أعضاء لجنة التحكىم للدورة ال 46 لمهرجان كان السىنمائى الدولى »كان« مدينة عريقة غارقة في القدم.. تقع في أحضان جبل كبير يبسط عليها حمايته.. ويعانقها بحر هادئ تحمل أمواجه إليها الخير دائما.. وكانت يوما ما ميناء صغيرا لصيد الأسماك.. وأصبحت اليوم مدينة الأضواء والنجوم والأفلام.. وأشهر مهرجان سينمائي في العالم يحمل اسمها.. ويحتفل بدورته هذا العام. في »كان« نجوم العالم بين يديك.. لكن حذار من الاقتراب منهم مهما بدت بساطتهم .. فلكل منهم أكثر من حارس »يسد عين الشمس«. حفل افتتاح مهرجان »كان« تابعه العالم كله علي الهواء مباشرة .. كل النجوم فيه أبطال .. ولنجوم فيلم الافتتاح أهمية خاصة.. مع لجنة التحكيم الدولية للمسابقة الرسمية. »منتصف الليل« لوودي آلان كان الافتتاح الذي غابت عنه السيدة الأولي في فرنسا كما توقعنا في العدد الماضي وهي تشارك بدور صغير. أما لجنة التحكيم الدولية فرأسها روبرت دي نيرو الذي أطلق عليه الأب الروحي للمهرجان. والحقيقة أن متعة متابعة الأفلام وتنوعها هي أهم ما يبحث عنه مايزيد عن خمسة آلاف صحفي قدموا من أنحاء المعمورة لمتابعة هذه الأفلام.. وإليكم حكايات عنها. وقد اعتذر د. عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري عن عدم الحضور وأناب عنه د. خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما في المشاركة الرسمية التي أقيمت احتفالا بمصر وثورتها والسينما الخاصة بها. في الحياة اعتدنا أن نكذب كثيرا ونصدق هذا الكذب.. لكن تبقي حقيقة أن الأرقام لاتكذب.. لكنها تخيف والأرقام في المكسيك تقول إن هناك 35000 شخص ماتوا في المكسيك بسبب العنف الناتج عن الاتجار بالمخدرات وأن 200000 من سكان مدينة سيوداد جوراز هربوا من العنف لتبقي المدينة خالية إلا من رجال العصابات.. وأن حجم الأموال التي يتم تبادلها كل عام هو 35 مليار دولار.. وأن هناك طفلين يقتلان كل يوم لاشتغالهما »ناضورجية« لرجال العصابات. وأن هناك 12 رئيس مجلس محلي لمدينة تاموليباس قتلوا علي أيدي بارونات المخدرات. وليس أخيرا في عالم الأرقام أن هناك خمسين مليون مكسيسكي يعيشون تحت خط الفقر منهم ثلاثون مليون طفل أمي لايقرأون ولايكتبون.. عمرهم يقل عن خمسة عشر عاما.. ومن بين 3 ملايين طفل 30٪ أعمارهم أقل من 14 سنة. في ظل هذه الأرقام المخيفة والمرعبة تدور أحداث فيلم miss bala الذي أود أن أطلق عليه »ملكة« الجمال« للمخرج الأسباني جيراردو تارانجو الذي يعكس صورة أليمة ومؤلمة لواقع في غاية الصعوبة تعيشه المكسيك منذ عام 2000 بالتحديد عندما قامت الثورة المكسيكية وجاءت المعارضة للحكم .. هذا الانتصار للمعارضة أصاب الشعب »بالعمي« وأصبحت تجارة المخدرات وباروناتها دولة داخل الدولة بل أقوي منها بكثير وأن هذه المنظمات أصبحت تهيمن علي معظم المدن مما دفع أهلها إلي الهجرة.. وقد وصل الأمر بهذه العصابات إلي أنها هي التي تجمع الضرائب.. وتدفع مرتبات بعض الموظفين دون أن تنسي أنها استطاعت أن ترشو الشرطة التي