أهم القرارات الحكومية اليوم في العدد 128 بجريدة الوقائع المصرية    "شباب المنيا": تنفيذ مجموعة كبيرة من الفعاليات والأنشطة خلال مايو الماضي (صور)    طلب برلماني بإطلاق منصة خاصة بالذكاء الاصطناعي الطبي    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    «سياحة الشيوخ» توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي «العمرة بلس»    «الصناعات الكيمياوية»: إنتاج مصانع الأسمدة في مصر لم يصل مستويات ما قبل قطع الغاز    تبكير موعد صرف رواتب شهر يونيو 2024 بالزيادة الجديدة    الرئيس الفلسطيني: نواصل جهودنا لوقف العدوان وإدخال المساعدات من جميع المعابر    «الدفاع البريطانية» تنفي استهداف الحوثيين مدمرة بالبحر الأحمر    تقارير: صراع بين برشلونة وريال مدريد على نجم بايرن ليفركوزن    بطل البرتغال ومهاجم ب3 رئات.. ماذا ينتظر منتخب مصر أمام غينيا بيساو؟    ذا صن: مانشستر سيتي سيزيد راتب فودين عقب اليورو    كفر الشيخ تحصد أول تنس الطاولة و«اليد» وثاني «الطائرة» بختام الدوري الرياضي    منتخب مصر لسلاح سيف المبارزة يتوج بذهبية بطولة أفريقيا    حملة تموينية مٌكبرة على المخابز البلدية والأسواق في برج العرب بالإسكندرية    هيثم شاكر يطرح أغنيته الجديدة "يوم ما تفارق" (فيديو)    أحمد العوضي يهنئ ياسمين عبد العزيز بمسلسلها الجديد: "هتغدغي الدنيا يا وحش الكون"    الصحة: 2336 سيارة إسعاف و11 لانش نهري لتأمين احتفالات عيد الأضحى    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية حلوة بمركز مطاي    توقعات برج الميزان في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    سوهاج الأزهرية تعلن أوائل الشهادة الإعدادية بالمحافظة «للمبصرين والمكفوفين»    المدارس العسكرية الرياضية.. الأوراق المطلوبة وشروط الالتحاق    فضل يوم عرفة وأحب الأعمال إلى الله فيه    جانسن مصر تشارك في المعرض والمؤتمر الطبي الأفريقي الثالث 2024    اجتماع بالجامعة العربية لتقييم منتديات التعاون مع الدول والتجمعات الإقليمية    قصف أمريكي بريطاني يستهدف منطقة الجبانة في الحديدة غرب اليمن    وزيرة الثقافة: كثير من المبدعين والمصممين يشتكون تعرض إبداعاتهم للسطو    «الأخبار» تطلع على خرائط 100 عام من طقس مصر ..    ما حكم الأضحية عن الميت؟    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    كرواتيا تحقق فوزا تاريخيا على البرتغال    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    استقالة الحكومة لن تلغى المشروع الجديد خطة تصحيح مسار الثانوية العامة    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    منورة يا حكومة    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    انتهاء جلسة التحقيق مع رمضان صبحي في أزمة المنشطات    سر تصدر شيرين رضا للتريند.. تفاصيل    مصادر ل «أهل مصر»: دمج وزارتي «النقل» و«الطيران» تحت قيادة كامل الوزير    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    أستاذ صحة عامة يوجه نصائح مهمة للحماية من التعرض لضربات الشمس    «الداخلية»: ضبط 552 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1334 رخصة خلال 24 ساعة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام الحضارات القديمة ..
مدارس وجداول وخوف من الآلهة
نشر في آخر ساعة يوم 06 - 09 - 2011

قدماء المصريين اهتموا بالأحلام وأنشأوا لأجلها »مدرسة«
تفسير الأحلام في
»معبد النوم« مهنة مربحة في العصر البطلمي
أحلام الحضارات القديمة ..
