الرئيس السيسي يشدد على ضرورة التنفيذ الكامل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    قصة وفاة محامٍ ونجله.. مرض الابن فتوفي الأب كمدًا ولحق به الابن    بحوزتهم اسلحة ومواد مخدرة بقيمة 90 مليون جنيه.. مصرع مسجلين خطر اثناء مداهمة امنية بقنا    لدعم مراكز ريادة الأعمال.. جامعة الدول العربية تستضيف قمة ريبل 2025    مدبولي: الحكومة تعمل على مواصلة تكثيف الجهود لتعزيز قدرات الدولة في مجال زيادة الاستثمارات في مراكز البيانات    أسعار زيت الطعام على بطاقات التموين بعد إضافة عبوة جديدة (تفاصيل)    وزير الخارجية: نقدر جهود الدكتور مجدي يعقوب في تسخير العلم والخبرة لخدمة الفئات الأكثر احتياجا داخل مصر وخارجها    تشديد أمني في مطار بفلوريدا بعد رصد برج مشبوه قرب طائرة ترامب    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    كلوب يفتح الباب أمام عودة محتملة إلى ليفربول    طارق العشري: زعلت على نفسي بعد رحيلي من فاركو    افتتاح مدرسة الشوحط الثانوية ببئر العبد    اغلاق مزلقان التوفيقية في سمالوط بالمنيا لمدة يومين للصيانة    الروح الطيبة.. طليقة أمير عيد تنعى والدته برسالة مؤثرة (موعد ومكان العزاء)    بعد غد.. علي الحجار يحيي حفلًا غنائيًا على مسرح النافورة بالأوبرا    احمي نفسك بهذه الخطوات.. لماذا يقع برج السرطان ضحية للتلاعب؟    ملتقى شباب المخرجين.. أبطال «بين ثنايا الحقيقة» عن العرض: رؤية جديدة للنص الكلاسيكي    وزير الخارجية ومحافظ أسوان يزوران مركز مجدي يعقوب برفقة وفود منتدى أسوان للسلام    وزير الصحة يترأس الاجتماع الدوري للجنة التنسيقية لمنظومة التأمين الصحي الشامل    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    ارتفاع الذهب واستقرار الأسعار في مصر منتصف التعاملات اليوم الاثنين 20 أكتوبر 2025    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    أليجري يوضح سبب تغيير مركز لياو.. ورسالته بعد تصدر ميلان الدوري الإيطالي    هل اقترب رحيل أليو ديانج وأشرف داري من الأهلى فى يناير المقبل؟ اعرف التفاصيل    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    عاجل.. فتح باب المرافعة من جديد في محاكمة محمود عزت و80 قيادي أخواني ب "التخابر مع تركيا"    إصابة 7 أشخاص في حادث إنقلاب سوزوكي بطريق اسيوط الصحراوي الغربي بالفيوم    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة بخط الكيلو 21 بالإسكندرية.. توجيه المحافظ للنقل العام لتيسير حركة المرور أوقات الذروة    جامعة قناة السويس تستعرض تشكيل لجنة المكتبات    صحة غزة: مستشفيات القطاع استقبلت 57 شهيدا و158 مصابا خلال 24 ساعة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الصومالي تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين (صور)    المنظمات الأهلية الفلسطينية: الوضع كارثي والاحتلال يعرقل إدخال المساعدات لغزة    رمز لهوية الأمة.. المتحف المصري الكبير يوحد وجدان المصريين    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    مواقف محرجة على السجادة الحمراء.. حين تتحول الأناقة إلى لحظة لا تُنسى    محافظ الجيزة يفتتح مركز خوفو للمؤتمرات بميدان الرماية أمام المتحف المصري الكبير    فوزي لقجع يهدي لقب مونديال الشباب للملك محمد السادس    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    باكستان: الهدف الأساسى من اتفاق وقف إطلاق النار مع أفغانستان القضاء على الإرهاب    وزير التعليم العالي يعلن صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-10-2025 في محافظة الأقصر    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في الدوري.. والقنوات الناقلة    سعر الأرز الأبيض والشعير للمستهلك اليوم الإثنين 20اكتوبر 2025 فى المنيا    حبس المتهم بانتحال صفة موظف بخدمة عملاء بنك للنصب على مواطنين بالمنيا    مجدي يعقوب: مصر بقيادة الرئيس السيسي تظهر للعالم معنى السلام    دار الإفتاء توضح حكم تصفح الهاتف أثناء خطبة الجمعة    السجن 5 سنوات للمتهم بتهديد بنشر صور وفيديوهات خادشة لربة منزل في قنا    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام الحضارات القديمة ..