أصبحت فاسدة ومتعاونة معها بنسبة كبيرة. أما عن الفيلم فيقول مخرجه إن الفكرة جاءته عندما قرأ إنه تم القبض علي فتاة جميلة متورطة في جريمة قتل مع إحدي العصابات ومن خلال هذه الحكاية قرر أن يقدم فيلما عن واقع المكسيك اليوم من خلال فيلم يتحدث بصورة غير مباشرة عن بارونات المخدرات ولو بشكل غير مباشر، ولذلك كانت هذه الحكاية التي تبدو بسيطة وذلك من خلال فتاة عادية جدا أرادت أن تصبح ملكة جمال بلدها.. لتكتشف بدون قصد وأثناء بحثها عن صديقتها أنه تتم مهاجمة المحل الموجودة به من قبل العصابات .. واستطاعت أن تنجو بنفسها في الوقت الذي وجدت نفسها مع هذه العصابة لأن أحد زعمائها أعجب بها.. أما بطولة الفيلم الذي عرض في إطار مسابقة »نظرة ما« فهي لستيفاني سيجمان .. بالإضافة لكل من »نوهير نانذر« وجيمس روسو. الجمال النائم وفي الأيام الأولي للمهرجان عرض الفيلم الأسترالي »الجمال النائم« الذي يعد العمل الأول لمخرجته جوليا ليج وهي في الحادية والثلاثين من عمرها وقررت أن تقدم في فيلمها الأول ما يجعلها تدخل في عش الدبابير لأقدم تجارة في العالم كانت وستظل مربحة جدا وإن كانت تدخل تحت بند المحرمات إن الاتجار بأجساد النساء.. والدعارة العالمية هي شبكة دولية ذات نفوذ قوي جدا، وللأسف الشديد إنها مثل الأخطبوط تمد ذراعيها تخطف كل شيء وتضغط علي كل شيء لتصيبه بالشلل التام، أسماء كبيرة وشخصيات ذات مناصب عليا، وأهمية كبري من السهل أن تجدها في طابور الباحثين عن المتعة الحرام بأساليبها الغريبة التي هي أقرب إلي الشذوذ إن لم تكن الشذوذ نفسه. في هذا الفيلم تقدم جوليا ليج حكاية »لوسي«.. بنت جميلة طالبة تحاول العمل في مجالات شتي لتجمع بعض المال. وفي أحد الأيام تقرأ إعلانا في الجريدة الرسمية، تتصل لتأخذ موعدا مع سيدة مرموقة والتي تطلب منها إجراء فحوصات طبية قبل الموافقة علي أن تلحقها بالعمل والذي يتطلب قدرا كبيرا من السرية كما تقول لها .. فهي ستقوم بالخدمة في أحد منازل الأثرياء أثناء إقامته لبعض المآدب الرسمية.. لتكتشف بعد ذلك أن هذه الخدمة في المنازل تقوم فيها الفتيات بتأدية بعض حركات الإثارة كما يرتدين ملابس أكثر إثارة عند الخدمة علي المائدة.. وفي أحد الأيام تطلب منها هذه السيدة أن تأتي لمنزلها.. تستقبلها سيارة خاصة.. وفي اللقاء تقول لها إن عليها أن تشرب مهدئا لتسترخي أعصابها وإنها ستنام.. وعندما تستيقظ فلن تشعر بشيء مماحدث لها علي الإطلاق. وعندما تنام الفتاة يتم تجريدها من ملابسها ليأتي إليها رجال غاية في الأهمية في الحياة.. البعض منهم يعاني عجزا جنسيا والآخر صاحب ميول شاذة في ممارسة الحب .. وكأن الفتاة الشابة ليست إنسانة بل عروسا ولعبة يلهون بها.. لتفيق بعد ذلك دون أن تري الرجل الذي كان معها وماذا حدث لها.. ولأنها كانت شديدة الجمال كان الإقبال عليها أكثر.. واستطاعت أن تكون علي علاقة طيبة بهذه السيدة التي تنتمي للطبقة الراقية ومن موقعها تأخذ ذلك ستارا لأعمالها.. لذلك تطلب منها في أحد الأيام