ارتفاع اللحوم والفول وتراجع الدواجن بالأسواق اليوم الأربعاء (موقع رسمي)    روسيا تهدد باستهداف القوات الفرنسية حال ذهابها لأوكرانيا    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    وزير النقل: تنفيذ خطة شاملة لتطوير الخطَّين الأول والثاني للمترو.. وتصنيع وتوريد 55 قطارًا    «المصرية للمعارض» تدعو الشركات للمشاركة في معرض طرابلس الدولي في الفترة من 15 - 21مايو    «تعليم كفر الشيخ»: غرفة العمليات لم تتلق أي شكاوى في أول امتحانات الفصل الدراسي الثاني    توخيل: من المستبعد التواجد في بايرن الموسم القادم.. وأحب الدوري الإنجليزي    إجراء المقابلات الشخصية ل44 من المتقدمين لشغل وظائف مدير عام بالقاهرة (تفاصيل)    غرامة مالية وترحيل.. ننشر موعد تطبيق عقوبة مخالفة تعليمات الحج 1445    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    لا تكذب على برج العقرب.. 4 أبراج لديها موهبة قراءة أفكار الآخرين (تعرف عليهم)    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    متابعة لمشروعات حياة كريمة بقرى ديرمواس في المنيا    هايد بارك العقارية للتطوير تطرح Lagoon Town على لاجون بمساحة 22 ألف متر مربع بمشروع Seashore رأس الحكمة    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    تأجيل محاكمة متهم ب"أحداث وسط البلد" إلى 22 يونيو المقبل    خان شقيقه بمعاشرة زوجته ثم أنهى حياته بمساعدتها في كفر الشيخ    رئيس نادي خيتافي يكشف مصير ميسون جرينوود في الموسم المقبل    أخبار الأهلي : اليوم ..حفل تأبين العامري فاروق بالأهلي بحضور كبار مسؤولي الرياضة    مسؤول إسرائيلي: لا نرى أي مؤشرات على تحقيق انفراج في محادثات الهدنة في غزة    أفضل دعاء للأبناء بالنجاح والتوفيق في الامتحانات.. رددها دائما    روسيا تؤكد ضرب مواقع عسكرية وشبكة الطاقة الأوكرانية "ردا" على هجمات كييف    بعد حلف اليمين الدستوري.. الصين تهنئ بوتين بتنصيبه رئيسا لروسيا للمرة الخامسة    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    صادرات السيارات بكوريا الجنوبية تقفز 10.3% خلال أبريل الماضي    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    مرصد الأزهر: استمرار تواجد 10 آلاف من مقاتلي داعش بين سوريا والعراق    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    وزير الخارجية الإيراني: طهران والقاهرة تتجهان نحو إعادة علاقاتهما الدبلوماسية إلي طبيعتها    علاء مبارك ينتقد مركز "تكوين الفكر العربي".. بين الهدف المعلن والتحفظ على العقيدة    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    أصالة تحذف صورها مع زوجها فائق حسن.. وتثير شكوك الانفصال    فصائل فلسطينية: سنتعامل مع إفرازات أي مخطط للوصاية على معبر رفح كما نتعامل مع الاحتلال    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    باتور... سيارة حصرية جديدة من بنتلي    البنك المركزي يصدر تعليمات منظمة للتعامل مع الشكاوي بالبنوك    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    "المدرج نضف".. ميدو يكشف كواليس عودة الجماهير ويوجه رسالة نارية    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    رئيس جامعة القاهرة ينعى الدكتور إبراهيم درويش أستاذ العلوم السياسية    طلاب الصف الأول الإعدادي بالجيزة: امتحان اللغة العربية سهل (فيديو)    اليوم، الحركة المدنية تناقش مخاوف تدشين اتحاد القبائل العربية    مجلس النواب يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة    المركزي للمحاسبات: ملتزمون بأقصى درجات المهنية في نظر الحساب الختامي الموازنة    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    لبلبة و سلمي الشماع أبرز الحضور في ختام مهرجان بردية للسينما    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وادي النطرون.. بلاد الأديرة والقلوب العامرة
نشر في آخر ساعة يوم 16 - 08 - 2011

هذه القصص والحكايات جزء من تاريخ منطقة عريقة في القدم كانت تمثل بوابة مصر الغربية في يوم ما.. وسوف نستعرض المزيد من صفحات تاريخها من خلال جولة يقوم بها الدكتور جمال فتحي عيد مدير عام البحث العلمي بالمجلس الأعلي للآثار: تتبع مدينة وادي النطرون إداريا محافظة البحيرة وهي إحد مراكزها وأهم روافدها ثراء وأقلها تنمية.
كما تقع علي الطريق الصحراوي بين القاهرة والاسكندرية وتحديدا عند الكيلو (601) والمدينة كمنطقة جغرافية عبارة عن منخفض وليس وادياً يمتد علي هيئة مستطيل من الشمال الغربي إلي الجنوب الشرقي وإجمالي مساحته (005 كم) كما أن له بداية.