تحتمس الرابع تحايل علي إخوته برؤيا مزيفة للاستيلاء علي العرش
سورة يوسف
تناولت أبرز حلم
في القصص القرآني
أقدم تفاسير الأحلام الهندية يعود لكتاب »الفيدا« المقدس
ارتبطت الأحلام بالإنسان أينما حل وأينما كان، فالحلم خلق يوم خلق الإنسان، لذلك اختلفت رؤية كل أمة في تفسيرها لهذا الزائر الغريب الذي يزور الإنسان في نومه يحمل أحيانا خيرا يتحقق وشرا يتخوف منه، لذا لم يكن غريبا أن تهول الشعوب البدائية من أمر الأحلام وما يتراءي فيها، إذ كانوا يعتقدون أنهم يرون في منامهم صورا تأتي من عالم ينتمي إلي ما فوق الإدارك البشري، بل واعتبروها رسائل من الآلهة تحذر من غضبتها وتمني بنعمتها في وقت كان الإنسان يعبد الطبيعة في مظاهرها المختلفة. ومع الاهتمام لدي الشعوب الهمجية بالأحلام بدأت تظهر وظيفة الساحر والعراف التي تهتم بتفسير الأحلام وتوضيح أوامر الآلهة وما يجب فعله لتجنب غضبها واستدرار عطفها.
عندما بدأ الإنسان يصعد سلم الحضارة بدأت رؤيته للأحلام تتغير ففي مصر القديمة كانت "مدرسة إهناسيا" متخصصة في تفسير الأحلام. وحظي فن تفسير الأحلام باحترام بالغ، و كان الخبراء في هذا الفن محل إقبال شديد ويتلقون مكآفات سخية من الراعي والرعية علي حد سواء، وبحلول العصر البطلمي صار تفسير الأحلام مهنة مربحة فكان يتم استئجار المتخصصين ليحلموا لصالح زبائنهم بالإضافة إلي تفسير الأحلام التي تراودهم. عندما يبحث شخص عن إجابة لأمر مقلق أو شفاء من علة، يوظف كاهن لينام داخل (معبد النوم) أو مركز للعرافة ويمكن للسائل أن يدفع أجرا ليمضي ليله داخل معبد النوم بنفسه حتي يتلقي عونا إلهياً في أُمور الصحة.
أما كتب تفسير الأحلام فقد خضعت لحراسة مشددة في زمن الفراعنة باعتبارها سراً من أسرار رجال الكهانة فلم يكن يرجع إليها إلا كبار الكهنة. ولم يبق من هذه الكتب سوي واحد فقط كتب خلال عصر الاسرة التاسعة عشرة، وهو يخص كاتب اسمه "كين خر خو بشف "كان شغوفا بجمع نصوص من السحر و الشعر و الطب و تفسير الأحلام .و احتوي هذا الكتيب علي أكثر من مائتين من تفسيرات الأحلام التي فسرت علي أنها كلام الآلهة.
أما أشهر الأحلام في تاريخ مصر القديمة فكان حلما لتحتمس الرابع (حكم مصر في الفترة 1401- 1391 ق.م) فقد كان لوالد تحتمس، أمنحتب الثاني خمسة أبناء يتسابقون علي خلافة أبيهم، حتي ادعي تحتمس الرابع أن أبو الهول تحدث إليه في الحلم وأخبره أنه إذا قام بإزالة الرمال المتراكمة عن تمثاله وحافظ عليه فإنه سيمنحه تاج مصر. وقد وجدت هذه الرؤيا مسجلة علي لوحة بين يدي تمثال أبوالهول، وتُعد هذه اللوحة دليلا علي أن تحتمس لم يكن الوريث الحقيقي لعرش مصر وأن إخوته كانوا عقبة في سبيل توليه العرش مما جعله يختلق قصة الرؤيا كنوع من التحايل للاستيلاء علي عرش البلاد بدون حق شرعي، وقد أزال تحتمس الرابع بالفعل الرمال عن تمثال أبو الهول وأقام حوله سورا بناه من الطوب اللبن.
