الإنسان قصير مهما طال، فكما قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "أعمار أمتي ما بين ستين إلي سبعين"، وهناك من تخطوا هذه السن ولم تبتسم لهم الدنيا بالثراء والمال الوفير، ومع ذلك فالفرصة سانحة أمامهم لزيادة أرصدتهم بالحسنات من العبادات وفعل الخيرات لأن الآخرة خير وأبقي، وهذه الدراسة الجديدة ترصد "بالأرقام" الأجور المضاعفة لهذه الأعمال في الميزان، ومن يحسن استثمارها سيكون بلا شك "مليونيراً" بالحسنات. العمر فعلاً قصير، ثلثه يضيع في النوم، بالإضافة إلي حوالي 15 سنة طفولة ومراهقة، والباقي يضيع في الجهد والمشقة والدراسة والعمل، حتي بعد أن يحصل الإنسان علي وظيفة فالدخل غالباً لا يكفيه، ويضطر للكفاح والعرق من أجل دخل إضافي يسد رمق أسرته من الجوع في ظل هذا الغلاء الفاحش، وأنا هنا أتكلم عن الشريحة المتوسطة من الناس، لا عن الفاسدين الذين حققوا ثروات طائلة دون أن يتعبوا. والجانب الروحي مهم جداً في حياة الإنسان مهما كان فقيراً، فالتدين يفرض القناعة والرضا بالتعبير الواسع الفضفاض الذي يشعر صاحبه أنه غني ولديه مال وفير، ولو توافرت هذه الفضيلة في كل البشر لأصبحت الدنيا غير الدنيا، ولأصبح البشر أنصاف ملائكة! لقد سأل رجل رسول الله (صلي الله عليه وسلم): أي الناس أشر؟.. قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "من طال عمره وساء عمله"، فهذه دعوة للمسارعة إلي إطالة العمر بتوظيفه لكسب مزيد من الحسنات المضاعفة.. وقد يتساءل البعض: ما هي؟ علي سبيل المثال لا الحصر: الصلاة في الحرم المكي والمسجد النبوي ركعتان في بيت الله الحرام =200 ألف ركعة، ودليلي علي ذلك قول الرسول (صلي الله عليه وسلم): "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه". وصلاة الجمعة ثوابها بكل خطوة يخطوها قيام السنة وصيامها، قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكَّر وابتكر ومشي ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها". أما صلاة الجماعة.. خاصة العشاء والفجر فما أعظم ثوابها.. قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "من صلي العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلي الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله". وتعالوا إلي فضل الصلاة علي النبي (صلي الله عليه وسلم)، وأعظمها التشهد الأخير من الصلاة, ومن أهم فوائدها: يرفع عشر درجات، ويمحو عشر سيئات، يكتب له عشر حسنات، تقوم مقام الصدقة، ترفع الدعوة إلي السماء، لقضاء الحوائج، لشفاعته يوم القيامة، لغفران الذنوب، للقرب منه يوم القيامة، لطيب المجلس، لنفي الفقر، لنيل رحمة الله، للبركة في العمل والعمر، لتذكير العبد ما نسيه، لهداية العبد وإحياء قلبه، لتنوير الصراط للعبد، ليخرج العبد من الجفاء، لتنفي تسمية العبد بالبخيل، لإتمام الكلام الذي بدأ به، تؤدي إلي دوام محبة الله ورسوله، تعرض اسم المصلي للرسول (صلي الله عليه وسلم) في قبره، تعتبر من ذكر الله، امتثال أمر الله، حصول عشر صلوات من الله مضاعفة، تبشير العبد بالجنة قبل موته، وأداء لأقل القليل من حقه (صلي الله عليه وسلم).. أما فضل الصبر علي البلاء فعظيم، الله سبحانه وتعالي يجزي أهل الصبر بأحسن أعمالهم، بل ويزيدهم فيجزيهم أجرهم بغير حساب: "إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، وقول رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "يُؤْتَي بِأَهْلِ الْبَلاءِ فَلا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، وَلا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ، وإنما يُصَبُّ لَهُمُ الأَجْرُ صَبًّا" فإن كان إيمانك عظيم القدر، شدد الله عليك في البلاء، وإن كان في دينك ضعف خفف عليك البلاء، فالعبد المؤمن يمر في حياته الدنيا بابتلاءات، وهي مقسمة إلي حالتين: إما أن يبتلي بنعمة من الله فيعترف بأنها هبة من الله فيشكره عليها في الباطن والظاهر ويستعين بها علي طاعة الله، أو تحل به مصيبة بفقد قريب أو بمرض شديد فيصبر ويشكر الله علي المصيبة لأنها تمحو الخطايا، ولم يسخط من قدر الله