أصبح الحصول علي »كيس دم» حلما يراود المرضي داخل المستشفيات، بسبب النقص والعجز الشديد في بنك الدم القومي أو بنوك الدم التابعة للمستشفيات الحكومية والجامعية، فهناك آلاف المرضي يحتاجون إلي الدم حتي أصبح المريض أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحصول علي كيس دم أو الموت المحقق، في الوقت الذي تراجعت فيه معدلات إقبال الجماهير علي التبرع بالدم. تتنوع قضية الدم ما بين أزمة في نقصه وسلامته، فبجانب المصابين في الحوادث يوجد مرضي الثلاثيما الذين يحتاجون إلي الدم باستمرار أسبوعياً، حيث تم اكتشاف إصابتهم بفيروسات فشلت أجهزة التحاليل كشفها، وهذا ناتج عن دخول الفيروسات في مرحلة جديدة أو وجود أجهزه حديثة لاستخدام الحمض النووي لم تستطع بنوك الدم شرائها لارتفاع تكلفتها، فضلا عن تفاوت سعره حيث وصل سعر كيس الدم بالمستشفيات بين 500 و800 جنيه، ويعد العزوف عن التبرع بالدم أحد أبرز أسباب الأزمة. يؤكد خالد هلالي عضو لجنة الصحة بمجلس النواب: هناك عدة مقنرحات تقدمت بها اللجنة من أجل وجود حلول لأزمة بنوك الدم في مصر، علي رأس هذه الحلول إحالة تبعية بنوك الدم المختلفة تحت إشراف جهة واحدة فقط، فضلا عن توفير كل الموارد البشرية والمالية لبنوك الدم، خاصة وأن بعضها يعاني حاليا، نقصا في الأطباء والعاملين. لافتا إلي ضرورة أن تقوم وزارة الصحة بوضع خطة عاجلة لزيادة موارد التبرع بالدم، لأن هناك نقصا في أكياس الدم في بعض المحافظات، خاصة في الفصائل السالبة.. ويوضح أن منظومة بنوك الدم في مصر في حاجة إلي رؤية شاملة وإعادة تطويرها وتلاشي أي أخطاء فيها.مطالبا بتدشين موقع إلكتروني يربط بنوك الدم ببعضها في كل محافظات مصر، لتسهيل عملية نقل الدم للمواطنين، لافتا إلي أن لجنة الصحة بالمجلس ستتابع كل هذه التحركات خلال هذه الفترة. ويقول المهندس أحمد زغلول المنظم للعديد من حملات التبرع بالدم أن الأزمة الأكبر التي تواجه أي مريض في احتياج إلي الدم هي ارتفاع سعر كيس الدم، حيث إذا ذهب إلي بنك الدم القومي ولم يجد العينة التي يحتاجها هنا عليه أن يبحث عن كيس دم في أي مكان وإذا لم يجد تضره الظروف إلي اللجوء للبنوك الخاصة، وهنا يصطدم بارتفاع السعر، لافتاً إلي إن الجهات والهيئات المسموح لها بتجميع الدم تتمثل في المركز القومي للدم إضافة إلي المستشفيات الحكومية والجامعية ويحظر علي المستشفيات الخاصة تجميع الدم، لكن ما نلاحظه أن أكثر الأماكن المتوافر فيها الدم وبالأخص الفصائل النادرة هي بنوك الدم الخاصة، وهنا لا أحد يعرف السبب ، حيث من المفترض وطبقا للضوابط أن بنك الدم القومي مسئول عن توزيع الدم علي المستشفيات الخاصة والحكومية، ولكل منهما حصة من هذا الدم، وقد حددت الدولة سعرا مدعوما للدم لكن برغم ذلك نجد كل بنك دم يبيع بالسعر الذي يناسبه. يضيف: قمت مع أصدقائي بإنشاء صفحة علي موقع التواصل »فيسبوك» باسم »بنك الدم المصري» لنساعد المحتاجين للدم وتوفيره لهم، لكن هناك مشكلة تواجهنا دائما وهي نقص الفصائل النادرة، حيث إنها غير موجودة سوي في البنوك الخاصة وبأسعار مرتفعة للغاية فقد يصل سعر كيس الدم إلي 800 جنيه أو وجود ثلاثة أشخاص متبرعين مقابل كيس دم واحد، إضافة إلي أن أي بنك دم حكومي غير مسموح له بتعويض الدم الناقص عنده من بنك آخر، وبالتالي يلجأ إلي بنك الدم القومي، وإذا تجاوزت الساعة الثانية ظهرا فلا يجد الدم، لذلك أري أن منظومة الدم في مصر تحتاج لكثير من الجهد حتي يتم القضاء علي الأزمة، والتي منها عمل قاعدة بيانات من خلال منظومة إلكترونية حتي يتمكن المريض من معرفة الفصيلة التي يحتاج إليها موجودة بأي بنك، لأن الخط الساخن الخاص ببنك الدم أو وزارة الصحة لا يسعف أي مريض. وتري الدكتورة هالة عدلي حسين، رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب بشركة خدمات الدم» بفاكسيرا»، أنَّ المستشفيات في مصر تعاني من أزمة نقص في مشتقات الدم وبخاصة، الألبومين وفاكتور 8، فاكتور 9 وال»أنتي آر اتش»، وغيرها، لعدم وجود مصانع لإنتاج مشتقات الدم، مشيرا إلي أنَّ الشركة قامت بعمل دراسة