في توقيت متزامن يعلن الكونجرس الأمريكي- بغرفتيه الشيوخ والنواب وبأغلبية ساحقة- تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة علي إيران لمدة عشر سنوات، كما يعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن تعيين الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس (66عاماً) في منصب وزير الدفاع.. إعلانان ردت عليهما طهران بالتلويح ب»رد صاعق» وبجلسة طارئة للبرلمان الإيراني من أجل إعداد مشروع قانون يسمح بالعودة لأنشطة تخصيب اليورانيوم لا سيما في مفاعل »ناتانز» الذي يعمل بالماء الثقيل. وتعد هذه الخطوة الإيرانية بمثابة بداية تنصل من جانب الإيرانيين من الاتفاق النووي الذي توصلوا إليه في أبريل 2015 مع القوي الغربية ممثلة في مجموعة الخمس+1، وهي الولاياتالمتحدةوروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا. ولكن هل هناك رابط بين تعيين ماتيس علي رأس البنتاجون، وتمديد الكونجرس للعقوبات المفروضة علي إيران؟ القراءة البسيطة للمشهد تقول إن جيمس ماتيس الملقب في أوساط العسكريين الأمريكيين بال»الكلب المسعور» mad dog أشتهر بأنه »جندي راهب»، نظراً لتدينه، فهو لا يملك جهاز تليفزيون في منزله ويمضي كل أوقات فراغه بين تلال من كتب الدين والتاريخ.. معروف عنه توجيه انتقادات حادة للرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، فيما يخص السياسة الخارجية وتجاه إيران تحديداً التي يصفها ماتيس بأنها »أكبر تهديد محدق بأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط»، وهو السبب الذي جعل أوباما يحيل ماتيس للتقاعد في عام 2013 بينما كان الرجل يشغل منصب رئيس القيادة المركزية بالجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو علي حد وصف صحيفة وول ستريت جورنال »من أشد المتحمسين لمواجهة عسكرية مع إيران»، حيث يأخذ علي نظام الملالي أنه يشكل »تهديدات لأمن وتوازن منطقة الشرق الأوسط، ورعاية الإرهاب والتدخل العسكري في العراقوسوريا ولبنان، والتهديد المباشر لأمن الخليج العربي، وإشعال الموقف في اليمن». عشق ترامب للجنرالات في أثناء حملته الانتخابية، لم يُخف دونالد ترامب مدي انجذابه للقب جنرال ووقع الكلمة وتأثيرها في نفسه، ولطالما استشهد بمقولات للجنرال جورج باتون، قائد الجيش الثالث الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية والذي انتصر في أغلب المعارك التي خاضها وكان يشن هجمات علي الألمان دون إذن من قادته أو حتي إخطارهم كما كان متحمساً لقتال الاتحاد السوفيتي عقب انتهاء الحرب مباشرة وهو صاحب مقولة »علي أمريكا أن تحارب الشيوعيين الآن خير من أن تحاربهم لاحقاً». كما كان ترامب دائم الترديد لمقولات الجنرال دوجلاس ماك آرثر، الذي قدم استقالته من الجيش عام 1937? ولكن بعد هجوم بيرل هاربور وإعلان اليابان الحرب علي الولاياتالمتحدة استدعاه الرئيس الأمريكي روزفلت وإعادة إلي الجيش برتبة فريق حيث قام بفتح جبهة شاسعة في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي، وكانت استراتيجية تعتمد علي الانقضاض علي الجزر التي تحتلها اليابان الواحدة تلو الأخري وصولاً إلي الجزر اليابانية، كما تولي منصب قائد القوات البرية الأمريكية في منطقة المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا في الحرب العالمية الثانية وبعد انتصار الولاياتالمتحدة علي اليابان قدمت جائزة مالية لماك آرثر قدرها 500 ألف دولار أي ما يفوق 10 ملايين دولار اليوم، وهو من قبل باستسلام اليابان في 2 سبتمبر 1945، ثم أصبح حاكمها العسكري في الفترة ما بين 1945 و1951. توفي دوجلاس ماك آرثر عام 1964 وشيد له نصب تذكاري ومتحف يعرض فيها مسيرته العسكرية الطويلة اشتهر بمقولته »في الحرب لا بديل عن النصر». وكان قد تم تسريحه من الخدمة نهائياً من قبل الرئيس الأمريكي هاري ترومان بسبب معارضته لسياسته في حرب شبه الجزيرة الكورية (1950-1953)، حيث كان ماك آرثر يريد دك النظام الشيوعي في كوريا الشمالية ومدن في الصين والاتحاد السوفيتي بقنابل ذرية، وربما هو نفس ما يسعي إليه ترامب وماتيس مع إيران وآخرون! وفي حوار ترامب مع صحيفة نيويورك تايمز عقب انتخابه رئيساً بأيام معدودات، تحدث الرئيس الخامس والأربعون في تاريخ الولاياتالمتحدة عن الجنرال ماتيس بانبهار قائلاً: »حينما قلت له إنني أفضل التعذيب من خلال الإيهام بالغرق لانتزاع الاعترافات من الإرهابيين، قال لي بثقة: أعطني سيجاراً وبضع زجاجات من البيرة واتركني مع الإرهابيين بعض الوقت وسوف أمنحك نتائج أفضل بكثير». بتعيين الجنرال ماتيس، فإن ترامب يخرق عُرفاً متوافقاً عليه في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، ألا وهو تعيين شخص مدني علي رأس وزارة الدفاع، أو أن يكون عسكرياً مر علي خلع بدلته سبع سنوات علي الأقل، لذا فإن تعيين ماتيس سيكون