مدارس وجداول وخوف من الآلهة
نشر في آخر ساعة يوم 06 - 09 - 2011

قدماء المصريين اهتموا بالأحلام وأنشأوا لأجلها »مدرسة«
تفسير الأحلام في
»معبد النوم« مهنة مربحة في العصر البطلمي
أحلام الحضارات القديمة ..
تحتمس الرابع تحايل علي إخوته برؤيا مزيفة للاستيلاء علي العرش
سورة يوسف
تناولت أبرز حلم
في القصص القرآني
أقدم تفاسير الأحلام الهندية يعود لكتاب »الفيدا« المقدس
ارتبطت الأحلام بالإنسان أينما حل وأينما كان، فالحلم خلق يوم خلق الإنسان، لذلك اختلفت رؤية كل أمة في تفسيرها لهذا الزائر الغريب الذي يزور الإنسان في نومه يحمل أحيانا خيرا يتحقق وشرا يتخوف منه، لذا لم يكن غريبا أن تهول الشعوب البدائية من أمر الأحلام وما يتراءي فيها، إذ كانوا يعتقدون أنهم يرون في منامهم صورا تأتي من عالم ينتمي إلي ما فوق الإدارك البشري، بل واعتبروها رسائل من الآلهة تحذر من غضبتها وتمني بنعمتها في وقت كان الإنسان يعبد الطبيعة في مظاهرها المختلفة. ومع الاهتمام لدي الشعوب الهمجية بالأحلام بدأت تظهر وظيفة الساحر والعراف التي تهتم بتفسير الأحلام وتوضيح أوامر الآلهة وما يجب فعله لتجنب غضبها واستدرار عطفها.
عندما بدأ الإنسان يصعد سلم الحضارة بدأت رؤيته للأحلام تتغير ففي مصر القديمة كانت "مدرسة إهناسيا" متخصصة في تفسير الأحلام. وحظي فن تفسير الأحلام باحترام بالغ، و كان الخبراء في هذا الفن محل إقبال شديد ويتلقون مكآفات سخية من الراعي والرعية علي حد سواء، وبحلول العصر البطلمي صار تفسير الأحلام مهنة مربحة فكان يتم استئجار المتخصصين ليحلموا لصالح زبائنهم بالإضافة إلي تفسير الأحلام التي تراودهم. عندما يبحث شخص عن إجابة لأمر مقلق أو شفاء من علة، يوظف كاهن لينام داخل (معبد النوم) أو مركز للعرافة ويمكن للسائل أن يدفع أجرا ليمضي ليله داخل معبد النوم بنفسه حتي يتلقي عونا إلهياً في أُمور الصحة.
أما كتب تفسير الأحلام فقد خضعت لحراسة مشددة في زمن الفراعنة باعتبارها سراً من أسرار رجال الكهانة فلم يكن يرجع إليها إلا كبار الكهنة. ولم يبق من هذه الكتب سوي واحد فقط كتب خلال عصر الاسرة التاسعة عشرة، وهو يخص كاتب اسمه "كين خر خو بشف "كان شغوفا بجمع نصوص من السحر و الشعر و الطب و تفسير الأحلام .و احتوي هذا الكتيب علي أكثر من مائتين من تفسيرات الأحلام التي فسرت علي أنها كلام الآلهة.