وفي نهاية العصور الفرعونية وتحديدا الأسرة الثلاثين عندما بدأت الدولة في التفكك وبدأت المدن اليونانية في التدخل في شئون مصر أشيع أن الفرعون نختنبو الثاني أرسل حلما إلي أوليمبيا ملكة مقدونيا، عبر تمثال شمعي. حيث أعد دواءً باستخدام أعشاب مسببة للأحلام، وصنع تمثالا شمعيا و نقش عليه اسمها .و دهن التمثال بالخلطة العشبية واستحضر حلما معينا لها. وفي تلك الليلة حلمت أن آمون جاء إلي فراشها وأبلغها أنها ستلد طفلا عظيما وبعد تسعة شهور أنجبت ابنا هو الإسكندر الأكبر، الذي جاء إلي مصر مطالبا بحقه في حكم مصر بناء علي بنوته للإله آمون، فدخل مصر قائد جيش وخرج منها إلها.
إذا تركنا مصر وانتقلنا إلي العراق وجدنا أن البابليين اهتموا بعالم الأحلام فبحسب المنظور الديني البابلي تُعدّ كل تجربة في عالم الأحلام خطرة. ولذا، كان هناك اهتمام بالغ منذ أقدم العصور السومرية "لتحرير" الطاقة السحرية المركزة في الحلم. و يُعبَّر عن هذا التحرير في الطقوس البابلية بفعل "شارو" الذي يعني حرر (من الشر أو الخطيئة) فكان سرد حلم علي أحدهم هو الطريقة الأكمل للتحرر ذاتيًا و لإبعاد الآثار السلبية للتجربة الحلمية.
أما التفسير البابلي للأحلام فكان يتم بواسطة جداول خاصة. و كان واضع هذه الجداول لايتردد باختراع المزيد منها ليستنفد كل الاحتمالات الممكنة. ولذا كانت قائمته تصويرًا للواقعين الحسي و التحليلي معًا. ومع ذلك فإن هذا المسرد ما كان ليكفي دون وجود العراف القادر علي فهم الرسالة الإلهية. و تثبت المفردات المستخدمة صلة الحلم البابلي بالعالم السفلي، الأمر الذي يتوافق مع كون الإله المرسل للأحلام هو إله الشمس قائد نفوس الموتي في الليل. ومثلما كان الأمر بالنسبة للمصريين، فإن جداول الأحلام تصف اهتمامات و حاجات البابليين، وتُظهر اهتمامًا خاصًا بالحصول علي الأطفال وعلي المناصب والثروة، و هي تعكس أيضًا الخوف من المرض و المصائب.
أما في الهند، فقد مرّت التفاسير بعدة مراحل تبين بوضوح تطور مفهوم الحلم و تفسيره خلالها، و يرجع أقدم تفاسير الأحلام الهندية إلي كتاب "الفيدا" المقدس ونجد فيه وصفا لنفسانيات الأفراد بحسب طبائعهم. فمثلاً: يري أصحاب الطبع الدموي في أحلامهم مشاهد جبال و أراضي وغابات تعصف فيها الرياح، و عددًا من الكواكب والنجوم المعتمة، والقمر وقد فقد نوره. في حين أن أصحاب الطبع الأكثر برودة يرون مشاهد أكثر اعتدالاً. ونلحظ في هذه الرمزية إشارات تعليمية حول طبيعة النفس أكثر منها تفاسيرا للأحلام.