ألا تجعلها تنام وأن تري مايدور حولها لكنها بالطبع ترفض بشدة.. وفي هذه الليلة عندما يأتيها رجل يطلب منها أن تجعله ينام أيضا لكنه يصاب بسكتة قلبية ويموت وهو نائم بجوارها. إن الاتجار بالبشر وبأجساد النساء هو جريمة منظمة ترتكب في حق النساء في جميع أنحاء العالم.. وقد تناولتها السينما في أكثر من فيلم برؤي مختلفة.. وهي قضية خطيرة جدا بعضها معلن وعلانية في بعض الدول .. وفي دول أخري يتم الأمر بكتمان شديد.. وفي كل الأحوال لايخجل أحد من هذه الجريمة التي تشين البشرية والتي تشارك فيها المرأة نفسها بدور التاجر وليس السلعة فقط. العنف ضد الأطفال لا للعنف بكل صوره وخاصة ضد الأطفال.. وفي واحد من أجمل الأفلام التي عرضت بالمهرجان في المسابقة الرسمية الفيلم الفرنسي »بوليس« إخراج »ماي وين« وهي ممثلة قدمت العديد من الأدوار في أفلام كثيرة فقد عملت مع لوك بيسون وكلود ليلوش وجين بيكر.. كما قدمت فيلمين من إخراجها الأول عام 2006 سامحيني والثاني 2009»حفل الممثلات« وهذا هو فيلمها الثالث الذي تناقش فيه مشكلة في غاية الخطورة والأهمية في فرنسا.. ومتواجدة أيضا في أنحاء العالم وهي العنف ضد الأطفال.. وممارسة الجنس والتحرش ضدهم سواء من قبل أغراب وأقارب وأولياء أمور ومعلمين. في الشرطة الفرنسية توجد وحدة خاصة هي وحدة »حماية الأحداث« و»الأطفال القصر« حتي عمر 16 سنة.. وهذه الوحدة لاتعني فقط بالأطفال الذين يقومون بالسرقات، بل الأطفال الذين يلقون معاملة سيئة من قبل أهاليهم.. وللأسف الشديد إن هناك حالات كثيرة من التحرش والتعدي الجنسي علي أطفال قد لاتصل أعمارهم إلي سن الأربع سنوات من قبل أهاليهم. إن مهمة هذه الوحدة هي التحقيق للوصول إلي الحقيقة وحماية هؤلاء الأطفال.. وهذه الوحدة يقضي أفرادها وقتا طويلا معا ليصبحوا كأسرة واحدة.. وبالطبع ما يمارسونه من عمل ينعكس علي علاقاتهم أحيانا بأبنائهم والحقيقة أن هذا العمل ومايترتب عليه كثيرا ما يحدث لهم نوعا من عدم التوازن في علاقاتهم الخاصة بذويهم. كما تري أن داخل هذه الوحدة كثيرا ماتقع حالات حب بين أفرادها ويتخلل علاقاتهم كثير من المد والجزر علي المستوي الإنساني والعاطفي. وفي حوار مع ماي وين تقول إنها شاهدت فيلما تسجيليا علي شاشة التليفزيون عن هذه الوحدة وقد أثارها ذلك بشدة.. ولذلك اتصلت لتعرف كيف تتصل بهذه الوحدة.. وبالفعل انضمت إليهم فترة وعاشت وسطهم بعد أن حصلت علي التصاريح اللازمة لذلك وقد كانت كل الحكايات التي جاءت بالفيلم هي مشاهدة ورصد حقيقي لواقع عاشته وعاينته مع هذه المجموعة. وقد شاركت ماي وين صديقها السيناريست إيمانويل بيركو.. أما البطولة فهي لمجموعة كبيرة من الممثلين الفرنسيين علي رأسهم جوي ستار. كما تقول ماي إنها شاهدت أفلاما كثيرة عن الشرطة سواء الروائية أو التسجيلية.. لكنها تعتبر فيلمها شديد الصدق والواقعية بالنسبة للأفلام الروائية.. وقد صورت »ماي« مائة وخمسين ساعة قبل المونتاج وقبل أن يخرج الفيلم بهذه الصورة الواقعية التي تعكس