بحاجة إلي مصادقة من الكونجرس قبل توليه مهام منصبه.. أمر لم يسبقه إليه سوي الجنرال جورج مارشال رئيس أركان الجيش الأمريكي الخامس عشر في الفترة من 1939 إلي 1945، ثم وزير الخارجية الخمسين (1947-1949)، ووزير الدفاع الثالث (1950-1951)، وحاصل علي جائزة نوبل للسلام عام 1953 تقديراً ل»مشروع مارشال» الاقتصادي الذي وضعه لأوروبا للنهوض بها بعدما دمرتها الحرب العالمية الثانية. الجنرال جيمس ماتيس المولود في 8 سبتمبر من عام 1950، اكتسب شهرته كضابط في مشاة البحرية المارينز، شارك في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت عام 1991، كما شارك في حرب أفغانستان عام 2001، ثم في غزو العراق عام 2003، وكان علي الدوام متحمساً لإرسال مزيد من القوات البرية في المناطق التي تشهد مقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، وفي عام 2004 لعب ماتيس دوراً هاماً في معركة الفالوجة التي كانت في غاية الدموية والشراسة ووُجهت خلالها اتهامات للقوات الأمريكية باستخدام أسلحة محرمة دولياً ضد المقاومين لاحتلالها، وكان أبرز ما عُرف عن ماتيس في ذلك الوقت هو قوله لجنوده »كن مهذباً.. كن مهنياً.. كن مستعداً لقتل كل من تقابله»، وفي أحد مؤتمراته الصحفية عام 2005 في مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا قال علناً إنه »من الممتع القتال ضد هؤلاء الفتيان (يقصد العراقيين) الذين يضربون نساءهم لعدم ارتدائهن الحجاب». وبعد فترة قصيرة أمضاها كأحد قيادات حلف شمال الأطلنطي، بلغ ماتيس أعلي مناصبه عام 2010 كرئيس ل»سنت كوم»، »ENT»OM وهي اختصار United States »entral »ommand أي القيادة المركزية للقوات الأمريكية. ويبدو ماتيس مختلفاً مع ترامب في رؤيته لما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية »داعش» كتهديد أكبر، ولا يري ضرورة في التعاون مع روسيا، من أجل القضاء عليه لا سيما في سوريا، حيث يري ماتيس أن داعش تهديد ثانوي وأن القضاء عليه سيفيد نظام حكم الرئيس بشار الأسد وبالتالي النظام الإيراني، وإذا كان ماتيس وصف الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 بأنه »ربما يكون أفضل شيء يتم التوصل إليه مع الملالي»، فإنه أعلن تأييده لترامب في أثناء حملته الانتخابية لأنه وعد بعدم التقيد بذلك الاتفاق. خطر علي أمريكا صحيفة نيويورك تايمز انتقدت تفكير ترامب بشأن تعيين عدد كبير من كبار القادة العسكريين السابقين في المناصب العليا للأمن الداخلي والخارجي وحتي وزارة الخارجية، واستعرضت الصحيفة الأسماء التي تردد أن ترامب أجري معها مقابلات لاتخاذ قراره بشأن تعيينها مثل الجنرال ديفد بترايوس لوزارة الخارجية، والجنرال جون كيلي للخارجية أيضاً أو الأمن الداخلي، والجنرال مايك روجرز لإدارة الاستخبارات القومية، بالإضافة إلي اختياره بالفعل الجنرال مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، والجنرال مايك بومبيو مديراً للاستخبارات المركزية »IA? بالإضافة إلي الجنرال جاك كين، والجنرال ستانلي ماكريستال. النيويورك تايمز قالت إن هناك خطراً في تغليب العقلية العسكرية علي العقلية السياسية في اتخاذ القرارات بالبيت الأبيض خلال الإدارة المقبلة، وهو أمر لم يذهب إليه أي رئيس أمريكي من قبل، ونبهت إلي أن واضعي الدستور كانوا حريصين علي السيادة المدنية علي القوات الأمريكية والمؤسسة العسكرية، حتي إنه صار من الأعراف الأمريكية ألا يتولي عسكري وزارة الدفاع، باستثناء الجنرال جورج مارشال الذي تولي هذا المنصب عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. أما صحيفة واشنطن بوست فقالت إن الجنرالات العظام ليسوا بالضرورة وزراء أو مسئولين مدنيين ناجحين، وإذا كثر عددهم بالحكومة ربما يشكلون تهديدا للتقليد الأمريكي القوي، وهو السيطرة المدنية علي المؤسسة العسكرية غير السياسية، بالإضافة إلي أن العسكريين الأمريكيين راكموا خبراتهم في مناطق بعينها في العالم مثل أفغانستان والعراق والشرق الأوسط عموما ولا يفهمون كثيراً عن المناطق الأخري. وحاولت النيويورك تايمز تفسير توجه ترامب لهذه التعيينات بقولها إنها »تعزز شرعيته، لأن المؤسسة العسكرية هي أكثر المؤسسات الأمريكية التي تتمتع بأعلي نسبة من رضا المجتمع»، مشيرة في الوقت نفسه لسخرية ترامب من العسكريين في أثناء حملته الانتخابية وقوله إنه يفهم كيف يمكن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية -علي سبيل المثال- أكثر من أي عسكري، وإن العسكريين يرتكبون علي الدوام خطأ فادحا بالكشف عن خططهم للعدو قبل التنفيذ وفقدان عنصر المفاجأة الذي يصفه بالاستراتيجي في أي معركة.. وقالت نيويورك تايمز إنه ربما يكون افتقار ترامب الذي سيكون القائد الأعلي للقوات المسلحة لأي خبرة في الأمن القومي سببا في حشده كل هؤلاء الجنرالات في أهم مناصب الأمن بالبلاد.