يتحدث الأمريكيون عن بلادهم بفخر، يرونها أرض الأحلام، و»منارة الحرية» في العالم الغربي، بحسب وصف الرئيس الراحل رونالد ريجان.. أرض يطمح إليها القاصي والداني من كل فج عميق، طمعاً في الجنسية والتأمين الصحي ومستوي المعيشة الأفضل.. ولكن هل بالفعل كذلك؟ أم أن لتلك الصورة الحالمة بُعداً آخر؟ وما الذي ينتظر المهاجرين هناك في عهد دونالد ترامب، ذلك الرجل الذي بلغ المكتب البيضاوي بوعد أساسه أن تعود »أمريكا بروتستانتية بيضاء»؟. ترامب دشن عهده بتنفيذ وعده الانتخابي الخاص بالعرب والمسلمين ووقّع واحداً من عدة قرارات تنفيذية تغلق الأبواب بوجه اللاجئين بشكل عام، وطالبي الفيزا من عدة دول عربية ومسلمة، وبعدما خسر معركة قضائية بهذا لتطبيق تلك القرارات، توعد بإعادة الكرة مرة أخري. يسعي ترامب لوقف الهجرة من معظم الدول وتجميد إصدار تأشيرات الدخول لمواطني سورياوالعراق وليبيا واليمن والسودان والصومال وإيران، كما يسعي أيضاً لحظر دخول حاملي الإقامة الدائمةGreen card من الدول السبع التي يشملها الحظر. وتعد هذه القرارات من ضمن صلاحيات الرئيس التنفيذية التي لا يحتاج إلي موافقة مسبقة من الكونجرس عليها. ترامب يريد قطع الطريق علي مواطني الدول العربية ومنها من عاني ولا يزال يعاني بسبب الأخطاء الكارثية والجرائم التي ارتكبتها الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، وأبسطها جريمة غزو العراق وقتل مليون من أهله فضلاً عن تشريد ملايين آخرين، بينما تفتح نفس الأبواب علي مصراعيها أمام بنيامين نتنياهو مع وعد بتقديم دعم كامل لسياساته الاستيطانية، وبتحويل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس. شهادة لاجئ بتتبع مدونات مغتربين أمضوا فترة من الزمن في الولاياتالمتحدة، يمكننا أن نجد شهادات متوازنة بعض الشيء، حيث يقول أحدهم: »ها أنا ذا أطوي 4 سنوات في بلاد العم سام.. رأيت في هذا البلد الغريب والعجيب.. تعلمت الكثير ودُهشت أكثر.. عالم فيه الكثير من المتناقضات.. عالم فيه كل معاني الإنسانية واللاإنسانية علي حد سواء.. أمريكا بلد فيه جميع الطوائف والأديان والأعراق والكل مُجبر علي احترام الكل أياً كان الدين أو العرق.. الحياة صعبة جدا.. أنت لست بحاجة إلي عمل مدته 12 ساعة يوميا فقط، كي تتمكن من دفع إيجار السكن وتلبية احتياجاتك الأساسية، بل عليك أيضاً أن تكون سريعاً لتواكب رتم الحياة، وعليك تعلم مهارات جديدة يومياً هذا فضلا عن استكمال الدراسة، ولكن انتبه: فأغلب الجامعات هناك هدفها جمع المال، لذا فليس كل التخصصات مطلوبة في سوق العمل وهناك كثيرون من أصحاب المؤهلات العليا يجلسون في بيوتهم بلا عمل.. في أمريكا عليك ألا تمرض إلا لو كنت في وظيفة تؤمن عليك صحياً لأن تكاليف العلاج مرعبة، وبالأخص علاج الأسنان، لذا عليك أن تنتبه لأسنانك طوال الوقت». عذاب يومي في حي ناء علي أطراف مدينة الإسكندرية التابعة لولاية فيرجينيا الأمريكية، حيث يقيم مئات السوريين، هناك سؤال واحد يتردد علي لسان الجميع: متي ينتهي هذا الكابوس، لماذا لا يرفضون طلبات لجوئنا؟ سؤال يجسد معاناة اللاجئين السوريين في 50 ولاية أمريكية، بسبب عدم قبول الحكومة الفيدرالية طلباتهم باللجوء وعدم رفضها أيضا، ما جعلهم عالقين علي أبواب الحلم الأمريكي. ومن بين هؤلاء عبد الرحمن عماد، الذي تمني رفض ملفه من قبل إدارة الهجرة في الحكومة الأمريكية، حتي يتقدم بطلب لجوء إلي كندا أو ألمانيا. يقول الناشط السوري المقيم في أمريكا منذ أشهر لصحيفة لوفيجارو الفرنسية اليومية: »وضعي هنا غير قانوني. العمل بدون ترخيص من الحكومة الأمريكية عبودية حقيقية. والسلطات لا تقبل ولا ترفض طلباتنا». علي غرار عماد، التقت لوفيجارو سعد وعبد الله الممنوعين من السفر خارج الولاياتالمتحدة، إذ إن جوازاتهما منتهية الصلاحية، والأنظمة الأمريكية لا تسمح لهما بالخروج من البلد. ولا يستطيعان أيضاً التحرك في الولاياتالأمريكية بدون رقم الضمان الاجتماعي. يقول عماد: »خسرت من حياتي عامين.. لست وحدي، مئات الشباب السوريين تضيع حياتهم هنا في عذاب يومي، انتظاراً لوثيقة قد تأتي وقد لا تأتي». عبدالرحمن عماد عمل مستشاراً قانونياً في وزارة الدفاع السورية، وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مارس 2011 التحق بما يُعرف بالثورة السورية، وأصبح ملاحقاً منذ ذلك