أما أشهر الأحلام في تاريخ مصر القديمة فكان حلما لتحتمس الرابع (حكم مصر في الفترة 1401- 1391 ق.م) فقد كان لوالد تحتمس، أمنحتب الثاني خمسة أبناء يتسابقون علي خلافة أبيهم، حتي ادعي تحتمس الرابع أن أبو الهول تحدث إليه في الحلم وأخبره أنه إذا قام بإزالة الرمال المتراكمة عن تمثاله وحافظ عليه فإنه سيمنحه تاج مصر. وقد وجدت هذه الرؤيا مسجلة علي لوحة بين يدي تمثال أبوالهول، وتُعد هذه اللوحة دليلا علي أن تحتمس لم يكن الوريث الحقيقي لعرش مصر وأن إخوته كانوا عقبة في سبيل توليه العرش مما جعله يختلق قصة الرؤيا كنوع من التحايل للاستيلاء علي عرش البلاد بدون حق شرعي، وقد أزال تحتمس الرابع بالفعل الرمال عن تمثال أبو الهول وأقام حوله سورا بناه من الطوب اللبن.
وفي نهاية العصور الفرعونية وتحديدا الأسرة الثلاثين عندما بدأت الدولة في التفكك وبدأت المدن اليونانية في التدخل في شئون مصر أشيع أن الفرعون نختنبو الثاني أرسل حلما إلي أوليمبيا ملكة مقدونيا، عبر تمثال شمعي. حيث أعد دواءً باستخدام أعشاب مسببة للأحلام، وصنع تمثالا شمعيا و نقش عليه اسمها .و دهن التمثال بالخلطة العشبية واستحضر حلما معينا لها. وفي تلك الليلة حلمت أن آمون جاء إلي فراشها وأبلغها أنها ستلد طفلا عظيما وبعد تسعة شهور أنجبت ابنا هو الإسكندر الأكبر، الذي جاء إلي مصر مطالبا بحقه في حكم مصر بناء علي بنوته للإله آمون، فدخل مصر قائد جيش وخرج منها إلها.
إذا تركنا مصر وانتقلنا إلي العراق وجدنا أن البابليين اهتموا بعالم الأحلام فبحسب المنظور الديني البابلي تُعدّ كل تجربة في عالم الأحلام خطرة. ولذا، كان هناك اهتمام بالغ منذ أقدم العصور السومرية "لتحرير" الطاقة السحرية المركزة في الحلم. و يُعبَّر عن هذا التحرير في الطقوس البابلية بفعل "شارو" الذي يعني حرر (من الشر أو الخطيئة) فكان سرد حلم علي أحدهم هو الطريقة الأكمل للتحرر ذاتيًا و لإبعاد الآثار السلبية للتجربة الحلمية.
أما التفسير البابلي للأحلام فكان يتم بواسطة جداول خاصة. و كان واضع هذه الجداول لايتردد باختراع المزيد منها ليستنفد كل الاحتمالات الممكنة. ولذا كانت قائمته تصويرًا للواقعين الحسي و التحليلي معًا. ومع ذلك فإن هذا المسرد ما كان ليكفي دون وجود العراف القادر علي فهم الرسالة الإلهية. و تثبت المفردات المستخدمة صلة الحلم البابلي بالعالم السفلي، الأمر الذي يتوافق مع كون الإله المرسل للأحلام هو إله الشمس قائد نفوس الموتي في الليل. ومثلما كان الأمر بالنسبة للمصريين، فإن جداول الأحلام تصف اهتمامات و حاجات البابليين، وتُظهر اهتمامًا خاصًا بالحصول علي الأطفال وعلي المناصب والثروة، و هي تعكس أيضًا الخوف من المرض و المصائب.
أما في الهند، فقد مرّت التفاسير بعدة مراحل تبين بوضوح تطور مفهوم الحلم و تفسيره خلالها، و يرجع أقدم تفاسير الأحلام الهندية إلي كتاب "الفيدا" المقدس ونجد فيه وصفا لنفسانيات الأفراد بحسب طبائعهم. فمثلاً: يري أصحاب الطبع الدموي في أحلامهم مشاهد جبال و أراضي وغابات تعصف فيها الرياح، و عددًا من الكواكب والنجوم المعتمة، والقمر وقد فقد نوره. في حين أن أصحاب الطبع الأكثر برودة يرون مشاهد أكثر اعتدالاً. ونلحظ في هذه الرمزية إشارات تعليمية حول طبيعة النفس أكثر منها تفاسيرا للأحلام.
