مايحدث حولنا يوميا يشير إلي أن الشعب خرج من الثورة إلي مقاعد المتفرجين المذعورين .. وأننا نحتاج العودة لنقطة البداية، وهي سبب قيام الثورة ..هل لفساد رجال الدولة، أم فساد القوانين، أو فساد الشعب ؟.. وماهي النتائج بعد سبعة أشهر ؟.. لأننا نحتاج قبل الانتخابات إلي تصحيح المسار وإعادة تحديد الأهداف لنختار مجلس شعب ورئيساً قادراً علي توجيه بوصلة السفينة إلي شواطئ الأمان ونورالحضارة وحدائق الرخاء. وكلنا شهود علي أن أهم أسوأ نتيجتين للثورة الآن، خلاف سيادة الفوضي والجريمة، هما :- أولا أن الثورة لم تهز عرش المصالح الحكومية، الغارقة في الإهمال والقبح والرشوة والتخلف الإداري، والتي هي معتقلات جوانتنامو لسلب آدمية المواطنين .. وبالصدفة أتناول شركة مياه مصر الجديدة كنموذج لأغلب المصالح الحكومية التي نتعامل معها مجبرين، ونخرج منها كالخارج من القبور.. ذهبت لمقر الشركة لطلب تركيب عداد، لم أصدق عيني من ثبات صورة المكان منذ طفولتي البعيدة .. هو أشبه بأطلال مدرسة قديمة في أعماق الريف الغابر .. الموظفون كأشباح أهل الكهف .. كل شئ كالح ومتهالك ومتخلف، من الكرسي الأبلكاش بتاع اتفضل استريح يامواطن لحد ما الموظفين يرجعوا من الصلاة، إلي الحوش الترابي والسلم المتهالك .. أعترف أني أنجزت بداية مهمتي من غير فوت علينا بكره، لكن اكتأبت من مشهد سيدة ضريرة تتحسس الحوائط لتدخل المكتب وسط الموظفين .. وقبل أن يسرح خيالي باعتبارها متسولة، صاح موظف طيب يناديها، لألأ، قلنالك حسسي باب وادخلي التاني .. ابتسمت معتذرة ومضت وحدها بخبرة!!.. وعرفت أنها موظفة معتمدة ضمن ال5٪ حالات خاصة .. تم تعيينها ونظرها ضعيف جدا .. ثم تسرب النظر تماما من ثلاث سنوات لكن الادارة ترفض منحها استمارة 21 تجنبا لمصاريف التعويض وإصابة العمل ونهاية الخدمة.. فتأتي يوميا للتوقيع حضور وانصراف!! لتؤكد أن الثورة لم تصل للمصالح الحكومية حتي الآن .. والعجيب أن شركة المياه تطورت إلي شركة قابضة، يعني قادرة علي تطوير أدائها وتحسين مظهرها ذاتيا، علي الأقل بجزء من حصيلة آلاف الملايين السنوية الفورية، التي ندفعها مجبرين مقابل شراء مياه تورد الزباين لوحدات غسيل الكلي بانتظام .. ومايزعجني أكثر أن السيد عبد القوي خليفة محافظ القاهرة الحالي كان أحد كبار المسئولين عن إدارتها بعد الخصخصة، ولا أريد أن أتشاءم من مصير محافظة القاهرة .. سننتظر أداءه بعد الثورة، ولكن لن ننتظر كثيرا لأنني لا أفهم ماهي العبقرية المطلوبة لتحديث اي مصلحة حكومية تتعامل مع الجمهور، أكثر من كام جردل بوية .. وكام مدير شاب متعلم، سليم عقليا، يعلن الثورة علي القبح والإهانة والفساد.. آدمية وكرامة الموظف والساعي والزبون من أولويات الثورة ياحكومة. وثانيا أن العنف تحول إلي وحشية مخيفة .. فما حدث في محافظة الدقهلية مرعب، ويؤكد استمرار غياب الأمن، وينذر بالخطر علي الوطن وعلي مصير الثورة .. فقد اضطر أهالي دسوق بمساعدة ستين بلطجيا - بدلا من رجال الأمن - للتخلص بوحشية من بلطجي روع أمنهم، مزقوا جسده وقطعوا يديه ورجليه ورأسه بالسكاكين والآلات الحادة وأحرقوا منزله ..ثم طافوا بأشلائه يحتفلون في المدينة !!.. بشاعة الحادثة يجب استثمارها لمواجهة الواقع لتطهيره، ليس بالوعود ولا بالشعارات .. تجنبا لمظاهرات واعتصامات لإنقاذ الوطن إذا طال التغابي ،لأن كلنا تعبنا جدا .. وحبال الصبر دابت. ❊❊❊ ❊ وسط هدوء ماقبل مدفع الإفطار.. سحبني كتاب " ورق متقطع" وانتشلني قبل السقوط في حفرة الاكتئاب بسبب السطور السابقة.. الكتاب يضم 21 قصة قصيرة في تجربة جريئة غالبا هي الأولي من نوعها.. أن يمزج صديقان أولي كتابتهما الأدبية في كتاب تحت عنوان واحد، وبدون توقيع فردي.. تتتابع القصص بنفس الروح الإنسانية الشفافة، المتمردة، الساخرة، الواعية، لكن كأنها فزورة مهداة لمن يعرفهما لاكتشاف شخصيته.. أقرأ الخيانة اليوم - أنت ياحمار- الحب من تاني رقصة .. من منهما أحمد رزق الله ومن رامي أبادير الراقصان في حفلة تنكرية .. مع أن الكتابة فعل شخصي، والشهرة فعل أناني لا يقبل شريكا .. أكاد أري ابتسامة خباثة علي وجهي الشابين أحمد ورامي .. فقد قررا إطلاق مدافعهما الثقيلة علي قيود المجتمع التي تخنق المشاعر الفطرية للإنسان، وتأسره وتراقبه وتقمعه ليرضخ لقوانينها الغبية التي تسلب فرحة الحياة من الطرفين، الجلاد والأسير .. القصص تكشف عذابات إنسانية بسيطة جدا وعميقة جدا .. مكتوبة بسلاسة وعذوبة الاكتشاف الأول، والثورة الأولي، وبتعاطف إنساني تجاه الشخصيات العزيزة والهامشية والضحايا، آسرين ومأسورين .. فالكل يسعي في الحياة، يحتفل بها ويقاومها ويستسلم لها ويتمرد عليها .. ثم ينزلق إلي نهاية واحدة يعيش كل عمره خائفا من مواجهتها .. لا يقاوم خوفه إلا بالبحث عن قلب حبيب يحتضنه ويسلمه بأمان إلي محطة النهاية .. ليتحرر وينطلق بسلام .