والحق أن الحضارة الهندية تميزت بهذه التعاليم المهذبة للنفس فانعكست علي مجمل الحياة الإنسانية. و مع ذلك، نجد أن الأحلام خلال مرحلة أحدث استقلت عن طبائع البشر وأفسحت مجالاً للأحلام القادمة من أعماق النفس وذلك عبر رسائل الآلهة. ويتواتر ذكر الأحلام في الأدب الهندي، كما في ملحمتي المهابهاراتا والرامايانا وتتكرر في بعض القصص الشعبية الشبيهة بألف ليلة و ليلة، الأحلام التي يري فيها أمير فتاة في نومه فيغرم بها فيبحث عنها حتي يصل إليها. و تحفظ هذه الأحلام الأدبية المعاني التي تعبر عن مراحل بحث الإنسان الهندي عن المعرفة ويُعدّ الحديث عن الأحلام الهندية مدخلاً إلي دراسة أحلام الرؤي و التحقق وتفاسيرها و بخاصة في البوذية الهندية و الصينية، و سنعود إلي هذه النقطة لاحقًا.
و ينطبق ما ذكرناه عن التفسير الهندي علي الأحلام الصينية إلي حد كبير.
فقد كانت الأحلام الصينية تُصنَّف قديمًا وفق ثلاث مراتب. لكن هذا التصنيف غامض جدًا بالنسبة لنا اليوم وفي مرحلة تالية صُنّفت وفق ستة صنوف تعكس حالات نفسانية واضحة. و هي حلم الرعب و سببه حالة رعب، وحلم الفكرة و سببه ما كنا نفكر فيه قبل النوم، وحلم الأمس وسببه ما جري الحديث حوله أو ما حدث في اليوم السابق، وحلم الفرح وسببه حالة فرح، وحلم الخشية وسببه خوف من شيء ما. و يتم تفسير الأحلام وفق هذه التصانيف التي تشكل بالأحري تحليلاً لنفسية الحالم، إضافة إلي ما تشير إليه طاقة الحالم من توازن و تناغم مع العالم. فكل شيء في بنية وآلية الجسم بكليته، بما فيه الأحلام، يتوافق مع حدي الأرض والسماء (الين واليانج).
الحالم وفهمها
في اليونان لم يكن أرطميدوروس الوحيد الذي ترك لنا كتابًا في "تعبير الرؤيا" لكنه كان أول من عالج مفهوم الحلم وتفسيره بطريقة منهجية صحيحة. و قد عاش في القرن الميلادي الثاني في أفسس، لكن شهرته انتسبت إلي قرية والدته فلقب بالدالديائي، وقد اشتهر بتواضعه و اعترافه بخطئه إذا لم يحسن التفسير. وهو لم يعرف بالطبع مصطلح اللاوعي الحديث، لكنه كان يتعامل معه ويشعر به كمفهوم.
أما في بلاد اليونان فقد لعبت الأحلام دورا في تطور الحياة العقلية لدي تلك الأمة عاشقة الفسلفة، فقد ذكر هوميروس في إلياذته الكثير من الأحلام التي تدخل في الأحداث وتغير مصير ومسيرة ابطال عمله الخالد، وهو ما استلهمه منه كتاب المسرح اليوناني في تناولهم للأساطير ومعالجتها دراميا وتقف أسطورة الملك أوديب كنموذج صارخ علي مدي اعتناق اليونان لفكرة الأحلام وتأثيرها في حياة المرء.
أحلام الانبياء
اما في الكتب المقدسة التوراة والانجيل والقرآن فقد شغل تفسير الأحلام جزءاً لا بأس به في تلك الكتب وتعد قصة سيدنا يوسف أبرز القصص القرآني في الدلالة علي ما لعالم الأحلام من أهمية فقصة سيدنا يوسف عليه السلام التي ذكرها القرآن كاملة تلخص مفهوم الرؤيا منذ بداية القصة برؤيا سيدنا يوسف لأحد عشر كوكبا والشمس والقمر وتفسير والده سيدنا يعقوب (عليه السلام) مرورا بتفسير يوسف (عليه السلام) لرؤيا صاحبيه في السجن انتهاء بحلم ملك مصر بالسبع بقرات العجاف وأخري السمان.
