الرئيس الأسبق للجنة الفتوي بالأزهر الشريف، الشيخ عبدالحميد الأطرش، إن علي المسلمين جميعاً الاحتفال بمولد نبي الله عيسي ابن مريم، لأن المسلمين يعترفون ويؤمنون بنبوة جميع الأنبياء من لدن آدم حتي رسول الله محمد صلي الله عليهم أجمعين، مشددا في حوار ل"آخر ساعة"، علي أن القرآن الكريم احتفي بالسيد المسيح وأمه السيدة مريم بصورة غير مسبوقة، وأعطي مريم البتول لقب سيدة نساء العالمين، وأشار إلي أن القرآن الكريم رد التهم التي حاول اليهود إلصاقها بالسيدة مريم، وأظهر براءتها للناس أجمعين، داعياً المسلمين للاقتداء بسيرة الأنبياء وخلقهم، وفيما يلي نص الحوار: • كيف احتفي الإسلام بعيسي ابن مريم عليه السلام؟ - ربنا سبحانه وتعالي وضع قاعدة واضحة لجميع المسلمين لكي يسيروا عليها في قوله تعالي: }لا نُفرق بين أحد من رُّسُله{ (البقرة: 285)، فالمسلمون لا يفرقون بين أنبياء الله بل لا يكتمل إيمان المسلم إلا بالإيمان بالرسل جميعاً لقوله تعالي: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَي رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا{ (النساء:136)، فالإيمان بنبوة عيسي عليه السلام من أسس اكتمال الإيمان في الإسلام، فابن مريم نبي الله وكلمته، حملت به مريم البتول دون أن يمسسها بشر، والإسلام يعلمنا أن الأنبياء جميعهم يستمدون نور النبوة من مشكاة واحدة، ولا نفرق بين أحد منهم، ونبي الله عيسي كان يدعو للإسلام. • هل هناك دليل علي أن عيسي عليه السلام كان يدعو للإسلام؟ - عيسي كشأن الأنبياء جميعاً الذين دعوا للإسلام، فما من نبي من الأنبياء من لدن آدم عليه السلام حتي محمد صلي الله عليه وسلم، إلا وجاء يدعو للإسلام، لكن كل واحد منهم كان يدعو إلي الإسلام من زاوية معينة، حتي جاء سيدنا محمد بن عبدالله وجمع هذه الدعوات جميعاً فكان خاتم الأنبياء والمرسلين، والدليل علي أن عيسي عليه السلام كان يدعو للإسلام قوله تعالي: }فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَي مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إلي اللَّهِ قالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ { (آل عمران: 52)، وهي نفس دعوة إبراهيم عليه السلام وبنيه، في قوله تعالي: }وَوَصَّي بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ• أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون{ (البقرة: 132-133)، وبشر عيسي عليه السلام برسالة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، في قوله تعالي: }وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ{ (الصف: 6). • ما رأيك في دعوات البعض بعدم الاحتفال بميلاد السيد المسيح؟ - المسلمون جميعا مطالبون بالاحتفال بيوم مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكذلك أن نحتفل بجميع الأنبياء وتحتفي بأيام مولدهم جميعاً، والسيد المسيح ليس بدعاً في ذلك، فالمسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالي ورسله كلهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالي علي نعمة إرسالهم هداية للبشرية ورحمة، فإنها من أكبر نعم الله تعالي علي البشر، والله سبحانه وتعالي حثنا علي الاحتفال بمولد عيسي عليه السلام في قوله عن سيدنا عيسي: }والسَّلَامُ عليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا{ (مريم: 33)، فميلاد المسيح رسالة سلام، خاصة أن الاحتفال بالأنبياء ليس بدعًا، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما دخل المدينةالمنورة ووجد اليهود يحتفلون بيوم نجاة موسي من قوم فرعون، قال: "أنا أولي بموسي منهم"، ونحن أولي بعيسي من غيرنا، وعليه فالاحتفال بميلاد عيسي ابن مريم مطلوب، لكن الأهم أننا لا نخالف أثناء الاحتفال أياً من الأوامر الشرعية، فيجب أن يكون الاحتفال إحياء لرسالة الأنبياء جميعاً. • ماذا عن تناول الإسلام لقصة مريم بنت عمران؟ - القرآن فيه سورة كاملة باسم السيدة مريم، فهي سيدة نساء العالمين، ومكانتها في الإسلام معروفة ومحفوظة، وهناك الكثير من الآيات التي تتحدث عن مكانة السيدة مريم منها قوله تعالي: }وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ• يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ{ (آل عمران: 42-43)، والله سبحانه وتعالي تولاها بالرعاية منذ أن كانت في بطن أمها، }إذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ• فلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَي وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ• فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّي لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ (آل عمران: 35-37). فاللَّه سبحانه تولي مريم بالرعاية فيما كانت هي تعبد ربها منذ أن وعت، حتي جاء الأمر الإلهي بالحمل في السيد المسيح، ويكفيها فخراً أنها عندما أنجبت ابنها عيسي عليه السلام واتهمها أهل بلدتها بالزني، أظهر الله سبحانه وتعالي براءتها من فوق سبع سموات عبر معجزة كلام المسيح في المهد }قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا• قَالَ إِنِّي عبداللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا• وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا• وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا• وَالسَّلَامُ عليَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا{ (مريم: 29-33). • لكن اليهود في إطار إنكارهم لنبوة عيسي عليه السلام يهاجمون السيدة مريم ويلصقون بسيرتها العطرة الأكاذيب؟ - اليهود أهل غدر وخيانة، وقد حاولوا اتهام عيسي عليه السلام وأمه السيدة مريم العذراء بكل نقيصة لكي ينفوا النبوة عن سيدنا عيسي، وأنه المسيح الذي بشرت به التوراة، لكن الله متم نوره ولو كره الكافرون، والقرآن الكريم الذي هو كلام ربنا سبحانه وتعالي جاء ببشارة براءة مريم البتول من أي تهمة حاول أن يلصقها اليهود بها، فآيات الذكر الحكيم تنسب إلي أمه مباشرة لأن لا أب له، وجاءت البراءة الإلهية في قوله تعالي: }وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ{ (التحريم: 12)، وقوله: }والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{ (الأنبياء: 91)، بل إن الله سبحانه وصف من يتهم السيدة مريم بأنهم أهل بهتان في قوله تعالي: }وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَي مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا{ (النساء: 156).