وكان به العديد من البحيرات المالحة التي تمتد بطوله إلا أن عددها تناقص تدريجيا ولم يبق سوي أربع بحيرات والتي كانت قديما وحديثا تمد مصر والعالم القديم بمادة النطرون وهي ملح الطعام كما لاتزال تقوم بهذا الدور حتي الآن.. كما يقول الدكتور جمال مشيرا إلي أنه من مادة النطرون المعربة عن الكلمة اللاتينية القديمة (نيتروت) أو Nitroiote اشتق اسم المدينة وتعني إقليم النطرون أو Nitroiote Non بمعني مقاطعة النطرون حسبما ذكر استرابون خلال القرن الأول الميلادي (المنطقة التي تحوي تلك البحيرات المالحة.
ولوادي النطرون أهمية كبيرة في التاريخ الفرعوني حيث كان يعد بوابة مصر الغربية.. ولقد شهد هذا الموقع العديد من الحروب الواردة والصادرة من وإلي مصر، ومن أشهر المعارك التي خاضتها مصر قديما عبر هذه البوابة تلك الحملة الضخمة التي قادها ملك مصر الأول مينا ضد القبائل النحفو الصحراوية وقد ورد في كتب التاريخ أن عدد ضحايا هذه المعركة من جانب الأعداء يربو علي مائة ألف قتيل!
وأوضح الدكتور جمال أن الفراعنة شيدوا الحصون والقلاع.. علي أن الشهرة الواسعة التي نالها وادي النطرون في الدراسات الأثرية والتاريخ الفرعوني هو أنه كان موطناً أو محل عمل الفلاح الفصيح صاحب الأدب الفرعوني البليغ والتي تعود قصته للأسرة الثانية عشرة الفرعونية.. خاصة أن مؤرخي الآثار والفنون بأوروبا بعدما أذهلتهم الاكتشافات الأثرية الفرعونية خلال القرن التاسع الميلادي كما يؤكد الدكتور جمال إلا أنهم أنكروا هذه الحقيقة ورغب البعض منهم في تشويه هذه الحضارة التليدة وذلك من خلال وصفهم لها بأنها حضارة مادية فقط ترتبط بالسخرة والقسوة وبعيدة عن الفكر والفنون الرفيعة. فكانت كما يقول الدكتور جمال بردية القروي الفصيح بما تحمله من أدبيات كلاسيكية ومعان سامية خير رد علي التفكير الأدبي الحائد عن الحقيقة.
وقد نال الوادي أهمية عظيمة في ظل الدولة الإسلامية كما يذكر الدكتور جمال حيث تحدث عنه كبار المؤرخين والجغرافيين أمثال المقريزي الذي أورد اسمه بوادي هبيب (نسبة إلي هبيب أو حبيب الفزاري الغفاري الذي اعتزل الفتنة التي قامت بمصر زمن الخليفة عثمان بن عفان) وعاش حينا من الدهر بجوار المستبعدين من الرهبان وشاعت حينئذ تسمية الوادي بهذا الاسم وهو الأمر الذي يؤكد التعايش الأخوي السلمي بين المصريين جميعا حتي في العزلة والتدين!
مما ذكره أيضا أبن الجيعان في التحفة السنية باسم هبيب وعرفه بأنه (مرعي الأغنام والجاموس الخاص بالعربان قديما وحديثا).
إلي جانب أن وادي النطرون سمي في القبطية ببرية الأسقيط بمعني الزاهد أو المتنسك كما سمي ببرية شيهيت وهي كلمة قبطية تعني ميزان القلوب.
وقد ذكر المقريزي أنه كان يوجد في هذا المكان قديما مائة دير، كما يصف المنطقة قائلا: وهي رمال منقطعة وسباخ مالحة وبراري معطشة وقفار مهلكة وشراب أهلها من حفائر (آبار) وتحمل النصاري إليها النذور والقرابين، وقد تلاشت في هذا الوقت بعد ما ذكر مؤرخو النصاري أنه خرج إلي عمرو بن العاص من هذه الأديرة سبعون ألف راهب بيد كل واحد عكاز، فسلموا عليه وأنه كتب كتابا لهم محفوظا لديهم.
ولكن الدكتور جمال يقول عكس ماسبق حيث يري عمر طوسون أن عدد الرهبان قبل الفتح العربي كان قليلاً. علي أن الأهمية الكبيرة لوادي النطرون اليوم كما يراها الدكتور جمال تكمن في وجود أربعة أديرة عامرة به وبعض الأديرة الصغيرة المدفونة تحت رمال التلال الأثرية به، حيث بدأت الرهبنة في قلالي محفورة في تلك التلال ثم فرضت الظروف الطبيعية علي النساك إقامة مجمعات متقاربة ومن هنا بدأت فكرة التجمع داخل الأديرة لتوفير الحماية من غارات البرابرة كما أنشئت الحصون بداخلها وهي لا تزال قائمة حتي الآن.
وإذا كانت هذه الأديرة تعطي أهمية للوادي، فإنه في الوقت ذاته تستمد هذه الأديرة مكانتها من الوادي نفسه والذي شرف وحظي بمرور العائلة المقدسة من أراضيه عند زيارتها لمصر.