والحق أن الحضارة الهندية تميزت بهذه التعاليم المهذبة للنفس فانعكست علي مجمل الحياة الإنسانية. و مع ذلك، نجد أن الأحلام خلال مرحلة أحدث استقلت عن طبائع البشر وأفسحت مجالاً للأحلام القادمة من أعماق النفس وذلك عبر رسائل الآلهة. ويتواتر ذكر الأحلام في الأدب الهندي، كما في ملحمتي المهابهاراتا والرامايانا وتتكرر في بعض القصص الشعبية الشبيهة بألف ليلة و ليلة، الأحلام التي يري فيها أمير فتاة في نومه فيغرم بها فيبحث عنها حتي يصل إليها. و تحفظ هذه الأحلام الأدبية المعاني التي تعبر عن مراحل بحث الإنسان الهندي عن المعرفة ويُعدّ الحديث عن الأحلام الهندية مدخلاً إلي دراسة أحلام الرؤي و التحقق وتفاسيرها و بخاصة في البوذية الهندية و الصينية، و سنعود إلي هذه النقطة لاحقًا.
و ينطبق ما ذكرناه عن التفسير الهندي علي الأحلام الصينية إلي حد كبير.
فقد كانت الأحلام الصينية تُصنَّف قديمًا وفق ثلاث مراتب. لكن هذا التصنيف غامض جدًا بالنسبة لنا اليوم وفي مرحلة تالية صُنّفت وفق ستة صنوف تعكس حالات نفسانية واضحة. و هي حلم الرعب و سببه حالة رعب، وحلم الفكرة و سببه ما كنا نفكر فيه قبل النوم، وحلم الأمس وسببه ما جري الحديث حوله أو ما حدث في اليوم السابق، وحلم الفرح وسببه حالة فرح، وحلم الخشية وسببه خوف من شيء ما. و يتم تفسير الأحلام وفق هذه التصانيف التي تشكل بالأحري تحليلاً لنفسية الحالم، إضافة إلي ما تشير إليه طاقة الحالم من توازن و تناغم مع العالم. فكل شيء في بنية وآلية الجسم بكليته، بما فيه الأحلام، يتوافق مع حدي الأرض والسماء (الين واليانج).
الحالم وفهمها
في اليونان لم يكن أرطميدوروس الوحيد الذي ترك لنا كتابًا في "تعبير الرؤيا" لكنه كان أول من عالج مفهوم الحلم وتفسيره بطريقة منهجية صحيحة. و قد عاش في القرن الميلادي الثاني في أفسس، لكن شهرته انتسبت إلي قرية والدته فلقب بالدالديائي، وقد اشتهر بتواضعه و اعترافه بخطئه إذا لم يحسن التفسير. وهو لم يعرف بالطبع مصطلح اللاوعي الحديث، لكنه كان يتعامل معه ويشعر به كمفهوم.
أما في بلاد اليونان فقد لعبت الأحلام دورا في تطور الحياة العقلية لدي تلك الأمة عاشقة الفسلفة، فقد ذكر هوميروس في إلياذته الكثير من الأحلام التي تدخل في الأحداث وتغير مصير ومسيرة ابطال عمله الخالد، وهو ما استلهمه منه كتاب المسرح اليوناني في تناولهم للأساطير ومعالجتها دراميا وتقف أسطورة الملك أوديب كنموذج صارخ علي مدي اعتناق اليونان لفكرة الأحلام وتأثيرها في حياة المرء.
أحلام الانبياء
اما في الكتب المقدسة التوراة والانجيل والقرآن فقد شغل تفسير الأحلام جزءاً لا بأس به في تلك الكتب وتعد قصة سيدنا يوسف أبرز القصص القرآني في الدلالة علي ما لعالم الأحلام من أهمية فقصة سيدنا يوسف عليه السلام التي ذكرها القرآن كاملة تلخص مفهوم الرؤيا منذ بداية القصة برؤيا سيدنا يوسف لأحد عشر كوكبا والشمس والقمر وتفسير والده سيدنا يعقوب (عليه السلام) مرورا بتفسير يوسف (عليه السلام) لرؤيا صاحبيه في السجن انتهاء بحلم ملك مصر بالسبع بقرات العجاف وأخري السمان.