وأشار القرآن الكريم إلي واقعة ترتبط برسولنا ([) حيث رأي النبي في عالم المنام الكفار قليلين فشد ذلك من معنوياته قبل حرب الكفار في موقعة بدر فقال تعالي "إذا يريكهم الله في منامك قليلا" (الأنفال:(43
وفي رؤيا منامية أخري لنبي الإسلام جاءت بشارة فتح مكة،حيث رأي رسول الله في منامه ليلا أن المسلمين قد دخلوا المسجد الحرام و هم يؤدون المناسك آمنين فحكي ذلك لأصحابه وعبر لهم رؤياه بأنهم سيدخلون المسجد الحرام في القريب العاجل ثم أمر أصحابه بعد فترة وجيزة بالتوجه نحو مكة المكرمة للحج.
عندما بدأ الإنسان يصعد سلم الحضارة بدأت رؤيته للأحلام تتغير ففي مصر القديمة كانت "مدرسة إهناسيا" متخصصة في تفسير الأحلام. وحظي فن تفسير الأحلام باحترام بالغ، و كان الخبراء في هذا الفن محل إقبال شديد ويتلقون مكآفات سخية من الراعي والرعية علي حد سواء، وبحلول العصر البطلمي صار تفسير الأحلام مهنة مربحة فكان يتم استئجار المتخصصين ليحلموا لصالح زبائنهم بالإضافة إلي تفسير الأحلام التي تراودهم. عندما يبحث شخص عن إجابة لأمر مقلق أو شفاء من علة، يوظف كاهن لينام داخل (معبد النوم) أو مركز للعرافة ويمكن للسائل أن يدفع أجرا ليمضي ليله داخل معبد النوم بنفسه حتي يتلقي عونا إلهياً في أُمور الصحة.
أما كتب تفسير الأحلام فقد خضعت لحراسة مشددة في زمن الفراعنة باعتبارها سراً من أسرار رجال الكهانة فلم يكن يرجع إليها إلا كبار الكهنة. ولم يبق من هذه الكتب سوي واحد فقط كتب خلال عصر الاسرة التاسعة عشرة، وهو يخص كاتب اسمه "كين خر خو بشف "كان شغوفا بجمع نصوص من السحر و الشعر و الطب و تفسير الأحلام .و احتوي هذا الكتيب علي أكثر من مائتين من تفسيرات الأحلام التي فسرت علي أنها كلام الآلهة.
أما أشهر الأحلام في تاريخ مصر القديمة فكان حلما لتحتمس الرابع (حكم مصر في الفترة 1401- 1391 ق.م) فقد كان لوالد تحتمس، أمنحتب الثاني خمسة أبناء يتسابقون علي خلافة أبيهم، حتي ادعي تحتمس الرابع أن أبو الهول تحدث إليه في الحلم وأخبره أنه إذا قام بإزالة الرمال المتراكمة عن تمثاله وحافظ عليه فإنه سيمنحه تاج مصر. وقد وجدت هذه الرؤيا مسجلة علي لوحة بين يدي تمثال أبوالهول، وتُعد هذه اللوحة دليلا علي أن تحتمس لم يكن الوريث الحقيقي لعرش مصر وأن إخوته كانوا عقبة في سبيل توليه العرش مما جعله يختلق قصة الرؤيا كنوع من التحايل للاستيلاء علي عرش البلاد بدون حق شرعي، وقد أزال تحتمس الرابع بالفعل الرمال عن تمثال أبو الهول وأقام حوله سورا بناه من الطوب اللبن.
وفي نهاية العصور الفرعونية وتحديدا الأسرة الثلاثين عندما بدأت الدولة في التفكك وبدأت المدن اليونانية في التدخل في شئون مصر أشيع أن الفرعون نختنبو الثاني أرسل حلما إلي أوليمبيا ملكة مقدونيا، عبر تمثال شمعي. حيث أعد دواءً باستخدام أعشاب مسببة للأحلام، وصنع تمثالا شمعيا و نقش عليه اسمها .و دهن التمثال بالخلطة العشبية واستحضر حلما معينا لها. وفي تلك الليلة حلمت أن آمون جاء إلي فراشها وأبلغها أنها ستلد طفلا عظيما وبعد تسعة شهور أنجبت ابنا هو الإسكندر الأكبر، الذي جاء إلي مصر مطالبا بحقه في حكم مصر بناء علي بنوته للإله آمون، فدخل مصر قائد جيش وخرج منها إلها.
