القائد الذي انتصر علي نابليون في معركة (ووترلو) للفنان الأسباني الشهير (جوبا) وتعد من الحوادث الشهيرة التي حدثت في لندن. وقامت الدنيا وأعلن البوليس مكافأة قدرها خمسة آلاف جنيه استرليني لمن يرشد عن مكانها أو اللصوص فأرسل اللصوص مذكرة إلي المسئولين بالمتحف يطلبون 041ألف جنيه استرليني وزعموا أنهم سوف ينفقون هذا المبلغ علي الفقراء والمؤسسات الخيرية. وشاءت الصدفة أن يعثر عليها كلب يملكه أحد المواطنين في محطة قطار برنجهام بعد 4 سنوات دون دفع أي شيء. أيضا من الأحداث المثيرة ما جري في متحف (جيتي) في كاليفورنيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما اشتري بعض الأقنعة التي ترجع إلي العصور الإغريقية والرومانية مع تمثال عملاق لإلهة الجمال عند الاغريق أفروديت من وسيط له شهرة واسعة في لندن وهو الذي اقتناها من شخصية غامضة في سويسرا. وحين علمت الشرطة الإيطالية تتبعت كل خيوط الصفقة حتي توصل إلي الذين يقومون بالحفريات حتي وصلوا إلي المقبرة التاريخية وأخرجوا منها التمثال النادر ثم تبين أن خفر المدافن الأثرية والاستيلاء علي محتوياتها يتم بشكل منتظم تحت اشراف مندوبين من عصابات المافيا في جنوب إيطاليا. كما كان حب الفن هو الدافع وراء سرقة لوحة "أجانا شوين هوفن" للفنان الهولندي "جان فان سكوريل" من إحدي قاعات عرض اللوحات المرسومة بالألوان في روما. فقد أرسل اللص خطابا إلي المسئولين عن المتحف يقول فيه "دققوا النظر في لوحة فان سكوريل، إنها لوحة مزيفة صنعتها بنفسي ووضعتها مكان اللوحة الأصلية" ثم قام بشرح كيفية الحصول عليها بعد أن دخل في زي راهب مما سمح له بإخفائها بين طياته وإحاطتها بالمهابة والاحترام، ثم استطرد قائلا إن ما كان يشك فيه قد تأكد له بشكل قاطع وهي أن اللوحة مزيفة وهي ليست اللوحة التي رسمها بنفسه ومعلقة لديهم بل هي اللوحة التي سرقها والتي من المفترض أن تكون أصلية ثم أرشدهم عن اللوحة التي بحوزتهم. اختفت لوحة "ذات الوجهين" للفنان العالمي البلجيكي "روبنز" يوم 51مارس من متحف الجزيرة، و قد وضع اللصوص مكانها لوحة أخري من لوحات المتحف. والمعروف أنها كانت من ضمن ممتلكات الملكة نازلي قبل أن يتم الاستيلاء عليها ضمن محتويات القصور المصادرة. وظلت معروضة في مكانها لمدة ست سنوات حتي أبلغ أمين الشرطة عن اختفائها. وتم إبلاغ البوليس الدولي والمتاحف وصالات المزادات حتي لا يتمكن السارق من بيعها في الخارج. ثم أصدرت النيابة أمرا بالقبض علي 21من أمناء المتحف ولم يعرف أحد مصيرها حتي الآن. د. صبحي الشاروني، الصحفي والمؤرخ الفني، أكد أنه من الوارد أن العديد من الأثرياء حول العالم وخاصة داخل الولاياتالمتحدة لديهم حب التملك. فهي نفس فكرة هواة جمع الطوابع الذين يدفعون آلافا من أجلها، فهي نفس »الغية«. فعلي سبيل المثال يوجد في كل ولاية ومدينة متحف يقوم هواة جمع الآثار بتوصية أن يتم عمل متحف بهذه الآثار بعد موتهم، و لأنه من الصعب متابعة كل هذه المتاحف والآثار بشكل منتظم بالإضافة إلي وجود أعمال كثيرة تخرج دون وجود أي نوع من التوثيق لها أو