الأعياد في تلك الفترة من السنة، حيث يحتفل فيها المسيحيون واليهود بأعيادهم، فضلا عن "شم النسيم" الذي يسعد به الشعب المصري كله، فيخرجون إلي المتنزهات والحدائق العامة بهدف الانطلاق والترويح عن النفس، وإذا كان المسيحيون يحتفلون في هذا الوقت من العام بعيد القيامة فإن اليهود يحتفلون بدورهم بعيد "الفصح"، ولهذا التزامن أسباب تاريخية نستعرضها في السطور التالية. فالمسيحيون واليهود جمعتهم الأعياد التي تأتي في نفس الموعد، لكن الطقوس لأتباع كل من الديانتين تفرق بينهم، فعيد الفصح معروف في الديانتين، في اليهودية يحتفظ بنفس المسمي والذي يكرس علي مدار سبعة أيام احتفالا بخروج اليهود من مصر، فيما يعرف عيد الفصح عند المسيحيين باسمه الأشهر عيد القيامة، وكان المسيحيون طوال القرون الثلاثة الأولي يحتفلون بعيد الفصح المسيحي عقب عيد اليهود بأسبوع واحد، قبل أن تضع الكنائس المسيحية قواعد ومواقيت للاحتفالات بأعيادها بحيث تخالف مواقيت أعياد اليهود. يقول د. سعيد عبد السلام، أستاذ التاريخ اليهودي بجامعة عين شمس، ل "دين ودنيا"، إن عيد الفصح اليهودي يأتي في منتصف شهر أبريل من كل عام، وهو ذكري خروج اليهود من مصر وخلاصهم من استعباد فرعون لهم، ومن أهم طقوسه تذكر قصة خروج بني إسرائيل في ذلك الزمان، ومحاولة معايشة الظروف التي صاحبت خروجهم، ويعد عيد الفصح لذلك عيدا للحرية والخلاص عند اليهود. وأشار عبد السلام إلي أن عقيدة اليهودي ترتبط بتنفيذه وصايا عيد الفصح، وإقامتها بالشكل الذي حدده الحاخامات، كما يمثل عيدا للوحدة اليهودية، ولترسيخ ذلك تمنح أهمية قصوي لتجمع الأسرة اليهودية علي مائدة الفصح، وفي ليلة الاحتفال تحكي "حكايات الفصح"، وهي مقتطفات من التفاسير ومزامير الشكر وأقوال الحكماء والصلوات والأشعار، التي تقال في الاحتفال بليلة أول أيام عيد "الفصح"، كما تذكر الضربات العشر التي أنزلها الرب بالمصريين في زمن موسي عليه السلام، في ليلة اليوم الأول للاحتفال بعيد الفصح، ويجب تجهيز أدوات مائدة الفصح، فإن لم تكن جديدة فيجب غسلها بماء مغلي، وتجليتها حتي تصبح لامعة كالجديدة، وكذلك تنظف الأفران التي ستعد فيها فطائر الفصح. ويوضح عبد السلام أن هناك عناية كبيرة بصناعة فطائر الفصح غير المخمرة ومن هنا حرص الحاخامات علي اصطحاب تلاميذ المدارس الدينية إلي المخابز ذات الطابع الديني المتشدد لمتابعة عملية صناعة الفطائر بدون خمير، والوقوف علي مراحل صناعتها المختلفة، والمقصود من ذلك تذكر ظروف الخروج من مصر، وحياة الصحراء، حيث يقال إن بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر مع موسي زمن اضطهاد فرعون لهم، تناولوا الخبز بدون خمير حيث لم يسعفهم الوقت لتخمير العجين، أما العيد فيبدأ الاحتفال به عقب انتهاء عيد الفصح مباشرة أي في اليوم الخامس عشر من الشهر ويستمر حتي اليوم الحادي والعشرين لأن مدته سبعة أيام. أكد أستاذ التاريخ اليهودي أن المزارعين اليهود يقومون في هذا العيد بتقديم حزمة من محاصيل الأرض تسمي "عومر" كقربان للرب، ويمارس عامة الشعب أعمالاً أخري مثل تناول أقراص الفطير التي يراعي أن تخبز علي عجل، وبدون خمير، والجدير بالذكر أن اليومين الأول والأخير يطلق علي كل منهما "يوم طوڤ" أي "يوم طيب"، تجب فيهما قراءة التوراة، وإقامة صلوات إضافية، أما الأيام الخمسة الواقعة بين اليوم الأول والأخير لعيد "الفطير"، فمن الواجبات الدينية فيها الترفيه عن النفس، بالخروج إلي الحدائق والمتنزهات، وتناول الطعام والشراب في الهواء الطلق، وارتداء الثياب الجديدة. وتأتي المظاهر الاحتفالية تنفيذا لوصية دينية هي: "وسررت بعيدك"، لذلك لا يجوز الحزن في هذه الفترة، أو تقديم التعازي، وهناك من يمتنع عن قص الشعر أو حلق اللحية. ومن أهم طقوس هذا الاحتفال "خمر التذكار" وهي عبارة عن أربعة كؤوس فرضها الحكماء علي كل يهودي في الليلة الأولي من عيد الفصح، حتي لو كان مريضا ولا يمكنه تناول الخمر فلا مناص من الخمر، ويشير إلي أنه التلمود كان يسمح بقتل غير اليهود واستنزاف دمائهم في عيد الفصح، لعمل فطائر ممزوجة بدم الضحايا وتناولها بفرح في هذا العيد، لكن هذه العقيدة اختفت بعد افتضاح أمرهم وبعد أن جلبت عليهم المصائب بالذبح والقتل كما حدث في روسيا وفي ألمانيا. من جهته، يصف القس بيشوي عاطف، احتفال يوم القيامة عند المسيحيين بأنه أهم الأعياد المسيحية، موضحا أنهم يحتفلون فيه بقيامة المسيح من بين الأموات بحسب المعتقد المسيحي، وهو ما يؤمن به أتباعه بعد أن صلب المسيح مابين سنة 27 و 33 بعد الميلاد، وأن عيد القيامة يشير إلي فصل في التقويم الكنسي ويدوم لمدة خمسين يوماً حيث يبدأ من أحد القيامة إلي عيد حلول الروح القدس، والاحتفال به مدته ثمانية أيام وهو العيد الأكبر عند المسيحيين. ويحتفل المسيحيون في هذا اليوم بانتهاء الصوم الكبير الذي استمر لمدة أربعين يوما، وينتهي فيه أسبوع الآلام، ويبدأ ما يسمي زمن القيامة الذي يستمر كذلك أربعين يوما، وتاريخ الاحتفال المعتمد للتقويم الشرقي موعده بين يومي 4 أبريل و8 مايو، وبالتالي فعيد الفصح المسيحي متغير، وإضافة إلي مكانته عند المسيحيين فإن عيد القيامة يرتبط عضويا بعيد الفصح اليهودي في الكثير من الأبعاد، ويشترك المسيحيون في العيد بالهتاف بتحية عيد الفصح وتزيين المنازل ووضع قبر فارغ في الكنيسة. وأشار عاطف إلي أن المصريين واجهوا مشكلة في الاحتفال بعيد (شم النسيم) بعد انتشار المسيحية في القرن الرابع، لأنه كان يقع دائماً داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيد، وهي المدة المعروفة بالنسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة والامتناع عن جميع اللحوم أو أي طعام يأتي من الحيوان، وهو ما جعلهم يواجهون صعوبة كبيرة في التمسك بالصوم أثناء الاحتفال بعيد الربيع، والذي يتميز بأجواء احتفالية وخروج المصريين إلي المتنزهات وهم يصحبون المأكولات والأطعمة، وهو ما ألهمهم فكرة تأجيل الاحتفال بعيد الربيع إلي ما بعد الصوم الكبير علي أن يكون الاحتفال في صبيحة عيد القيامة المجيد.