تشيلوك المرابى اليهودى عندما وقف " أنطونيو " بطل رائعة شكسبير "تاجر البندقية " في المحكمة منتظرا الفصل في أمره وتسليم جزء من جسده " لتشيلوك " المرابي اليهودي مقابل الدين الذي لم يستطع أن يوفي به، بعد أن اشترط عليه أن يأخذ رطلا من لحم جسده إذا تأخر عن سداد دينه، ولولا براعة زوجة صديقه التي تنكرت في شكل محام واشترطت علي المرابي أن يأخذ رطلا من اللحم دون أن يهدر نقطة دم واحدة وإلا يسجن المرابي فالدم لم يكن ضمن الاتفاق، فتراجع مرابي شكسبير، ونجا أنطونيو، ورغم ذلك وقع في شباك المرابين من بعده آلاف الضحايا الذين لم يتعظوا لما حدث لأنطونيو، فامتصوا دماءهم، ودمروا حياتهم . وإذا كان "لتشيلوك" مظهر منفر وملامح غليظة، ولمرابيه ديستوفسكي في الجريمة والعقاب ملامح مخيفة، " فالحاج ماهر " مختلف عنهما تماما. ما كاد صوت المؤذن ينطلق من المسجد الكبير الذي يتوسط الميدان في الحي الشعبي متعانقا مع باقي أصوات المؤذنين في المساجد الصغيرة والزوايا القابعة أسفل المنازل، حتي أسرع " الحاج ماهر " مهرولا لأداء الصلاة التي يحرص عليها في المسجد وهو يحمل في يده سبحة طويلة دائما ما يؤكد علي أنها لم تفارقه منذ أدائه لفريضة الحج عام 1971 واستغل تلك السنوات الطويلة في تكوين "زبيبة " افترشت مساحة لابأس بها في جبينه فهو كرجل أعمال كما يحب أن يطلق علي نفسه احترف بيع النقود ولابد له من أدوات تساعده علي كسب ثقة الناس ولايوجد أفضل من مظاهر التدين لاكتساب ود الزبائن، الذين يجدون لأنفسهم مبررا في التعامل معه، زبائنه كثيرون أرامل ومطلقات وهؤلاء هن أكثر زبائنه التزاما فهم يردون الجنيه بجنيه في الفترة المحددة، أما رجال الأعمال الذين يقترضون منه مبالغ كبيرة فهم مكسبه الثابت، ومن بعدهم يأتي من يعتبرهم وش السعد عليه، شباب وفتيات أيضا ينظرون للحياه علي أنها مساحة للمتعه بدون شروط، حتي يقعوا في حبائل المرابي الشهير لتتحول لحظات متعتهم إلي سنوات من العذاب يقضونها ما بين قاعات المحاكم وفي كثير من الأوقات تنتهي في زنازين السجون، هؤلاء الشباب هم الزبائن المفضلون لدي المرابي وهم الوقود الذي يستهلكه حتي يتضخم ماله الحرام، يمارس عمله من غرفة في منزله خصصها لمقابلة عملائه، وفي آخر اليوم يراجع أوراقه مع محاميه الداهيه الذي يحكم قبضته علي فرائسه، ومع فريق عمله من المتخصصين في شهادة الزور، كانت كل أيامه متشابهه ما عدا ذلك اليوم الذي توقفت فيه أمام منزله سيارة فخمة ترجلت منها فتاه تبدو عليها الأناقة رغم ملابسها البسيطة وتخفي وجهها خلف نظارة شميسة كبيرة، دقت علي بابه ليفتح لها أبواب الجحيم، جلست في الغرفة المشئومة ليرحب بها ويبالغ في إكرامها بعد أن أدرك بخبرته أنه أمام صيد ثمين، لم يهتم كثيرا بلهجتها المتعالية هذه المرة عندما طلبت منه أن يقرضها "عشرين ألف جنيه " مقابل إيصال أمانه كما هو معتاد يكتب فيه ضعف المبلغ الذي اقترضته، قبل أن تكمل حديثها كانت النقود أمامها وهو يتجاذب معها أطراف الحديث، وعرف منها من الذي أرسلها إليه، بالغ في إكرامها خاصة بعد أن عرف أنها ابنه وحيدة لرجل أعمال مقيم في أحد البلاد العربية ولايرفض طلبا لابنته المدللة لكي يعوضها عن ابتعاده عنها وإقامته مع زوجته الجديدة بعد وفاة أمها منذ عدة سنوات، وأنها تقيم مع جدتها في فيلا بإحدي المدن الجديدة، لم يسألها عن أسباب احتياجها للنقود كل ما كان