وأشار القرآن الكريم إلي واقعة ترتبط برسولنا ([) حيث رأي النبي في عالم المنام الكفار قليلين فشد ذلك من معنوياته قبل حرب الكفار في موقعة بدر فقال تعالي "إذا يريكهم الله في منامك قليلا" (الأنفال:(43
وفي رؤيا منامية أخري لنبي الإسلام جاءت بشارة فتح مكة،حيث رأي رسول الله في منامه ليلا أن المسلمين قد دخلوا المسجد الحرام و هم يؤدون المناسك آمنين فحكي ذلك لأصحابه وعبر لهم رؤياه بأنهم سيدخلون المسجد الحرام في القريب العاجل ثم أمر أصحابه بعد فترة وجيزة بالتوجه نحو مكة المكرمة للحج.
عندما بدأ الإنسان يصعد سلم الحضارة بدأت رؤيته للأحلام تتغير ففي مصر القديمة كانت "مدرسة إهناسيا" متخصصة في تفسير الأحلام. وحظي فن تفسير الأحلام باحترام بالغ، و كان الخبراء في هذا الفن محل إقبال شديد ويتلقون مكآفات سخية من الراعي والرعية علي حد سواء، وبحلول العصر البطلمي صار تفسير الأحلام مهنة مربحة فكان يتم استئجار المتخصصين ليحلموا لصالح زبائنهم بالإضافة إلي تفسير الأحلام التي تراودهم. عندما يبحث شخص عن إجابة لأمر مقلق أو شفاء من علة، يوظف كاهن لينام داخل (معبد النوم) أو مركز للعرافة ويمكن للسائل أن يدفع أجرا ليمضي ليله داخل معبد النوم بنفسه حتي يتلقي عونا إلهياً في أُمور الصحة.
أما كتب تفسير الأحلام فقد خضعت لحراسة مشددة في زمن الفراعنة باعتبارها سراً من أسرار رجال الكهانة فلم يكن يرجع إليها إلا كبار الكهنة. ولم يبق من هذه الكتب سوي واحد فقط كتب خلال عصر الاسرة التاسعة عشرة، وهو يخص كاتب اسمه "كين خر خو بشف "كان شغوفا بجمع نصوص من السحر و الشعر و الطب و تفسير الأحلام .و احتوي هذا الكتيب علي أكثر من مائتين من تفسيرات الأحلام التي فسرت علي أنها كلام الآلهة.
أما أشهر الأحلام في تاريخ مصر القديمة فكان حلما لتحتمس الرابع (حكم مصر في الفترة 1401- 1391 ق.م) فقد كان لوالد تحتمس، أمنحتب الثاني خمسة أبناء يتسابقون علي خلافة أبيهم، حتي ادعي تحتمس الرابع أن أبو الهول تحدث إليه في الحلم وأخبره أنه إذا قام بإزالة الرمال المتراكمة عن تمثاله وحافظ عليه فإنه سيمنحه تاج مصر. وقد وجدت هذه الرؤيا مسجلة علي لوحة بين يدي تمثال أبوالهول، وتُعد هذه اللوحة دليلا علي أن تحتمس لم يكن الوريث الحقيقي لعرش مصر وأن إخوته كانوا عقبة في سبيل توليه العرش مما جعله يختلق قصة الرؤيا كنوع من التحايل للاستيلاء علي عرش البلاد بدون حق شرعي، وقد أزال تحتمس الرابع بالفعل الرمال عن تمثال أبو الهول وأقام حوله سورا بناه من الطوب اللبن.