إذا تركنا مصر وانتقلنا إلي العراق وجدنا أن البابليين اهتموا بعالم الأحلام فبحسب المنظور الديني البابلي تُعدّ كل تجربة في عالم الأحلام خطرة. ولذا، كان هناك اهتمام بالغ منذ أقدم العصور السومرية "لتحرير" الطاقة السحرية المركزة في الحلم. و يُعبَّر عن هذا التحرير في الطقوس البابلية بفعل "شارو" الذي يعني حرر (من الشر أو الخطيئة) فكان سرد حلم علي أحدهم هو الطريقة الأكمل للتحرر ذاتيًا و لإبعاد الآثار السلبية للتجربة الحلمية.
أما التفسير البابلي للأحلام فكان يتم بواسطة جداول خاصة. و كان واضع هذه الجداول لايتردد باختراع المزيد منها ليستنفد كل الاحتمالات الممكنة. ولذا كانت قائمته تصويرًا للواقعين الحسي و التحليلي معًا. ومع ذلك فإن هذا المسرد ما كان ليكفي دون وجود العراف القادر علي فهم الرسالة الإلهية. و تثبت المفردات المستخدمة صلة الحلم البابلي بالعالم السفلي، الأمر الذي يتوافق مع كون الإله المرسل للأحلام هو إله الشمس قائد نفوس الموتي في الليل. ومثلما كان الأمر بالنسبة للمصريين، فإن جداول الأحلام تصف اهتمامات و حاجات البابليين، وتُظهر اهتمامًا خاصًا بالحصول علي الأطفال وعلي المناصب والثروة، و هي تعكس أيضًا الخوف من المرض و المصائب.
أما في الهند، فقد مرّت التفاسير بعدة مراحل تبين بوضوح تطور مفهوم الحلم و تفسيره خلالها، و يرجع أقدم تفاسير الأحلام الهندية إلي كتاب "الفيدا" المقدس ونجد فيه وصفا لنفسانيات الأفراد بحسب طبائعهم. فمثلاً: يري أصحاب الطبع الدموي في أحلامهم مشاهد جبال و أراضي وغابات تعصف فيها الرياح، و عددًا من الكواكب والنجوم المعتمة، والقمر وقد فقد نوره. في حين أن أصحاب الطبع الأكثر برودة يرون مشاهد أكثر اعتدالاً. ونلحظ في هذه الرمزية إشارات تعليمية حول طبيعة النفس أكثر منها تفاسيرا للأحلام.
والحق أن الحضارة الهندية تميزت بهذه التعاليم المهذبة للنفس فانعكست علي مجمل الحياة الإنسانية. و مع ذلك، نجد أن الأحلام خلال مرحلة أحدث استقلت عن طبائع البشر وأفسحت مجالاً للأحلام القادمة من أعماق النفس وذلك عبر رسائل الآلهة. ويتواتر ذكر الأحلام في الأدب الهندي، كما في ملحمتي المهابهاراتا والرامايانا وتتكرر في بعض القصص الشعبية الشبيهة بألف ليلة و ليلة، الأحلام التي يري فيها أمير فتاة في نومه فيغرم بها فيبحث عنها حتي يصل إليها. و تحفظ هذه الأحلام الأدبية المعاني التي تعبر عن مراحل بحث الإنسان الهندي عن المعرفة ويُعدّ الحديث عن الأحلام الهندية مدخلاً إلي دراسة أحلام الرؤي و التحقق وتفاسيرها و بخاصة في البوذية الهندية و الصينية، و سنعود إلي هذه النقطة لاحقًا.
