عرفت الحب لأول مرة في حياتي إنه كالموت نسمع عنه كل حين خبراً ولكنك لا تعرفه إلا إذا حضر. وهو قوة طاغية، يلتهم فريسته، يسلبها أي قوة دفاع، يطمس عقلها وإدراكها، يصب الجنون في جوفها حتي تطفح به، إنه العذاب والسرور واللانهائي». تلك هي الكلمات المجوهرة لأديبنا العظيم نجيب محفوظ في قصته «نور القمر» عندما يصف هذه العاطفة الساحرة، الجارفة، أو تلك الكيمياء (المكهربة) الصاعقة الهابطة من الأعلي إلي الأسفل ومن هنا كان التعبير الشائع بكل لغات الأرض (الوقوع في الحب) ومن ثم يحاكي العشق الفخ المحكم أو الهوة السحيقة التي تبتلع أعتي الرجال وأجمل النساء.. ولكن الرجل مختلف عن المرأة فالفجوة بينهما شاهقة وفادحة.. الرجل تحركه الغريزة.. هي مملكته. في بلاطها الآمر الناهي، هو يسعي، وروعة العلاقة ولا أقول حتي استمرارها مرهون باشتعال رغبته فإذا ما خفتت أو خمدت كان فتور الوصال.. غياب البهجة واللهفة المنعشة فيأتي هادم اللذات ومفرق الجماعات في العلاقات أي الملل.. الشبع والعزوف، ويوجد أنواع من الرجال بينهم العاشق المتسلسل! أو SERIAL LOVERS مثل القاتل المتسلسل بينما المرأة تحب من خلال مشاعرها ووجدانها بعمق بدأب فيطول عمر حبها ربما إلي الأبد بينما هي بالنسبة للرجل قصة قصيرة قد تطول إلا قليلا أو كثيرا. أعود (لنور القمر) يقول نجيب محفوظ: "وأعجب من ذلك كله أن يتحول خبير الأطعمة المتقنة، زير النساء إلي مجنون ملهم، يهيم في دنيا الحب المترعة بالأسرار يخاطب بأنينه المجهول ويجد في البحث عن لاشيء في كل شيء في ضياء الشمس، بهاء القمر، وهج النجوم، ثراء السحب، أريج الأزهار، سلاسة الماء فقد غطت نور القمر علي حياتي وحياة الكون من حولي وفي بوتقة الهجران يبعث القلب ويتطهر ولو كان في الأصل غليظا مشبعا بالإثم، وقد خبرت الضحك والسخرية والشهوات فأني لي أن أعرف الشجي وأترنم بألحان الأسي، من الآن وإلي الأبد سأنتمي إلي عالم غير عالم الناس، سأفتح ذراعي للجنون والسفه وفي سبيل الجنون المقدس تستحل كل حماقة". تلك هي حال الرجل العاشق في مرحلة القنص، الشوق والاستغراق في لعبة الغواية أما إذا "نال المراد" الجسدي أو النفسي وتحولت الأنثي من هدف إلي عبء بزغ الخمول العاطفي للرجل وطبيعته التعددية التي تتوج بخطورة المضمون فلقد وقعت الفريسة في الفخ، الرجال تشعلهم الرغبة لا المتعة، فالرغبة هي المتعة المتخيلة فإذا ماخذله الواقع والتطبيق الحسي! ولم يرتق الواقع إلي آفاق الخيال المُسكرة زهد الرجل العلاقة ولا يعني الزهد الرحيل فربما تستمر العلاقة العاطفية أو الزوجية ولكن موات اللهفة وفقدان تأجج الحواس. وعكس ما يعتقد البعض فالرجل أكثر تعطشا للخيال من المرأة فهو الكائن المحلق المولع بالترحال، هو يجنح للخفة.. هي تجنح للثقل.. هو يسعي للتنقل يقضي من المتعة وطرا.. هي تسعي للاستقرار بل أغلبهن يعشقن كلمة إلي الأبد، هو يعشق في المطار علي سبيل المثال صالة السفر، الإقلاع!! هي تعشق الوصول!! إذن هناك سوء تفاهم أزلي بين الرجال والنساء ونموذج الأنثي المثالية حيث الفتنة المرصعة بالدهاء، المخيلة الثملة بالآفاق الرحبة، المتجددة هي شهر زاد ألف ليلة وليلة فلقد فطنت أن لغة الجسد محدودة، محفوظة فتحلت بالثقافة، الحكمة وإغواء الخيال فلياليها موشاة بالحكايا