المتابعة، تسهل عمليات السرقة. فالوارد أن الأشياء المسروقة من المتاحف تكون موثقة وصعبا عرضها في حال سرقتها. ولكن القضية تكمن في وجود هواة مستعدين لدفع أي مبلغ من المال نظير أن يضعها في قصره ويستمتع بها بشكل منفرد. وأعطي مثالا بشيخ قطري كان يبحث عن أعمال الفنانين من الأجيال السابقة من أجل إقامة متحف خاص به للفن العربي في قطر وهذا شكل من أشكال الهواية المعلنة والمشروعة. ولكن علي سبيل المثال عندما ينقب شخص عن آثار في الأقصر بشكل غير معلن أو شرعي، معتمدا علي أن العمال حوله يظنوا أن معه إذنا بالحفريات وهي ما تسمي "بحفريات الخلسة." وتوقع أنه تم تزييف لوحة (زهرة الخشخاش) في إيطاليا حيث عرضت مع أربع أو خمس لوحات أخري من متحف محمد محمود خليل في إيطاليا قبل السرقة بشهرين أو ثلاثة، حيث زيفت في إيطاليا وتم تسليمها لنا. لذلك تم سرقتها من المتحف بعد عرضها بعشرة أيام حتي لا يتم اكتشاف سرقتها، أي أن السرقة الأخيرة ما هي الا تغطية للتزييف فاذا طلبها معرض آخر لعرضها وكشف عليها سوف يكتشف أنها ليست اللوحة الأصلية. وقد طالبت بتحليل النسيج المتبقي من اللوحة في البرواز لاكتشاف ما إذا كان قديما ولكن لم يستجب أحد. والمؤكد أن طلب تزييفها سوف يكون بناء علي طلب شخص أو جهة في إيطاليا وليس مصر لعدة أسباب، منها عدم اهتمام الأثرياء بجمع مثل هذه الأشياء في ظل ما نعيشه من مشاكل بالإضافة إلي الخطاب الديني السلفي الذي يعتبر الفن حراما. في ظل هذا التزايد المستمر في السرقات الفنية وتزييفها، أشارت إحصائيات الشرطة الإيطالية المتخصصة في مطاردة لصوص الأعمال الفنية إلي أنها تسجل ما بين 20 إلي 30 حالة سرقة جيدة يوميا حيث ينتشر الوسطاء السريون وتجار اللوحات التي لا يعلم أحد عن مصدرها شيئا. أكد عادل لويس مكاري، خبير مثمن، أن أي شخص يريد بيع أي شيء أيا كان، يجب أخذ بياناته الشخصية للتحقق من شخصيته قبل التصرف فيها وبيعها في الصالة، وبذلك تقع المسئولية علي الشخص نفسه. فكل تاجر أو صالة علي مستوي العالم تحافظ علي سمعتها وتعمل بشكل قانوني تطلب الفواتيرحتي لا تبيع شيئا يحتمل أن يكون مسروقا، وفي حالة الشك في ذلك يتم الإبلاغ عنها فورا. ولكن مما لا يدع مجالا للشك أن هناك من النفوس الضعيفة التي تقبل الحرام ولكن يتم الاكتشاف عندما يأتي شخص بقطعة تساوي مليون جنيه ويريد أن يبيعها بعشرين ألف جنيه، هنا يظهر أن الشخص علي غير علم بقيمة ما يبيع، و بالخبرة التاجر يستطيع التفرقة. ولكن في الواقع فإن للصوص تجارا معينين يتعاملون معهم وعن طريقهم يستطيعون تسريبها، و لكن لا يمكن عرضها في المزادات أو لدي غالبية التجار وسمعتهم هي التي تتحكم في ذلك. وإذا تمت السرقة من المحلات تقوم بإبلاغ بعضها البعض. فمن يسرق مثلا لوحة من المتحف يكون مدركا تماما ماذا يريد، يأخذها لمن، و ما هي المخاطر التي يواجهها في سبيل ذلك. ويري أن من يفعل ذلك يكون غبيا لأنه إن آجلا أو عاجلا سوف تكتشف السرقة ويتم تحديد هويته. فعلي سبيل المثال إذا تمت سرقة أي شيء من أي متحف علي مستوي العالم يتم الإبلاغ وتصبح معروفة دوليا.