ونحن علي أعتاب الدخول في عملية ديمقراطية تقود البلاد إلي حياة سياسية حقيقية حرمنا منها ليس خلال ثلاثين عاما بل لستة عقود مضت ، تبدو حسابات العديد من القوي الوطنية في حالة من التخبط والارتباك حيث سيمارس المصريون حقوقهم السياسية دون وصاية أو إملاءات من أحد وسيكون لهم القرار في أن يختاروا برلمانهم ورئيسهم وكافة مجالسهم ليحددوا مصير بلدهم وإلي أين يتجه وكيفية إعادة البناء من جديد بعد سنوات طويلة من حكم الفرد نصف الإله وصاحب الحكمة المطلقة ، هكذا حكمنا جيلا بعد جيل ولهذا السبب وحده يجب ألا نعود أو نعيد إنتاج تلك الحقبة مرة أخري . أول الأخطاء التي نمارسها بوعي أو دون وعي أن نهيل التراب علي الماضي بكل مافيه فذلك يدفعنا نحو متاهة لانعرف طريقا للخروج منها فالماضي هو الأرضية التي نتحرك عليها شئنا أم أبينا فمن لاماضي له لاحاضر له ولامستقبل له، أهلنا التراب علي أسرة محمد علي باشا رغم أنه مؤسس مصر الحديثة والذي جعل لها وجودا ونفوذا في محيطها القريب والبعيد، لاننكر أن من سلالته من كان ضعيفا أو فاسدا لكن آخر ملوك المملكة المصرية خرج مطرودا لم يحمل حتي حقيبة ملابسه وعلي يخت أوصله للساحل الإيطالي وعاد لمصر لأنه من أملاك الشعب لكن ثروات القصور الملكية التي تم الاستيلاء عليها كانت أيضا من أموال الشعب!! وحتي لاتذهب الأذهان بعيدا في عقد مقارنة بين مصيري فاروق ومبارك تستدعي التعاطف نقول إنه لابد من عقد مقارنة أخري بين حال مصر عند رحيل الأول وحالها عند تنحي الثاني، في نهاية الملكية كان الجنيه الورقي أعلي في قيمته من الجنيه الذهب وقيمة الجنيه الاسترليني ، كانت بريطانيا ولازالت مدينة لمصر بثلاثة ملايين جنيه استرليني تساوي قيمتها الحالية 92 مليارا استدانتها خلال الحرب العالمية الأولي ولم تسددها، كان في مصر صناعة وبنوك وطنية وزراعة تزيد علي حاجة الاستهلاك المحلي ، كان فيها حركة وطنية وتعددية حزبية وتداول للسلطة بين الحكومات ، لم تكن ظلاما دامسا كما صورتها مناهج التعليم وآلة إعلام الثورة ، أما الحالة الثانية فالجميع يعلم ما وصل إليه حالنا!! ورغم إنجازات ثورة 25 في مجال الصناعات الثقيلة والخدمات العامة إلا أن المثلبة الرئيسية لها هو انقلاب قادتها علي خيار الديمقراطية وحرمان الشعب من حقوقه السياسية وسجن عشرات الآلاف من كل ألوان الطيف السياسي ثم أعاد حكم مصر في عهد السادات ومبارك إنتاج الاستبداد رغم هوامش الحرية التي لم تؤثر في صناعة القرار السياسي والخطأ الثاني أن الكثير من القوي الوطنية تنشغل بعد ثورة 52 يناير بالصراع فيما بينها بدلا من التعاون والتنسيق لبناء مصر جديدة ديمقراطيا من خلال حملات التخوين والتهويل والتفزيع فتستنفد قواها في المواجهات لتتحول الديمقراطية إلي مجرد كعكة يتسابق الجميع للفوز بها بمعزل عن الشعب صاحب الحق الأصيل في تقرير مصيره. ثالث الأخطاء تصور أنه لاتوجد هوية أو جذور لهذا الشعب وأن مايطرحه البعض من فصله عنها سيحقق تقدما وتحضرا مماثلا للتجارب الديمقراطية الأخري ، التدين سمة غالبة لهذا الشعب قد يتباين في درجته وشكليته أوعمقه لكن علي القوي الوطنية أن تحترم خيارات وانتماءات الشعب. أما الخطأ الرابع فهو أن الشعب عاني لسنوات طويلة من عدم عودة الجيش لثكناته وتمسكه بالسلطة وفي الوقت الذي تعهد المجلس العسكري بتسليم الحكم لسلطة مدنية في أقرب وقت تصر بعض القوي علي استمرار دوره لسنوات وكأنها تخشي من الديمقراطية أو أنها ستأتي بقوي معينة لايفضلونها والمسألة في النهاية سيحسمها الشعب. والمطلوب هو إعادة كتابة تاريخ مصر بكل الإنصاف والنزاهة دون تشويه أو تزييف لتعرف الأجيال تاريخ بلادهم الحقيقي، وأيضا عدم إعادة إنتاج الماضي بكل مساوئه السياسية والاستفادة من تجارب التاريخ وعدم التخوف من الديمقراطية التي ربما تحمل تجاربها الأولي الكثير من التعثر والأخطاء لكنها لن تكون قفزة في الفراغ بل ستفتح نوافذ الحرية لتمضي مصر في طريقها لاحتلال مكانتها بين الأمم .