وفي نهاية العصور الفرعونية وتحديدا الأسرة الثلاثين عندما بدأت الدولة في التفكك وبدأت المدن اليونانية في التدخل في شئون مصر أشيع أن الفرعون نختنبو الثاني أرسل حلما إلي أوليمبيا ملكة مقدونيا، عبر تمثال شمعي. حيث أعد دواءً باستخدام أعشاب مسببة للأحلام، وصنع تمثالا شمعيا و نقش عليه اسمها .و دهن التمثال بالخلطة العشبية واستحضر حلما معينا لها. وفي تلك الليلة حلمت أن آمون جاء إلي فراشها وأبلغها أنها ستلد طفلا عظيما وبعد تسعة شهور أنجبت ابنا هو الإسكندر الأكبر، الذي جاء إلي مصر مطالبا بحقه في حكم مصر بناء علي بنوته للإله آمون، فدخل مصر قائد جيش وخرج منها إلها.
إذا تركنا مصر وانتقلنا إلي العراق وجدنا أن البابليين اهتموا بعالم الأحلام فبحسب المنظور الديني البابلي تُعدّ كل تجربة في عالم الأحلام خطرة. ولذا، كان هناك اهتمام بالغ منذ أقدم العصور السومرية "لتحرير" الطاقة السحرية المركزة في الحلم. و يُعبَّر عن هذا التحرير في الطقوس البابلية بفعل "شارو" الذي يعني حرر (من الشر أو الخطيئة) فكان سرد حلم علي أحدهم هو الطريقة الأكمل للتحرر ذاتيًا و لإبعاد الآثار السلبية للتجربة الحلمية.
أما التفسير البابلي للأحلام فكان يتم بواسطة جداول خاصة. و كان واضع هذه الجداول لايتردد باختراع المزيد منها ليستنفد كل الاحتمالات الممكنة. ولذا كانت قائمته تصويرًا للواقعين الحسي و التحليلي معًا. ومع ذلك فإن هذا المسرد ما كان ليكفي دون وجود العراف القادر علي فهم الرسالة الإلهية. و تثبت المفردات المستخدمة صلة الحلم البابلي بالعالم السفلي، الأمر الذي يتوافق مع كون الإله المرسل للأحلام هو إله الشمس قائد نفوس الموتي في الليل. ومثلما كان الأمر بالنسبة للمصريين، فإن جداول الأحلام تصف اهتمامات و حاجات البابليين، وتُظهر اهتمامًا خاصًا بالحصول علي الأطفال وعلي المناصب والثروة، و هي تعكس أيضًا الخوف من المرض و المصائب.
أما في الهند، فقد مرّت التفاسير بعدة مراحل تبين بوضوح تطور مفهوم الحلم و تفسيره خلالها، و يرجع أقدم تفاسير الأحلام الهندية إلي كتاب "الفيدا" المقدس ونجد فيه وصفا لنفسانيات الأفراد بحسب طبائعهم. فمثلاً: يري أصحاب الطبع الدموي في أحلامهم مشاهد جبال و أراضي وغابات تعصف فيها الرياح، و عددًا من الكواكب والنجوم المعتمة، والقمر وقد فقد نوره. في حين أن أصحاب الطبع الأكثر برودة يرون مشاهد أكثر اعتدالاً. ونلحظ في هذه الرمزية إشارات تعليمية حول طبيعة النفس أكثر منها تفاسيرا للأحلام.
والحق أن الحضارة الهندية تميزت بهذه التعاليم المهذبة للنفس فانعكست علي مجمل الحياة الإنسانية. و مع ذلك، نجد أن الأحلام خلال مرحلة أحدث استقلت عن طبائع البشر وأفسحت مجالاً للأحلام القادمة من أعماق النفس وذلك عبر رسائل الآلهة. ويتواتر ذكر الأحلام في الأدب الهندي، كما في ملحمتي المهابهاراتا والرامايانا وتتكرر في بعض القصص الشعبية الشبيهة بألف ليلة و ليلة، الأحلام التي يري فيها أمير فتاة في نومه فيغرم بها فيبحث عنها حتي يصل إليها. و تحفظ هذه الأحلام الأدبية المعاني التي تعبر عن مراحل بحث الإنسان الهندي عن المعرفة ويُعدّ الحديث عن الأحلام الهندية مدخلاً إلي دراسة أحلام الرؤي و التحقق وتفاسيرها و بخاصة في البوذية الهندية و الصينية، و سنعود إلي هذه النقطة لاحقًا.
