طفولة شقية لظروف معيشية سيئة لسكان البلاد الأصليين فى أستراليا لم تعد تستهويه الحياة.. فلا أمل في اليوم أو الغد.. الأيام متشابهة في سوادها .. عليه إذن أن يتقوقع داخل شرنقة يحتمي بها .. ربما تصلح فيما بعد أن يغزل منها خيوطا حريرية تشده ثانيا للحياة يوم يقرر أن يعود إليها مع أنها فقدت كل معني وطعم. صغير السن لكنه بائس ويائس.. محاط بالمآسي.. صاحب حق لكنه ضائع وسط عالم بائس استبيحت فيه كل المحرمات والممنوعات.. ولم تعد هناك أي مقدسات. الإجرام .. والفقر المدقع والإهمال.. والنسيان تحيط به وبأهله وبالمنطقة كلها التي يعيش فيها بحجة أنها نائية.. مع أنهم سكان البلاد الأصليون. المجرمون هم المثل الأعلي للأطفال.. حيث اختارت حكومته أن تنساهم مع أنها لاتكف عن المناداة بأعلي صوتها.. فاتحة ذراعيها لمهاجرين يأتون إليها تغمرهم بالامتيازات ليعمروا المدن.. بينما تترك تلك المنطقة مهملة يعاني سكانها كل أنواع البؤس والشقاء خاصة الأطفال. إنها حكاية منطقة »توم لاه« التي يحمل الفيلم اسمها وعرض في »نظرة ما« في مهرجان »كان« الأخير .. للمخرج الأسترالي »إيفان سن« الذي يعد أحد الوجوه اللامعة في السينما الأسترالية منذ قدم أول أفلامه عام 2002 (bcveath clouds) عن اثنين من المراهقين قررا مغادرة مدينتهما الصغيرة والذهاب إلي العاصمة »سيدني« مناقشا العديد من القضايا والمشاكل الخاصة بالمراهقين والشباب.. وكذلك المجتمع.. وقد أشاد به النقاد وحصل علي جائزة من مهرجان برلين .. وجائزة أفضل مخرج من »المعهد الأسترالي للفيلم« بعدها قدم العديد من الأفلام التسجيلية عن أحوال أهله من سكان البلاد الأصليين في أستراليا الذين يعانون الإهمال الشديد.. وكأنهم يرغبون في القضاء عليهم كما قضوا علي الهنود الحمر في أمريكا. وإيفان سن نشأ في جنوب أستراليا في مدينة إنفريل وقد حقق نجاحا وتفوقا ملحوظا في دراسته وكان عشقه للسينما الدافع القوي لدراسة فن التصوير وبعدها التحق لدراسة الإخراج لينهي دراسته عام 7991.. وهو شديد الاهتمام بقضايا بلده وأهله. وفيلم »توم لاه« وإن كان فيلما روائيا .. إلا إنه صور في المناطق الطبيعية بعيدا عن الاستديوهات .. وأبطاله جميعا ياستثناء واحد فقط من الهواة.. وهو ماجعل مهمة المخرج غاية في الصعوبة لأنه تعامل مع مجموعة كبيرة من الأطفال. »توم لاه« قرية صغيرة مليئة بالخيرات غير المستغلة تحيطها البراري التي يسكنها أصحاب البلاد الأصليون الذين يطلق عليهم Aborigenec وذلك من خلال أسرة مفككة الأب غادرها .. والأم مسئولة عن الأطفال لكنها عاطلة كحال أهل البلد.. والصغير »دانيال« في العاشرة من عمره يرفض الذهاب للمدرسة. ويهيم في البراري وعلي شاطيء الترعة الكبيرة.. متتبعا عصابة من المجرمين معتبرهم مثلا أعلي.. لأنه ببساطة هؤلاء المجرمون لايردعهم أحد.. كما أنهم الوحيدون الذين يملكون السطوة.. بالإضافة إلي الطعام الجيد والحياة المريحة نسبيا بالنسبة لطفل صغير. وفي الوقت الذي يتقوقع فيه دانيال داخل ذاته فإن صديقته الصغيرة تانييسيا التي تعادله في العمر .. نراها متطلعة لأن تتعلم ولديها رغبة شديدة بأن يكون الغد بالنسبة لها أفضل بكثير، لذا لاتكف عن مطاردته ليعود للمدرسة.. فهل يستطيع طفل في كل هذه الظروف المحيطة به أن يحدد مصيره.. وهل كل الأطفال الصغار يملكون بعضا من الوعي لتغيير عالمهم إلي شيء أفضل. وفي الإحصائيات التي أجريت ظهر أن منطقة »توم لاه« الأسترالية هي من أكثر الأماكن فقرا.. ويعاني أهلها من سوء الأوضاع رغم أن أرضها والأراضي التي تحيط بها شديدة الخصوبة. وقد تضاءل عدد السكان الأصليين ونتيجة لهذه الأوضاع لم يعد يتعدي تعدادهم أكثر من 300 شخص. والحقيقة نجح المخرج إيفان سن في أن يقدم ملحمة إنسانية.. والطفل الصغير دانيال الذي قام بالبطولة كان أكثر من رائع. ويقول إيفان إنه فخور جدا بتقديم هذا العمل فهو يعتبره هدية إلي أهل بلاده الذين عانوا الكثير ومازالوا من الإهمال.. وكما ذكرنا فإن التصوير تم في المناطق الأصلية بما في ذلك من صعوبات .. لأن الأمطار عندما تسقط تعزل المنطقة عن كل مايحيط بها .. وهو ما تطلب وقتا إضافيا.. لكن النتيجة كانت مرضية.. واختياره للعرض في مهرجان »كان« هو أكبر جائزة له. إنه إيمان فنان بأهله ووطنه وعدم نسيان أن هناك دائما أناساً يستحقون أن تدافع عنهم وتجعلهم يعيشون حياة آدمية وإنسانية أفضل وللأسف الشديد ما أكثرهم في العالم.