الحين.. هرب إلي تركيا ثم وصل إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية بتأشيرة التبادل الثقافي للدراسة. وبعد أن انتهت مدة صلاحية جواز سفره ظل عاجزاً عن السفر إلي كندا لاستصدار جواز سفر جديد. فالحكومة الأمريكية طلبت العام الماضي من نظام الرئيس بشار الأسد إغلاق سفارته في واشنطن وقنصلياتها في تروي بولاية ميتشيجن وهيوستن بتكساس. واليوم، بعد أن سمحت سلطات النظام السوري لبعثاتها الدبلوماسية بإصدار وتجديد جوازات السفر للمقيمين بالخارج، أصبح الحل الوحيد أمام الجاليات السورية في أمريكا هو السفر إلي كندا لاستصدار الجوازات. غير أن المعارضين السياسيين يخضعون لمراجعات أمنية تنتهي برفض طلباتهم. ويعلق عبد الرحمن عماد: »الحكومة الأمريكية تعرف معاناة اللاجئين السوريين، لكنها ترفض التحرك لإنهائها بداعي المخاوف الأمنية، والحقيقة أن القرار سياسي». وتتخوف السلطات الأمريكية من وجود مندسين من البعث ومتطرفين بين اللاجئين. ورغم أن نيكولاس راسموسن، مدير مركز مكافحة الإرهاب، وعد باستخدام كل ثقل أجهزة المخابرات الأمريكية للتحقق من هويات اللاجئين قبل منحهم الإقامة، »إلا أن وعوده كانت مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي»، بحسب ضياء الرويشدي، الناشط السوري والمحامي المقيم بواشنطن. وتتلكأ مكاتب الهجرة في الولاياتالمتحدة في التعاطي مع ملفات اللجوء الخاصة بالسوريين بسبب القطيعة الدبلوماسية بين دمشقوواشنطن لمدة طويلة، وغياب التعاون الأمني بينهما. طريق سريع الزواج طريق سريع، رغم الجدل القانوني والأخلاقي الذي يطرحه ما يسمي في أمريكا ب»الزواج الأبيض»، إلا أن العشرات من الشباب السوريين يلجأون سنوياً إلي الزواج بأمريكيات للحصول علي أوراق الإقامة مقابل المال. سعد الأحمد جاء إلي سوريا بتأشيرة الدراسة، لكن بعد اندلاع الحرب قرر البقاء في الولاياتالمتحدة والزواج بأمريكية من أصول أفريقية.. يقول: »الزواج الأبيض طريق سريع للحصول علي الأوراق، لكنه قاد أيضاً بعض الناس إلي السجن»، فالسلطات الأمريكية ترفض بشدة استخدام الزواج للحصول علي أوراق الإقامة الدائمة. وأضاف أن حلم الهجرة دفع البعض إلي التخلي عن زوجاتهم وخطيباتهم في سورية وفي مخيمات اللاجئين والارتباط بأمريكيات، »والبعض منهم يحاول التوفيق مؤقتا بين مشروعين، بإقناع الزوجة أو الخطيبة في سوريا بأن الارتباط مرحلي». لكن هذا الارتباط المؤقت يتحول في بعض الأحيان إلي زواج دائم، وهو ما حدث مع بركات نشروان، وهو سوري كردي مقيم بنيويورك.. يقول إنه التقي زوجته الأمريكية واتفقا علي الزواج مؤقتا مقابل مبلغ 12 ألف دولار، »لكن بعد اللقاءات المستمرة وتقاسم لحظات إنسانية اكتشفت أنها إنسانة مناسبة للزواج والإنجاب أيضا»، لكن بركات يقول إن هناك حالات لسيدات أمريكيات يمتهنّ الابتزاز، إذ يرفضن الطلاق ويتشبثن بالزواج لدفع الطرف الآخر إلي زيادة المبلغ المالي المتفق عليه. »أنهكت مثل هذه الخدع شباباً سوريين ودفعتهم إلي بذل الوقت والجهد لصرف الكثير من المال في الدعاوي القضائية للحصول علي الطلاق». وتتركز الجالية السورية المقيمة في الولاياتالمتحدة في كاليفورنيا وميتشيجن وواشنطن العاصمة. تخطيط للعودة الهروب من الحلم الأمريكي »يجب أن تكون مستغرقاً في غيبوبة أو في سبات عميق لتصدق أسطورة الحلم الأمريكي». تؤكد اللاجئة السورية صابرين الفرن أنها سمعت الممثل الأمريكي الساخر الراحل جورج كارلين يردد هذه الجملة في مناسبات عدة، و»لكن الواقع الأمريكي اليوم أشد مرارة»، بحسب صابرين، التي أضافت: »بلاد حقوق الإنسان والديمقراطية ترفض تقديم أي تسهيلات أو معونات لضحايا الحرب واللاجئين»، وتكمل صابرين أن أوروبا وكندا أيضاً أرحم للسوريين من أمريكا، حيث نُصح كثير من الراغبين في طلب اللجوء بتفادي الولاياتالمتحدة، مؤكدة أن ألمانيا تدفع للاجئين 400 يورو، وتؤجر لهم السكن وتقدم معونات أخري للعائلات، »بينما يصل اللاجئ السوري إلي أمريكا فيبحث عن الأصدقاء والمعارف حتي لا يتشرد ويتسول في الطرقات». وتخطط صابرين، وهي مهندسة معمارية، للعودة إلي لبنان، بعد أن أضاعت كل فرصها في اللجوء إلي أحد البلدان الأوروبية. فالولاياتالمتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا تربطها اتفاقيات تمنع منح اللجوء لأشخاص سبق لهم أن وضعوا ملفاتهم في دول أخري.