و ينطبق ما ذكرناه عن التفسير الهندي علي الأحلام الصينية إلي حد كبير.
فقد كانت الأحلام الصينية تُصنَّف قديمًا وفق ثلاث مراتب. لكن هذا التصنيف غامض جدًا بالنسبة لنا اليوم وفي مرحلة تالية صُنّفت وفق ستة صنوف تعكس حالات نفسانية واضحة. و هي حلم الرعب و سببه حالة رعب، وحلم الفكرة و سببه ما كنا نفكر فيه قبل النوم، وحلم الأمس وسببه ما جري الحديث حوله أو ما حدث في اليوم السابق، وحلم الفرح وسببه حالة فرح، وحلم الخشية وسببه خوف من شيء ما. و يتم تفسير الأحلام وفق هذه التصانيف التي تشكل بالأحري تحليلاً لنفسية الحالم، إضافة إلي ما تشير إليه طاقة الحالم من توازن و تناغم مع العالم. فكل شيء في بنية وآلية الجسم بكليته، بما فيه الأحلام، يتوافق مع حدي الأرض والسماء (الين واليانج).
الحالم وفهمها
في اليونان لم يكن أرطميدوروس الوحيد الذي ترك لنا كتابًا في "تعبير الرؤيا" لكنه كان أول من عالج مفهوم الحلم وتفسيره بطريقة منهجية صحيحة. و قد عاش في القرن الميلادي الثاني في أفسس، لكن شهرته انتسبت إلي قرية والدته فلقب بالدالديائي، وقد اشتهر بتواضعه و اعترافه بخطئه إذا لم يحسن التفسير. وهو لم يعرف بالطبع مصطلح اللاوعي الحديث، لكنه كان يتعامل معه ويشعر به كمفهوم.
أما في بلاد اليونان فقد لعبت الأحلام دورا في تطور الحياة العقلية لدي تلك الأمة عاشقة الفسلفة، فقد ذكر هوميروس في إلياذته الكثير من الأحلام التي تدخل في الأحداث وتغير مصير ومسيرة ابطال عمله الخالد، وهو ما استلهمه منه كتاب المسرح اليوناني في تناولهم للأساطير ومعالجتها دراميا وتقف أسطورة الملك أوديب كنموذج صارخ علي مدي اعتناق اليونان لفكرة الأحلام وتأثيرها في حياة المرء.
أحلام الانبياء
اما في الكتب المقدسة التوراة والانجيل والقرآن فقد شغل تفسير الأحلام جزءاً لا بأس به في تلك الكتب وتعد قصة سيدنا يوسف أبرز القصص القرآني في الدلالة علي ما لعالم الأحلام من أهمية فقصة سيدنا يوسف عليه السلام التي ذكرها القرآن كاملة تلخص مفهوم الرؤيا منذ بداية القصة برؤيا سيدنا يوسف لأحد عشر كوكبا والشمس والقمر وتفسير والده سيدنا يعقوب (عليه السلام) مرورا بتفسير يوسف (عليه السلام) لرؤيا صاحبيه في السجن انتهاء بحلم ملك مصر بالسبع بقرات العجاف وأخري السمان.
وأشار القرآن الكريم إلي واقعة ترتبط برسولنا ([) حيث رأي النبي في عالم المنام الكفار قليلين فشد ذلك من معنوياته قبل حرب الكفار في موقعة بدر فقال تعالي "إذا يريكهم الله في منامك قليلا" (الأنفال:(43
وفي رؤيا منامية أخري لنبي الإسلام جاءت بشارة فتح مكة،حيث رأي رسول الله في منامه ليلا أن المسلمين قد دخلوا المسجد الحرام و هم يؤدون المناسك آمنين فحكي ذلك لأصحابه وعبر لهم رؤياه بأنهم سيدخلون المسجد الحرام في القريب العاجل ثم أمر أصحابه بعد فترة وجيزة بالتوجه نحو مكة المكرمة للحج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.