عليه، ولم يشكُ عند الآخرين ما حل به إلا لله، فيرزقه الله في هذه الحالة حلاوة الإيمان، قال سبحانه وتعالي: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ".. وقال الرسول (صلي الله عليه وسلم): "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وما ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". فكل مصيبة تأتيه هي من عند الله، وأنها حلت بقضاء الله وقدره ليمتحن صبره ورضاه، ويشكو إليه ويدعوه فإن وفق لذلك فله الجزاء، وإن حرم ذلك كان له الخسران المبين، لذلك فهو يحتمل أذية الناس ولا يرد السيئة إلا بالحسنة، ولا ينتقم لذاته بل يطلب من الله أن يكفيه شرهم، ويحتسب أجر الأذي من الله، فالجاهل يشكو الله إلي الناس، فلو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم! ومن أشهر ابتلاءات الأنبياء: سيدنا آدم الذي عاني المحن إلي أن خرج من الدنيا، وسيدنا نوح بكي 300 عام، وسيدنا إبراهيم كابد النار وهمَّ بذبح الولد وفدته السماء بذبح عظيم، وسيدنا يعقوب: بكي حتي ذهب بصره 80 سنة ورجاؤه لم يتغير، وسيدنا موسي قاسي من فرعون ولقي من قومه المحن، وسيدنا عيسي مثواه البراري في العيش الضنك، وسيدنا محمد (صلي الله عليه وسلم) صبر علي إيذاء الكفار، وواجه الفقر، وقُتِل عمُّه حمزة ونفرٌ من قومه.. ومن الأجور المضاعفة أيضا صلاة الإشراق.. ثوابها كحجة وعمرة تامة، والدليل قول رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "مَنْ صَلَّي الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حتي تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّي رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تامة تامة". وصلاة الضحي ثوابها أيضا كحجة وعمرة تامة، فعن الرسول (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "في الإنسان360 مفصلاً عليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة" قالوا: فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: "النخامة (البصاق) في المسجد يدفنها أو الشيء ينحيه عن الطريق، فإذا لم يقدر فركعتا الضحي تجزئ عنه".. كذلك الاعتمار في رمضان تعدل حجة مع رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، لقول الرسول (صلي الله عليه وسلم) لامرأة من الأنصار: "فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي". أما التسبيح فله أيضاً ثواب مضاعف: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ومداد كلماته ورضاء نفسه وزنة عرشه" ثلاث مرات فأجرها بعدد الخلق وثقل العرش وسبب لرضاء الله، وأن البحر لو كان حبراً لكتابة كلماته لنفد! والاستغفار المضاعف: "اللهم اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين وللمؤمنات وللمسلمين وللمسلمات الأحياء منهم والأموات"، ثوابها حسنة عن كل مؤمن ومؤمنة، وعن كل مسلم ومسلمة.. وأما الصدقة الجارية بكل صورها في مشروعات الخير كالمساعدة في بناء مدارس أو مستشفيات أو ملاجئ أو تربية الأطفال علي الدين الصحيح أو نصح الآخرين للاتجاه إلي الله، فله أجر عظيم يمتد إلي ما بعد الوفاة، مصداقاً لحديث سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". وإسلامنا العظيم يحث علي معاودة المريض ودعم الروابط الإنسانية وتخفيف الألم عن الغير، فعن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتي يمسي، وإن عاده عشية صلي عليه سبعون ألف ملك حتي يصبح وكان له خريف في الجنة". ولا ننسي صلة الأرحام وزيارة الأقارب المقاطعين، فعن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "ليس الواصل بالمكافئ، لكنَّ الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.. ثم إن الدال والساعي علي الخير كفاعله في الثواب، ويقصد هنا المتسبب بالعمل الصالح بكل أشكاله وألوانه، فعن الرسول (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "من سنَّ في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها". كذلك كفالة اليتيم والنفقة عليه، قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "أنا وكافل اليتيم في الجنة".