هل تذكر فيلم »المذنبون« الذي أحدث ضجة.. فقد جمع فيه المخرج كل النماذج السيئة.. في ذلك الوقت .. ولم تجزه الرقابة ومنعته بحجة أنه يسيء للشعب المصري.. وحين شاهده الرئيس السادات الذي كان محبا للفن أعجب به جدا وأجازه للعرض.. وقد أحدث الفيلم ضجة كبيرة حينما عرض.. وفيلم »أريد حلا« الذي كان علي إثره أن ألغي بند بيت الطاعة المهين للمرأة.. والخوف الذي أحدث حالة من الانكسار للإنسان المصري بعد نكسة 1967، وكثير من الأفلام التي سببت الأحداث السياسية التي تعكس حال البسطاء ومشاكل الشعب.. دون الإحساس بأنه يقدم فيلما سياسيا. إنه الفنان المبدع عاشق السينما سعيد مرزوق الذي يعاني الآن محنة المرض والألم.. فقد أصيب بجلطة في المخ أحدثت له شللا نصفيا يحتاج إلي علاج طبيعي طويل .. كما بترت ساقه إثر غرغرينة بالقدم.
كان أول فيلم روائي له هو فيلم »زوجتي والكلب« تمثيل محمود مرسي ونور الشريف.. الذي قدم أسلوبا جديدا في السينما المصرية.. وشكلا جديدا في الإخراج يختلف عن كل الأفلام التي عرضت واهتم بالصورة واللغة المستخدمة في التعبير.. وكان الصوت والصورة هما المعبران أكثر من الحوار. ونجح الفيلم علي المستوي النقدي وأصبح يدرس في معهد السينما.. كما يدرس في أمريكا.. وقد فاز بجوائز عربية وعالمية. كان هذا الفيلم بمثابة جواز مرور إلي السينما الجميلة ذات الطابع الخاص. وقيل وقتها إن سعيد يقدم أفلاما غير جماهيرية فأثبت لهم العكس حين قدم فيلم »أريد حلا« الذي كتبت قصته حُسن شاه وكتب له السيناريو والحوار وأخرجه.. وكان الفيلم بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة.. والذي علي إثره ألغي بند بيت الطاعة من قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر أكبر إهانة للمرأة.. ونجح الفيلم علي المستوي النقدي والجماهيري واستمر عرضه أكثر من 20 أسبوعا فعندما عادت فاتن حمامة من الخارج بعد غياب شاهدت فيلم »زوجتي والكلب«.. وأعجبت جدا بالفيلم.. واختارت سعيد مرزوق ليخرج لها فيلم »أريد حلا«.. وأثناء تصوير الفيلم ذهبت إلي مكان التصوير لأشاهده علي الطبيعة.. وفي المحكمة.. شاهدت مخرج الفيلم شابا وسيما كان مرشحا للتمثيل ولكنه فضل الإخراج.، هادئ الطباع بعكس معظم المخرجين في الاستديو يبدو عليه الخجل .. وكانت أول معرفتي به.. وترك في نفسي انطباعا جيدا.
أما »المذنبون« المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ فقط كتب السيناريو وأخرجه سعيد مرزوق .. كان الفيلم يتناول شخصيتين فقط من الشخصيات السيئة. في المجتمع.. فأدخل سعيد كل الشخصيات السيئة لدرجة قيل وقتها كيف أدخل كل هذه الشخصيات وكلهم من النجوم.. وأطلقوا عليه بعد هذا الفيلم مخرج الشغب السياسي.. وعرض الفيلم في مهرجان القاهرة في بدايته وكانت لجنة التحكيم كلها من الأجانب الخواجات.. وفاز الفيلم بأحسن إخراج.. كما فاز عماد حمدي بجائزة أحسن ممثل.. فأطلق عليه بعد ذلك مخرج الجوائز وكانت الرقابة قد منعت الفيلم بحجة أنه يسيء لمصر.. لكن حينما رآه السادات المحب للفن أعجبه وأجازه. أما فيلم المغتصبون الذي قامت ببطولته ليلي علوي.. فهو مأخوذ عن قصة واقعية هزت المجتمع والرأي العام وعرفت باسم فتاة المعادي وهو اغتصاب ستة أشخاص لفتاة أمام خطيبها.. وقد تناوله أكثر من فيلم.. لكن سعيد قدم الفيلم بلا سيناريو أو حوار.. ولكن بالاعتماد علي الحدث وردود أفعاله وقد حرص سعيد مرزوق علي أن يذهب إلي المكان الذي يعيش فيه هؤلاء المغتصبون.. ورأي علي الطبيعة كيف يعيشون حياتهم وأسلوب كلامهم.. ثم الفتاة المغتصبة وعائلتها وعملها وشخصيتها وحياتها الخاصة.. وكيفية حدوث الاغتصاب وبالرغم من وجع القلب الذي أحسسناه.. فلم يصور مشهدا واحدا نخجل منه.. إن سعيد مرزوق يقدم الأفلام السياسية بأسلوب غير سياسي ولا ينطق فيها بكلمة سياسة وهذا ماشاهدناه في فيلم »هدي ومعالي الوزير« وهو أيضا مأخوذ عن قصة حقيقية لامرأة تعمل »بالبيزنس« ونصبت علي الناس .. وقام الوزير بتهريبها إلي الخارج. أما الفيلم الأخير الذي قدمه فهو.. فيلم »المرأة والساطور« تمثيل نبيلة عبيد وأبوبكر عزت عن مشاكل المرأة التي تضطر إلي قتل زوجها.. وقد عرض الفيلم في مهرجان القاهرة وفاز بجائزة الإخراج وأحسن ممثل.
إن سعيد مرزوق لم يقدم فيلما واحدا ندم عليه فهو لايقدم أي تنازلات.. لم يفكر في الجوائز ولا يسعي للاشتراك في المهرجانات ولاتشغله مسألة الشهرة.. لكنه ندم علي فيلم واحد فقط هو فيلم »الدكتورة منال ترقص« فقد كانت والدته تعاني من مرض الفشل الكلوي.. وقد صرف سعيد كل ما يملكه عليها.. واضطر أن يخرج هذا الفيلم لعلاج أمه.. وكان يمكن أن يخرج وقتها أي فيلم. وعرفت سعيد مرزوق الإنسان عندما اخترناه رئيسا للجنة التحكيم في إحدي دورات مهرجان الإسكندرية الذي أقيم لمدة 01 أيام .. إنسان حساس مهذب صريح لايعرف اللف والدوران يجعلك تحس أنه يعرفك من زمان. كان يمكن له أن يحقق الثراء المادي.. ولكنه لم يقدم أي تنازلات ليقدم الأفلام ذات المستوي الرفيع. إنه ليس ككل الفنانين الذين يمتلكون الفيلات الفخمة.. والعربات الفارهة.. لكنه يسكن في شقة في المهندسين بالإيجار. وأين الفنانون والسينمائيون الذي عملوا معه وأجورهم بالملايين.. ماذا فعلوا من أجله. إن سعيد مرزوق الفنان المبدع يستحق أن يعالج في الخارج كأي فنان عالمي ونرجو من القوات المسلحة أن تحقق هذا المطلب فقد أسعدنا كثيرا.. لكننا لم نسعده.