"ما لم ينجح فيه ثوار سوريا حتي الآن، سيفعله الاقتصاد ويسقط النظام" هكذا بات رأي المراقبين مع استمرار عدم الاستقرار السياسي واشتعال الثورة في البلاد بعد صمود نظام الرئيس السوري بشار الأسد أمام المتظاهرين وقمعهم، هذا النظام الذي يعتمد في المقام الأول علي الاقتصاد ويساعده في إحكام قبضته علي السلطة. إلا أن الاقتصاد السوري بات علي شفا الانهيار، مع تراجع الليرة السورية أمام الدولار وتراجع الناتج الإجمالي المحلي لسالب 3٪ بعد أن كان متوقع نسبة نموه 6٪ فالاعتصامات ضد الأسد أتت علي اقتصاد البلاد، وأصبحت الخطر الداهم الذي يهدد الركائز التي يستند عليها النظام في مجتمع الأعمال، ومن ثم الأسد نفسه. قبل الانتفاضة، كان الاقتصاد عاملاً رئيسياً في ازدياد شعبية الأسد... حيث قام بدعم طبقة رجال الأعمال الذين بثوا الروح في الاقتصاد السوري مرة أخري دون محاولة لتغيير النظام السياسي. ومع وجود فريق من الليبراليين الاقتصاديين فقد بدأ الأسد بفتح الاقتصاد أمام القطاع الخاص ودعم التجارة الحرة و الحد من الإعانات، بالإضافة إلي انتعاش القطاع السياحي مما ساعد علي تدفق الاستثمار الأجنبي إلي البلاد.. فارتفعت دخول الطبقة المتوسطة من السوريين. والآن ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مختلف أنحاء البلاد، تراجعت حركة الأعمال وتأثرت السياحة وتراجعت معدلات النمو الاقتصادي ووصلت إلي 3٪ خلال الثلاثة أشهر الماضية، وسادت حالة من الركود العام، فبعض الشركات توقفت عن دفع الرواتب خلال 3 أشهر بالرغم من قيام الحكومة وبشكل يائس بمحاولة دفع معونات للمواطنين الموالين لها وهي الأموال التي بحوزتها مما أضر بطبقة رجال الأعمال .. وانزلق نظام الأسد إلي مستنقع سياسي لم يسبق له مثيل عبر انتفاضة. وحتي الآن، فإن مجتمع الأعمال يقوم بأعماله مع المقربين للأٍسد في الحكومة ومازال دورهم هامشيا في الانتفاضة، ومازالوا قادرين علي تحمل بعض الخسائر، ولكنهم في مرحلة ما سوف يطالبون بالإصلاح، خاصة مع بدء وصول الانكماش الاقتصادي إليهم، فلا شك ستتغير قواعد اللعبة، كما يقول المحللون. ووفقاً لما جاء في مجلة "التايم" الأمريكية فإن قمع المحتجين سوف ينجح في الشهرين القادمين، و لكن في غضون 6 أشهر فإن الاقتصاد سوف يسحب الدعم من الرئيس السوري من غالبية السوريين. فقد فشلت خطط الإصلاح في سوريا، فالمشاكل الحالية تعكس صورة صامتة عن الحالة الاقتصادية قبل بدء الاضطرابات، إذ يبلغ الدين العام في سوريا حوالي 74٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ما أكد عليه جوشوا لانديس خبير في شؤون الشرق الأوسط، بأن الحكومة سوف تفشل ببطء، إذا ما استمرت المعارضة والمحتجون في ثورتهم والتي ستكون كافية لشل الاقتصاد السوري كما هو مشلول الآن. ويضيف لانديس بأنه و بينما تؤثر الاحتجاجات بشكل سلبي علي الاقتصاد، إلا أن تراجع الحكومة عن الإصلاحات قد يؤدي إلي حالة شلل في سوريا، فهناك حالة من الشك في السياسة المتبعة. إن المستثمرين الذين يريدون الاستثمار يريدون أن يكونوا متأكدين لسنوات قادمة، فنسب التضخم لا يمكن التنبؤ بها مع تدهور الأوضاع. ويؤكد لانديس أن هذه الأوضاع تجعل المستثمر يتراجع عن الاستثمار في بلاد غير مستقرة، فمصادر الدخل الرئيسية مثل السياحة تجف تدريجياً... والتجارية منها متوقفة، والمؤسسات الخاصة أوشكت علي الإفلاس مما يجعل الحكومة غير قادرة علي دفع رواتب موظفي الدولة، وبالتالي لن يكون هناك سوي القليل جدا لدعم النظام. فقطاع السياحة الذي يشكل ما يقرب من 81٪ من مجموع الاقتصاد الكلي، كان أول المتضررين، فمعظم شركات السياحة قامت بإلغاء سوريا من رحلاتها. وأما المتضرر الثاني فهو الاستثمار الأجنبي، فمع تلاشي عائدات النفط، إلا أن الحكومة السورية مازالت تراهن علي الاستثمار الأجنبي من أجل تدبير احتياجاتها خلال السنة القادمة. فالمستثمرون ينتظرون ليروا إن كان الوضع يتجه إلي الاستقرار أو أنهم سوف يقومون بتحويل أموالهم إلي أماكن أخري. ومنهم من سحب استثماراته من سوريا مثل شركة قطرية قامت بإلغاء مشروع للطاقة بقيمة 900 مليون دولار. كما أن السوريين أنفسهم يقومون بسحب ودائهم من البنوك وتحويلها لعملات أجنبية أكثر أماناً، مما أفقدت الليرة السورية 17٪ من قيمتها نظراً لتداولها في السوق السوداء لتصل إلي أدني مستوي لها في خمس سنوات. وبصرف النظر عن المشاكل الداخلية، فأن نظام الأسد يواجه ضغوطا خارجية، بسبب حملة القمع الوحشية ضد المعارضة والتي أسفرت عن مقتل نحو 2601 شخصاً واعتقال أكثر من عشرة آلاف شخص منذ منتصف مارس الماضي بحسب منظمات حقوقية، إذ فرضت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات علي الحكومة السورية، كتجميد الأصول وحظر التأشيرات علي الأسد وكبار مساعديه، مما قد يعجل من الأضرار الاقتصادية الخطيرة في سوريا. وعلي المعارضة في الوقت الراهن، أن تستقطب الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة في البلاد، نظرا لكونهم إحدي كبريات القوي الاقتصادية في سوريا، فغيابهم في الاحتجاجات حتي الآن يشكل أحد العوامل التي تعمل لصالح الأسد، حيث أوضح لانديس أن الطبقات فوق المتوسطة لديها الكثير لتخسره من عدم الاستقرار لفترات طويلة، والمعارضة لا يمكن أن تقدم لهم أي سيناريو مقنع لانتقال سلمي إلي الديمقراطية أو تغيير النظام وهم يخشون عدم الاستقرار بسبب قمع النظام.