مابعد ثورة 25 يناير صارت مصر شيئا مختلفا تراه في وجوه المصريين وفي تعاملاتهم وفي خطابها السياسي الذي لم يعد خشبيا من نفس نوعية الجمود الذي أصاب البلاد والعباد طيلة العقود الماضية في حين كان حديث الأوهام حول محورية الدور السياسي المصري والريادة الثقافية والإعلامية التي لم يكن لها وجود علي أرض الواقع !! أصبح العالم يستمع للمصريين حينما يتكلمون وحين يتخذون المواقف، إسرائيل أصبحت تغضب وأمريكا تقلق وأوربا تهتم، ميدان التحرير صار معلما ومزارا سياحيا وثورات العرب تستلهم شعارات وآليات انتفاضاتهم ومثل هذه الأشياء لابد أن تكون سببا ومصدرا لفخر واعتزاز كل مصري اللغة الخشبية هي التي اعتاد الناس سماعها حتي الملل ، لغة مستبدة وخاملة مفرداتها متحجرة فخطاب الرئيس تاريخي لأنه يملك ناصية الحكمة المطلقة التي تنزهه عن الوقوع في أي خطأ ويفهم أكثر من شعبه وهو حديث العالم لأنه امتلك ناصيتي التاريخ والجغرافيا في آن واحد !! في مصر وزير خارجية جديد ومختلف ، دبلوماسي بعباءة ووشاح القاضي وعدالته ، تأخر قدومه لإدارة علاقات مصر بالخارج عشرين عاما لكنه وفي أسابيع قليلة أعاد لأروقة الدبلوماسية البريق الذي فقدته في ثلاثين عاما، أثارغضب إسرائيل عدة مرات لأنه تحدث باللغة التي تفهمها الدولة العبرية وتغاضي النظام السابق عن استخدامها وهي أن الالتزامات لاتكون من جانب واحد وأن أي اتفاقية ليس لها صفة القدسية ولا الديمومة خاصة إذا حرص أحد أطرافها علي الإخلال بها وأن العلاقات الطبيعية لاتعطي لأي طرف مزايا تفضيلية علي حساب الطرف الآخر أو أن يتحكم في علاقاته بمحيطه القريب أو دائرته البعيدة، كما أن من حق مصر تقييم علاقاتها والمعاهدات التي أبرمتها إذا لم تعد صالحة أو تلحق الضرر بأمنها القومي، لغة جديدة لاتتحرك من إطار رد الفعل ولا من التبعية للآخرين، تضع مصالح البلاد فوق أي اعتبار ومكانة مصر ودورها وسيادتها الوطنية في أولويات سياستها ، رجل حرك بركة الدبلوماسية الراكدة وبلغة ليست خشبية !! وفي مصر رئيس وزراء من آحاد الناس يتفقون أو يختلفون عليه أو علي أدائه لكنه نظيف اليد وليس طويل القامة لايري من دونه طولا ولايتحرك بالتحكم عن بعد كمن سبقوه ولايمد الكباري حتي مدخل بيته من أموال الشعب !! تحاصره المشاكل والأزمات التي ورثها من الحكومات السابقة لكنه يواصل رغم علامات الإجهاد التي تلازمه وجولات الداخل والخارج بحثا عن حلول لخروج مصر من عنق الزجاجة لكنه يتحدث بلغة حية تستجيب لمتطلبات حياة هذا الشعب ، والذين يتحدثون عن البطء أو التباطؤ عليهم أن يعيدوا شريط ذكرياتهم مع العهد الماضي ليشاهدوا كيف كان يتم التعامل مع احتياجات هذا الشعب !! وفي مصر مجلس عسكري يدير شئون البلاد في هذه الظروف الحرجة التقيت ببعض أعضائه فوجدتهم مواطنين مهمومين بحاضر ومستقبل بلدهم يحملون عبئا فوق طاقتهم لكنهم واثقون من أن هذا الشعب الذي وقفوا مع ثورته ولم يفعلوا مثلما فعلت جيوش الجوار بشعوبها يثق في قدرتهم علي تجاوز هذه المرحلة المصيرية من تاريخ مصر بتعاون كل المخلصين والشرفاء ولايفكرون في البقاء طويلا خارج ثكناتهم أما أصحاب اللغة الخشبية المنقرضة التي عفا عليها الزمن ممن انفصلوا عن شعبهم إما بخطاب تحريضي ضد الثورة من خلف مكاتبهم المكيفة أو بثقافتهم المتعالية وعدم قدرتهم علي رؤية الواقع أو تعاونهم مع أزلام النظام القديم أو الفاسدين فإن الشعب قادر علي فرزهم جيدا بوعيه وإدراكه ، وعلي البرلمان القادم والرئيس المرتقب أن يدركوا أن الشعب لن يقبل من الآن فصاعدا مثل هذا الخطاب الذي يسير في اتجاه واحد ومن أعلي لأسفل فلا أحد سيملي عليه ما لايقبله لأن أبواب الحرية فتحت علي مصاريعها ولن يستطيع أحد أن يوصدها مرة أخري وأخيرا سيذهب الفاسدون وناهبو ثروات مصر والمستبدون والمتآمرون وسينطلق هذا البلد الطيب بأهله ونيله ومدنه وقراه نحو المستقبل متجاوزا كل أشواك وعقبات الطريق لبناء مصر جديدة نتركها قبل أن نذهب مكانا لائقا للحياة لأجيالنا القادمة.