يهمه أن تعود إليه مرة أخري، ألقت الفتاة المال بإهمال في حقيبتها بعد أن وقعت له علي الأوراق التي طلبها، وودعها وهو يطلب منها أن تطلب منه ما تشاء في أي وقت من الليل أو النهار، وفي الموعد المحدد أعادت له أمواله مضاعفة، لتعود إليه بعد ذلك وفي كل مرة كانت طلباتها تتضاعف، وأيضا تسدد في الموعد المتفق عليه، ولم تعد تذهب إليه وحدها بل كانت تصطحب معها أصدقاءها وصديقاتها، وكان هو يحتفي بهم بتجهيز الطعام والشراب في كل زيارة، ولم يستغرق الأمر كثيرا حتي عرف أنها مدمنه عتيدة علي الهيرويين، وفي لحظات انتشائها عرف عنها الكثير، فبعد ارتباطها بقصة حب فاشله مع رجل أعمال متزوج تركها خوفا من نفوذ والد زوجته، وقعت في حب شقيق مطرب مشهور سقطت معه في دوامة الإدمان وليالي السهر والحفلات التي تبدأ في نهاية الليل و تنتهي في منتصف نهار اليوم التالي ، ولم يكن يمتلك ما يمول به سهراته والمخدرات اللازمة له فكان يعتمد عليها ولم يكن يكفيها العشرة آلاف جنيه مصروفها الشهري، فعرفت طريق الاقتراض بالربا، ليزداد مع الوقت طلبات صديقها الذي يستعين بأربعة من " البودي جارد " يرافقونه في كل تحركاته ليتورط في ديون اعتمد عليها في سدادها، ازدادت سعادة المرابي كلما كان يكتشف جزءا من حياتها المنهارة التي كان يحولها لنهر من الأموال تتدفق إلي جيبه، وعندما جاءته في يوم وهي منهارة بعد مشاجرة عنيفه مع والدها الذي لاحظ إسرافها وطلبها المستمر للمال وبعد أن عرف أنها باعت مجوهراتها الثمينه، بكت وهي تطلب من المرابي أن ينقذها ويقرضها " مائه ألف جنيه " لابد أن تدفعهم لتنقذ نفسها وصديقها بعد أن تورطا مع أحد تجار المخدرات، وأدرك المرابي ان الوقت قد حان ليحقق صفقة العمر، قال لها إنه سيحاول تدبير المبلغ من أحد أصدقائه لأن كل أمواله في السوق وطلب منها أن تمهله بعض الوقت لكي يقترضهم لها من أحد أصدقائه، وعادت إليه مرة أخري وهي تتوسل أن ينقذها، قال لها إنه حاول ولا يجد أمامه سوي أن يبيع مجوهرات زوجته التي تدخرها للزمن، وأنه سيرهن من أجلها شقته التي يعيش فيها مع زوجته وأبنائه، ولكن له شرط واحد حتي يدبر لها ما تحتاجه، وهي أن تبيع له سيارتها التي يصل ثمنها لأكثر من " خمسمائة ألف جنيه وتعطيه عقد الفيلا وتتنازل له عليها، مقابل تدبير المبلغ ولم ينس أن يقسم لها " بسجوده" بأن البيع سيظل صوريا حتي تطمئن زوجته وتقبل أن تبيع مجوهراتها وتوافق علي رهن الشقه، لم تتردد الفتاة كثيرا ولكنها طلبت منه أن يزيد المبلغ إلي مائة وخمسين ألفا، وافق علي الفور وفي الوقت المحدد أحضر محاميه ومعه عقوده وباعت السيارة والفيلا التي كتبها والدها باسمها وأقرت بأنها تسلمت منه أربعة ملايين جنيه ثمنا لهما، وسلمها النقود التي طلبتها وغادرت المكان وهي لاتعلم أنها سلمت نفسها لشيطان لايرحم، ومرت ثلاثة شهور ولم تستطع أن تسدد ما عليها في هذه المدة بل واقترضت منه خمسين ألفا وقعت مقابلهم علي أوراق بيضاء، ولم يناقشها هذه المرة في كيفية السداد، ومرت أيام حتي فاجأها بطلبه سداد ما عليها، لاحتياجه للنقود حاولت أن تلجأ لكل من تعرفه حتي تدبر المبلغ المطلوب وفشلت بعد أن عرف أهلها وكل معارفها أنها مدمنة، ورفض والدها أن يعطيها ما طلبته، ذهبت إلي المرابي وتوسلت إليه أن يمهلها بعض الوقت حتي تستطيع أن تقنع والدها بسبب طلبها لنصف مليون جنيه قيمة المبلغ بفوائده، أمهلها هو