جدوي لإنشاء مركز تجميع بلازما، لتقليل العجز في البلازما لأن المستورد لا يكفي سوي 40% من احتياج السوق المصري، فهذا المركز كبداية لإنشاء مصنع لإنتاج مشتقات الدم وخلال فترة قصيرة من الآن نستطيع تغطية الاستهلاك المحلي من مشتقات الدم وتصدير الفائض للخارج، موضحة أنَّ التكلفة الإجمالية لإنشاء مصنع مصري لمشتقات الدم تقدر بنحو مليار جنيه، بينما تصل تكلفة مركز تجميع البلازما ل400 مليون جنيه. فيما يؤكد الدكتور إيهاب سمير، مدير عام بنك الدم بالشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات، أنَّ بنوك الدم في مصر غير كافية فهي تغطي فقط ثلث احتياجات المصريين من الدم حيث يوجد عجز حقيقي بالمخزون الاستراتيجي من الدم ومشتقاته إضافة إلي تدني مستوي الوعي لدي المواطنين عن أهمية التبرع وفوائده فضلا عن وجود قصور بأطقم العمل ومن هنا يجب أن يكون هناك وفرة في طاقم العمل لاستهداف مناطق جغرافية أكبر من خلال حملات التبرع وخدمات نقل الدم. ويشير د. سمير إلي أن هناك معتقدات مجتمعية خاطئة حول إصابة المتبرع بالدم بأمراض وهذا غير صحيح، بل علي العكس فالتبرع بالدم 4 مرات سنويًا بشكل منتظم له فوائد صحية كبيرة من بينها تقليل معدلات الكوليسترول المرتفع ومعدلات ضغط الدم العالية وتقليل فرص الإصابة بأمراض القلب إلي زيادة نشاط الخلايا وتجديدها بالدم، لافتا إلي وجود حلول لأزمة نقص الدم ومشتقاته منها إنشاء بنك دم وطني قومي يشارك فيه كافة بنوك الدم علي مستوي الجمهورية وربطها بشبكة معلومات مركزية لتحديد أماكن توفير الدم الأمر الذي يعود بالنفع علي المريض ويسهل حصوله علي أكياس الدم، في حين يقول الدكتور مجدي الإكيابي مدير مستشفي مجدي للدم: نحتاج إلي 2% من إجمالي تعداد السكان للتبرع بالدم، أي نحو مليون و800 ألف، لكن ما نلاحظه أن ما يتم جمعه يصل لنحو مليون و200 ألف، وهذه النسبة قليلة وكانت السبب في العجز الواضح في الدم، لذلك نلاحظ بأن ثقافة التبرع بالدم في مصر ثقافة ضعيفة لدي الشعب المصري، لافتا إلي أننا إذا نظرنا إلي خريطة الدم في مصر فنجد أنها موزعة كالآتي: 45% وزارة الصحة ممثلة في بنك الدم القومي، و45% المستشفيات الجامعية، والباقي 5% مستشفيات القوات المسلحة، وأقل من 5% مستشفيات ومراكز القطاع الخاص والأهلي. يضيف بأن زيادة سعر الدم في بعض البنوك الخاصة بسبب إجراء تحاليل للأجسام المضادة وعمل فحص إضافي من خلال الكشف عن الحمض النووي، وهذا هو السبب في ارتفاع سعر الدم، بعكس الموجود في بنك الدم القومي الذي تقوم الدولة بدعمه بنحو 300 جنيه للكيس. بينما تري الدكتورة مها الزميتي أستاذة أمراض الدم بكلية طب عين شمس أن أزمة الدم في مصر ناجمة عن ثقافة التبرع الغائبة، فالتبرع لا نجده إلا عند وجود حالات حرجة، مما يضطر المواطن للتبرع بالدم، ودون ذلك تظل عملية التبرع غير موجودة، مشيرة إلي أن التبرع أوقات الحالات الحرجة ينطوي علي مخاطرة وخطأ طبي، لأن التبرع من أهل المريض يفقده في المستقبل التبرع بجزء من الكبد أو الكلي لأنه قد سبق وأخذ دما منهم. تتابع: يوجد البعض من المواطنين يعيشون علي تجارة الدم من خلال التبرع بكثرة، ولا يدركون أن هذا يضر بصحتهم ضررا شديدا، كما أن بنوك الدم لاتسعي إلي توفير الفصائل النادرة بسبب عدم وجود هامش ربح لها، موضحة أن الأزمة التي تواجه الأطباء المتخصصين في أمراض الدم تتمثل في مشتقات الدم والبلازما، وليست الفصائل النادرة. وتوضح الدكتورة مها أن الدم ليس آمنا في كل الحالات علي الرغم من وجود الكثير من التحاليل التي تُجري له، فالمشكلة هنا تتمثل فيمن يصاب بفيروسات حديثة ليس في إمكان أي جهاز من الأجهزة الموجودة لدي بنوك الدم كشفها والبحث عنها وتحتاج أجهزة حديثة ومتقدمة في الكشف عن هذه الفيروسات وهذه الأجهزة غير متوفرة بكثرة لارتفاع ثمنها ، مشيرة إلي أن الحل يكمن في العمليات الجراحية غير العاجلة حيث من الممكن الحصول علي الدم من المريض نفسه وإعادته له مرة أخري، وبالتالي ننجح في تخطي الشكوك فيما يخص أمان الدم، ونبتعد عن الفيروسات التي لا تظهر عند تحاليل الدم.