حالة مؤلمة لواقع مرير في فرنسا يعاني منه بدون مبالغة ملايين من الأطفال دون أن يكون هناك من يحميهم ويحمي خصوصياتهم في هذه السن الصغيرة جدا.. من قبل آباء ذوي اتجاهات مرضية نفسية وشذوذ يجعلهم بدلا من حماية أبنائهم يعبثون بأجسادهم .. ويشوهون نفسياتهم ليظل هذا الأذي النفسي مصاحبا لهم مدي الحياة .. ليس من السهل أن يتخلصوا منه حتي ولو بالعلاج النفسي. ابني .. هذا القاتل الأبناء حلم المستقبل .. ذخيرة الغد لنا في الحياة.. كثيرا ما نخطئ في حقهم صغارا دون أن ندري ربما عن جهل .. أو حتي تعب وإرهاق فلا نعني بما نقوله لهم أو نفعله معهم.. وإذا كان الفيلم الفرنسي »بوليس« تعرض لشذوذ بعض الآباء مع أبنائهم.. فإن الفيلم البريطاني احتاج للحديث حول »كيڤين« لمخرجته لين رامس نفذ بنعومة وقسوة عن علاقة أم بابنها لم تعطه ما »يكفيه« من الحنان وصار مجرما وهو في السادسة عشرة الفيلم تقوم ببطولته تيدا سوينتون في دور إيفا والمرشحة لجائزة أحسن ممثلة. الفيلم شديد الإنسانية تدور أحداثه حو إيفا التي ترتبط بالزواج بمن أحبته والتي تترك عملها والمستقبل اللامع الذي كان ينتظر في سبيل أن تنجب طفلا.. فحلمها بالأمومة يفوق أضعاف حلمها بالترقي في العمل وطموحاته.. ويأتي كيفين طفلا جميلا.. ولكنه عنيد تعتقد في البداية أن لديه درجة من التخلف لكن الأطباء يطمئنونها بأنه عادي ولاداعي للقلق.. مما يجلعها أحيانا تقسو عليه صغيرا.. الفيلم مأخوذ عن رواية شهيرة للكاتب »ليونيل شريفر« وهي رواية تكمن أهميتها في توضيح أن تبادل الحوار مهم للغاية في العلاقات الإنسانية حتي بين الصغار والكبار. كيفين الابن ينشأ عنيفا عنيدا مع والدته لكنه أكثر مرونة في التعامل مع أبيه.. وكي يغيظها فقط ظل لسنوات طويلة لايقضي حاجته في المرحاض بل في الحفاظة.. وفي أحد الأيام عندما فقدت أعصابها قامت بدفعه نحو الحائط فكسرت ذراعه.. لكنه لم يشأ أن يقول لأبيه الحقيقة وبدا وكأنه يحمي أمه. وبعد سنوات عندما حملت إيفا مرة ثانية.. وجاءت بطفلة صغيرة جميلة بدا وكأنه يحبها لكنه تسبب في أن تفقد إحدي عينيها وقبل أيام من احتفال الأسرة بعيد ميلاده السادس عشر يستمع إلي حديث بين والديه يعلم أنهما سوف ينفصلان. وفي يوم عيد ميلاده يحتجز في المدرسة مجموعة من زملائه ويقتلهم بالرمح الذي أهداه إليه أبوه.. كما يقوم بقتله هو وشقيقته الصغيرة.. ليتم الحكم عليه بالسجن سنوات قليلة باعتباره قاضيا.. كانت والدته تحرص فيها علي زيارته علي مدي سنوات طويلة دون أن يتبادلا الحديث، إلا مرة واحدة احتاج فيها أن تعبر له أمه عن حبها .. وأدركت هي أيضا كم كانت مخطئة من قبل في حقه عندما لم تعطه حقه كاملا في الحب. الفيلم يحمل كماً من العنف النفسي في مواجهة الأمور التي تخص العلاقة بين الآباء والأبناء.. وهكذا يتبدي لنا أن قليلا من الحب فيه ما يقتل.. والكثير من الحب أيضا فيه مايؤذي ويدمر. وهذه العلاقات الإنسانية لها شواذها .. فلكل قاعدة شواذ حتي لو كانت عن مشاعر »الأبوة« .. والأمومة.