و ينطبق ما ذكرناه عن التفسير الهندي علي الأحلام الصينية إلي حد كبير.
فقد كانت الأحلام الصينية تُصنَّف قديمًا وفق ثلاث مراتب. لكن هذا التصنيف غامض جدًا بالنسبة لنا اليوم وفي مرحلة تالية صُنّفت وفق ستة صنوف تعكس حالات نفسانية واضحة. و هي حلم الرعب و سببه حالة رعب، وحلم الفكرة و سببه ما كنا نفكر فيه قبل النوم، وحلم الأمس وسببه ما جري الحديث حوله أو ما حدث في اليوم السابق، وحلم الفرح وسببه حالة فرح، وحلم الخشية وسببه خوف من شيء ما. و يتم تفسير الأحلام وفق هذه التصانيف التي تشكل بالأحري تحليلاً لنفسية الحالم، إضافة إلي ما تشير إليه طاقة الحالم من توازن و تناغم مع العالم. فكل شيء في بنية وآلية الجسم بكليته، بما فيه الأحلام، يتوافق مع حدي الأرض والسماء (الين واليانج).
الحالم وفهمها
في اليونان لم يكن أرطميدوروس الوحيد الذي ترك لنا كتابًا في "تعبير الرؤيا" لكنه كان أول من عالج مفهوم الحلم وتفسيره بطريقة منهجية صحيحة. و قد عاش في القرن الميلادي الثاني في أفسس، لكن شهرته انتسبت إلي قرية والدته فلقب بالدالديائي، وقد اشتهر بتواضعه و اعترافه بخطئه إذا لم يحسن التفسير. وهو لم يعرف بالطبع مصطلح اللاوعي الحديث، لكنه كان يتعامل معه ويشعر به كمفهوم.
أما في بلاد اليونان فقد لعبت الأحلام دورا في تطور الحياة العقلية لدي تلك الأمة عاشقة الفسلفة، فقد ذكر هوميروس في إلياذته الكثير من الأحلام التي تدخل في الأحداث وتغير مصير ومسيرة ابطال عمله الخالد، وهو ما استلهمه منه كتاب المسرح اليوناني في تناولهم للأساطير ومعالجتها دراميا وتقف أسطورة الملك أوديب كنموذج صارخ علي مدي اعتناق اليونان لفكرة الأحلام وتأثيرها في حياة المرء.
أحلام الانبياء
اما في الكتب المقدسة التوراة والانجيل والقرآن فقد شغل تفسير الأحلام جزءاً لا بأس به في تلك الكتب وتعد قصة سيدنا يوسف أبرز القصص القرآني في الدلالة علي ما لعالم الأحلام من أهمية فقصة سيدنا يوسف عليه السلام التي ذكرها القرآن كاملة تلخص مفهوم الرؤيا منذ بداية القصة برؤيا سيدنا يوسف لأحد عشر كوكبا والشمس والقمر وتفسير والده سيدنا يعقوب (عليه السلام) مرورا بتفسير يوسف (عليه السلام) لرؤيا صاحبيه في السجن انتهاء بحلم ملك مصر بالسبع بقرات العجاف وأخري السمان.
وأشار القرآن الكريم إلي واقعة ترتبط برسولنا ([) حيث رأي النبي في عالم المنام الكفار قليلين فشد ذلك من معنوياته قبل حرب الكفار في موقعة بدر فقال تعالي "إذا يريكهم الله في منامك قليلا" (الأنفال:(43
وفي رؤيا منامية أخري لنبي الإسلام جاءت بشارة فتح مكة،حيث رأي رسول الله في منامه ليلا أن المسلمين قد دخلوا المسجد الحرام و هم يؤدون المناسك آمنين فحكي ذلك لأصحابه وعبر لهم رؤياه بأنهم سيدخلون المسجد الحرام في القريب العاجل ثم أمر أصحابه بعد فترة وجيزة بالتوجه نحو مكة المكرمة للحج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.