المثيرة، الشائقة ومن ثم روضت شهريار الملك السعيد المتعطش دوما بوحشية طاغية ينحر العذراوات عند الشمس البازغة يلطخها بدماء الصبايا المليحات المكتفيات برتابة جمال الجسد وشح الفكر والثقافة، فكان أن روضت شهر زاد درة النساء الملك السعيد، الشهواني أشبعت خياله النهم المسكون بالذائقة الذكورية الأزلية (فكل الرجال شهريار)، الولع بالطزاجة، بالدهشة، غير المتوقع، غياب اليقين المطلق. وسألت يوما نجيب محفوظ: ما هي أثمن درة في الوجود، الثروة، السلطة، الجاه، التحقق المهني، سكرة النجاح أم الحب؟ فأجابني وهو يحكي بيقين الحكمة وغزارة التجربة الحب هو أثمن ما في الوجود. وفي «الحب فوق هضبة الهرم»، سطر قائلا: "ما هذه البهجة المنعشة لقد وهبتني ابتسامة مضيئة وبريئة كالوردة اليانعة تبادلنا الكلمات عند كل مناسبة ثم جادت بالابتسامة خلقت الابتسامة حياة جديدة غلفت الانفعال البهيمي بعذوبة صادقة نمت الشجرة وتفرعت وتعذر أن تنعت بصفة واحدة وتساءلت أهكذا تتحول الغريزة إلي عاطفة؟ ما هذه البهجة المنعشة".. في أوان العشق لا يوجد يوم يشبه الآخر فالحياة بدون حب هي من الأبيض والأسود يقبل الغرام فيلونها بكل ألوان الطيف والكون، كل يوم تكتسي بوهجة من الألوان تارة زاهية وتارة قاتمة، تترنح بين البهجة والأسي.. الوصال والهجران.. الخفة.. والثقل.. السرور والكدر.. اليتم والدفء.. الأمل واليأس.. العزوف والشبق فدوام الحال من المحال هو دوار مسكر، فهو مرض غامض ميتافيزيقي بأعراض قد تحض علي الأذي بدافع الرغبة في التملك، يقول أوسكار وايد «نحن نقتل من نحب». اليوم أصبح عمر اللهفة، البهجة والأمان أقصر وأسرع، النرجسية، الأنانية والمادية نهشت في جسد الهوي، فالحب في زمن عبد الحليم والهيام الرومانسي، إيقاع الحياة، التابوهات، كلمات الأغاني الأيام والليالي الصادحة بتلك الروح الشاعرية، المرهفة المنثورة في الهواء والنسيم الليلي لزمن عبد الحليم أطالت عمر ألق العلاقات، الأمسيات المرصعة بالشجن غير المحتمل، الحنين لما كان ومالم يكن، الآن كل شيء متاح ومباح، أغنية "أنا لك علي طول خليك ليا.. خد عين مني.." قد تثير السخرية بعدما تم إحلال رقة عبد الحليم وشاعريته والرغبة في قسمة كل شيء علي اثنين والترنم بنبل التضحية أصبح المطرب الآن أقرب إلي بطل لكمال الأجسام!! شيل الحديد والأوزان يليق به أو الآخر يحتاج لطبيب أنف وأذن وعملية (لحمية) وعذرا للتعبير بما هو أقرب مع احترامي لكل المهن إلي كفتجي وبائع (طرب) فما الذي يستغله هذا الذي مكانه حلبة مصارعة لا مسرح لإيقاظ الخيال الهفهاف، والرجل أكثر خيالا من المرأة نعم بدليل أن إبداع المرأة في الأدب، الفن التشكيلي أسير تجاربها الذاتية لا خيالها، فريدا كاهلو، سيمون دي بوفوار، مارجريت ميتشيل، الأخوات برونتي، أنابيس لين، والقائمة شاهقة. أما الرجل فمولع بالتحليق، التغيير، الفرار من الواقع المكبل، المرأة تقتفي أثر الأرض والرجل يتطلع إلي السماء، الهواء، والفضاء، المغالاة في التركيز علي الرجل وأن يصبح كل كيان المرأة يدمر ألق العلاقة، سيدتي الجميلة افتحي نوافذك قفي في شرفتك لتطلي علي الوجود الرحب، الثري، احتفظي بهواياتك، أصدقائك، اكتنزي أحلامك وحقيقتها، كوني دوما بالنسبة للرجل هدفا ثمينا يسعي إليه لا العبء الجاثم..