بعض الوقت وهو يعلم أنها ستطلب منه المزيد من المال قبل أن تخرج من عنده، ومقابلها وقعت المزيد من الأوراق البيضاء، ولم يعد لديه وقت للمراوغة أو لدفع المزيد، فلابد أن تنتهي تلك الصفقة حتي يتفرغ لغيرها، طلب منها أن ترد له أمواله فطلبت منه المزيد، طالبها أن تسلمه السيارة والفيلا فسخرت منه بل ووصفته بالجنون، فأنهي الحوار بينهما، لتفأجا بشرطي يطرق أبواب منزلها ويطالبها بالذهاب معه إلي قسم الشرطه لأنها متهمة بسرقة سياره، وفي قسم الشرطة أدركت حجم الكارثة التي أحاطت بها، فهي متهمه بسرقة سيارتها بعد أن باعتها وهناك شهود يؤكدون أنها بعد أن سلمت السيارة شاهدوها وهي تسرقها من تحت بيت "الحاج ماهر " الذي أرفق ببلاغه عقد بيع السيارة والتوكيل الرسمي الذي وقعته له، لم تجد أمامها سوي أن تستنجد بوالدها الذي ترك أعماله وعاد ليجد محاضر وعشر قضايا أصحابها أشخاص مختلفين يطالبون ابنته بمبالغ تعدت الخمسة ملايين جنيه، كاد الأب أن يصاب بأزمة قلبية بعد أن اكتشف كيف سقطت ابنته، حاول أن يتفاوض مع المرابي الذي قابله بكل ود وطالبه بحقه في السيارة والفيلا والنقود حاول الرجل وفشل ولم يجد أمامه سوي تنفيذ طلبات المرابي حتي لاتسجن ابنته، أو تطارده الفضيحة إذا وصل الأمر إلي المحاكم، وكان طلبه الوحيد لابنته أن تخضع للعلاج حتي تنجو من آثار الأدمان الذي دمر شبابها وتسبب في خسارتها لأموال طائله ومن قبلها لحياتها ومستقبلها وافقت الفتاة علي السفر للخارج لتلقي العلاج، وحتي موعد السفر كان والدها يراقبها طوال الوقت وإن كان يسمح بتناولها بعض الجرعات حتي يحين موعد سفرها، لم تتحمل الفتاة كل ما مر بها ولم تستطع أن تتخيل ما ستعانيه داخل المصحه التي ستظل بداخلها حتي تتخلص من إدمانها، اختارت أن تغادر الحياه بهدوء بعد أن عاشتها بصخب، قطعت شرايين يدها داخل حمام غرفتها، لتفارق الحياه تاركة خلفها أب يشعر بالذنب طوال الوقت، ومستقبل غامض لم ترغب أن تعرفه والغريب أن قصتها مازالت تتكرر كل يوم، وتظل جريمة إثبات التعامل بالربا الفاحش شديدة الصعوبة حتي إن المحاكم لاتكاد تشهد دعاوي ضد المرابين الذين ينفذون جريمتهم بحرفيه شديدة ولايمكن إثبات جريمة التعامل بالربا الفاحش إلا بشهادة الشهود كما يقول المستشار أحمد ماجد رئيس محكمة شمال، خاصة مع لجوء المرابي للنصيحة القانونيه ومعرفته بالقانون واحتياطه بالتعامل من خلال إيصالات الأمانه او لجوئه إلي تقييد ضحيته ببيع ممتلكاته وهي حالات تتداخل فيها قدرة المرابي بالتأثير علي ضحيته، إلي جانب ضعف الضحيه وانهياره والقانون يجرم الاقتراض مابين الأشخاص إذا ما زادت الفائدة علي 4٪ والمهم هو الإثبات. فاالأصل في الفائدة المدنية ألا تتجاوز ال4٪ والتجارية لا تتجاوز 5٪ لكن يجوز الاتفاق علي مخالفتها بالنسبة للبنوك وبأشراف البنك المركزي، وهناك نص في قانون العقوبات المادة 339 " كل من انتهز فرصة ضعف وهوي شخص وأقرضه نقودا بأي طريقة كانت تزيد عن الحد الأقصي المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها وقانونا يعاقب بغرامة لاتزيد علي200 جنيه، فإذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الأولي في الخمس سنوات التاليه للحكم الأول تكون العقوبه الحبس مدة لاتتجاوز سنتين وغرامه لاتتجاوز500 جنيه، ومازال " المرابي الشهير يوقع بضحاياه ممن اضطرتهم الحاجة أو الضياع إلي اللجوء اليه.