وبجانب هذه الخاصية الدينية لأديرة وادي النطرون وارتباطها به.. يؤكد الدكتور جمال أن هناك عاملا آخر في جذب الرهبان وإقامتهم به وهو انزواء هذا المكان من قبل السلطات المحلية في فترة حكم البطريك الروماني (قيرس) المعروف تاريخيا باسم المقوقس والذي نكل بالأقباط المصريين وسقاهم سوء العذاب حتي أدي لهروب العديد من القساوسة والرهبان للصحاري ومنها هذا المكان.
ويلفت النظر الدكتور جمال إلي أن هناك بعض مؤرخي اليوم لا يحبذون حقيقة هروب الرهبان إلي الصحاري حيث إن هذا يعد جبناً ومحاولة للهروب من مواجهة الاضطهاد وذلك يتنافي مع دخول آلاف المصريين في الحركة الرهبانية إيمانا منهم بأن الاهتمام بالماديات يقود إلي التراخي في الروحانيات ويحول دون الوصول إلي الكمال حسب وصية السيد المسيح. علي أية حال فوجود هذه الأديرة وما تحتويه من كنائس أثرية قديمة يرتبط تشييدها بأسماء قديسين ورهبان لهم مكانتهم الدينية الكبيرة جعل من وادي النطرون منطقة سياحية مهمة، أضف إلي ذلك عوامل الجذب الأخري مثل وجود الملاحات ببحيراتها المتنوعة حجما وأهمية والتي تمتد بطول أراضيه وتفيض بالخيرات وتعد معينا لا ينضب.
ومن أعظم المشاهد إعتبارا كما يراها الدكتور جمال تفجر ينبوع من الماء العذب الزلال في منتصف بحيرة من المياه شديدة الملوحة تسمي بحيرة نبع الحمراء ونتيجة انسياب هذه المياه الحلوة علي تلك البقعة شديدة الملوحة تتكون لوحة ربانية متدرجة الألوان يغلب عليها اللون الأحمر.. وهذا المشهد أطلق عليه الأهالي نبع الحمرا أو بئر أيوب.
وفضلا عن ذلك فإن أراضي الوادي لها مستقبلها الاقتصادي الذي يرتبط بوجود ما يؤهلها لذلك كما يعتقد الدكتور جمال حيث أن أملاح بحيراته هي أملاح صخرية تنتج من ذوبان الصخور الملحية والكبريتية (المنتشرة في الوادي) مع مياه الأمطار أثناء هطولها وتكون عالية التركيز (عشرة أضعاف تركيز الأملاح من مياه البحر) وتترسب في منخفضات يتراوح عمق بعضها مابين 25 إلي 31 مترا تحت سطح الأرض وتبدأ في الجفاف مع قدوم أشهر الصيف، وأكد الدكتور جمال أن المنطقة تحتاج لإنشاء مصانع قادرة علي تنقية الكميات الكبيرة من الأملاح المميزة ولإقامة مراكز للاستشفاء الطبي بها متخصصون لعلاج الأمراض الجلدية وخاصة الصدفية.
وإذا ما بدأنا زيارة لأول الأديرة التي تعترض القادم من القاهرة.. كما يحبذ الدكتور جمال فإننا سنجد دير الأنبا مقار الكائن بمواجهة مدينة السادات وهو أكبر أديرة وادي النطرون (مكاريوس الكبير) والمعروف بدير أبو مكار وهو من أغني الأديرة بما يحويه من مخطوطات وآثار ويضم 7 كنائس، يوجد أربع منها في الحصن القديم، الذي يعتبر أكبر حصون الأديرة المصرية وأعظمها شأنا والذي بناه الملك زيتون عام 284م لابنته الأميرة إيلارية التي أصبحت راهبة في الدير.
أما دير الأنبا بيشوي فيقع علي مسافة 61 كم من مدخل مدينة وادي النطرون علي الطريق الصحراوي (القاهرة الاسكندرية) حتي عمقها وقد تأسس هذا الدير تحت قيادة القديس الأنبا بيشوي كتجمع رهباني في أواخر القرن الرابع الميلادي أثناء حكم الامبراطور ويشمل كنيسة الأنبا بيشوي التي تعتبر أكبر الكنائس في الوادي وقلالي الرهبان وبئر مياه بدون أسوار ومطحنة غلال ومعصرة زيوت ومخازن.
في حين أن دير السريان يقع علي مسافة نصف كم فقط من دير الأنبا بيشوي وهو أصغر الأديرة وإن كان أكثرها شهرة بين رجال الدين والأدب وترجع تسميته بهذا الاسم إلي أن جماعة من الرهبان السوريين كانوا قد أقاموا فيه عام 4891.
والدير به عدة كنائس أهمها السيدة العذراء وهي أكبرهن مساحة وأقدمهن تشييدا فضلا عما تحتويه من تصاوير جدارية متنوعة وعديدة.
ويختتم الدكتور جمال زيارتنا لأديرة الوادي بدير البراموس وهي كلمة قبطية تعني (الخاص بالروم) نظراً لإقامة ثلاثة قديسين أروام به كما يضم كنيسة ثمينة بها آلاف الكتب مابين مخطوط ومطبوع بعدة لغات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.