انتشر فيديو علي مواقع التواصل الاجتماعي كاشفاً عن نظرة المواطن الغربي لكل ما هو إسلامي عربي، ورغم أن الفيديو تضمن مشاهد كوميدية عن شخص بملامح شرقية يرتدي ملابس إسلامية يقفز بحقيبة سوداء علي عدد من المواطنين الأمريكان ليكون رد فعل الجميع الإسراع بالهرب خشية أن تكون الحقيبة مفخخة، فالربط بين العربي والإرهاب بات واقعاً في الذهنية الغربية، ما ساعد في تأجيج المخاوف من كل ما يمت للإسلام بصلة، لتعود ظاهرة الإسلاموفوبيا لتغزو المجتمعات الغربية مجدداً. مع تحول تنظيم "داعش" الإرهابي إلي ظاهرة عالمية تهدد الجميع، وقع بعض الإعلاميين والمفكرين الغربيين في خطأ التعميم القاتل بالحديث عن أن "داعش" هو المعبِّر عن الإسلام، وأن الأخير دين يدعو إلي العنف ويكرس له، ولا يحترم الآخر، ويدمر الهويات، ويسعي أتباعه للسيطرة علي العالم، وهي اتهامات يعلم الجميع كذبها، لكن آلة الميديا الغربية تلقفتها وعملت علي الترويج لها، مستغلة المادة التي يوفرها تنظيم داعش وأمثاله من التنظيمات الإرهابية التي تقتل أول ما تقل المسلمين في البلدان العربية، لكن لضعف المنابر الإسلامية التي تدافع عن صحيح الدين، ووسطية الإسلام سادت الإسلاموفوبيا في الغرب. ظاهرة الإسلاموفوبيا قديمة وترجع بأصولها إلي المخاوف الأوروبية من غزو العثمانيين الأتراك لأوروبا في القرن السادس عشر الميلادي، لكن هذه المشاعر السلبية والكراهية المكنونة للإسلام في العقلية الأوروبية، عادت لتطل من جديد في نهاية القرن العشرين عندما صك مصطلح "الإسلاموفوبيا" ضمن الحديث عن المخاوف الأوروبية من أسلمة القارة العجوز مع زيادة عدد المسلمين في أوروبا نتيجة الهجرة، لكن المصطلح تحول إلي ظاهرة عنصرية بحتة بالتزامن مع هجمات 11 سبتمبر 2001وتصاعد هجمات تنظيم القاعدة الإرهابية ضد أهداف غربية. تفشي الإسلاموفوبيا في الغرب، أجبر الأزهر علي دق ناقوس الخطر ورصد في تقرير رسمي تنامي تلك الظاهرة بشكل ملحوظ في العديد من الدول الأوروبية خلال العام الماضي، بسبب عدة أحداث يأتي في مقدمتها الأحداث الإرهابية التي وقعت باسم الإسلام في العديد من البلدان الغربية، والتي أثرت علي العلاقة بين تلك المجتمعات والعالم الإسلامي بشكلٍ عام، بالتوازي مع عدم فهم الغرب لخصوصية الإسلام، ما خلق أزمة سرعان ما زاد حجمها نتيجة تدفق موجات الهجرة من اللاجئين إلي أوروبا، لتصبح المخاوف الأوروبية أكثر وضوحاً خاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لجأ العديد من مستخدمي الإنترنت إلي بث العديد من الرسائل التي تحض علي الإسلاموفوبيا وكراهية اللاجئين باعتبارهم إرهابيين محتملين ينوون الدخول إلي أوروبا، لتتحول "الإسلاموفوبيا" إلي واقع في معظم الدول الأوروبية بعدما أظهرت استطلاعات رأي أن نحو نصف الشعوب الأوروبية تعاني من تلك الظاهرة. بدورها، دشنت دار الإفتاء مرصداً للإسلاموفوبيا، نهاية العام الماضي بهدف رصد الظاهرة ومعرفة أبعادها بغية البحث عن حلول لها، وأصدر المرصد تقريره الأول بعنوان "الإسلاموفوبيا.. مستويات الفكر وممارسات الواقع"، والذي تناول المستويات المتعددة لظاهرة الخوف المرضي من الإسلام في الغرب، ومراحل تطورها وصولاً إلي خلق بيئة ثقافية مناهضة للإسلام والمسلمين، حيث أكد المرصد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا زادت حدتها في الآونة الأخيرة بعد سلسلة من جرائم داعش في العديد من بلدان العالم، موضحاً أن بعض الأصوات المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة قد استغلت هذه الجرائم في تأييد دعايتها وتحريضها ضد الإسلام والمسلمين. وأوضح المرصد أن الإسلاموفوبيا خوف مرضي غير عقلاني من الإسلام والمسلمين له ثلاثة مستويات: الأول فكري يتعلق بالمفاهيم والتصورات حيث يتم النظر للإسلام والمسلمين علي أنهم خطر علي المجتمعات، عبر التركيز علي إبراز التفسيرات المتطرفة والعنيفة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لتسويغ اعتبار الإسلام والمسلمين خطراً علي المجتمعات في أوروبا والولايات المتحدة، مع إغفال كافة التفسيرات الأخري وهي عديدة ومتنوعة، وهذا المستوي يقوم علي تطويره بعض من الدارسين والباحثين في الدراسات الاستشراقية في عدد من الجامعات الأوروبية والأمريكية الذين بحكم تكوينهم الدراسي قد تشربوا أعمال بعض المستشرقين غير المنصفين في نظرتهم للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. تابع المرصد أن المستوي الثاني من الإسلاموفوبيا يتعلق بتشويه المسلمين وشيطنتهم والتحريض عليهم، ويقوم علي هذه الخطوة مؤسسات عديدة من مراكز الأبحاث والإعلام التي تحدد بؤرة تركيز المواطن الغربي فيما يتعلق بنظرته للإسلام، فما إن تحدث جريمة ما أحد مرتكبيها ذي أصول عربية أو مسلمة حتي يتم التركيز علي هويته، فيتم بذلك الربط بين الجريمة والإسلام ليتجذّر في ظن المتلقي هذا الارتباط ومن ثم يسهل التحريض ضد الإسلام والمسلمين تمهيدًا لقبول الإجراءات الأمنية ضد المسلمين كطائفة تنتقص من حقوقهم. أشار مرصد الإفتاء إلي أن المستوي الثالث للإسلاموفوبيا يتمثل في الانتهاكات الفردية والقيود والممارسات الإدارية والقوانين التي تستهدف حقوق المسلمين وحرياتهم في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها كحظر الحجاب في المدارس العامة الفرنسية، وحظر بناء منارات المساجد في سويسرا بناء علي استفتاء، وطالبت الإفتاء بضرورة معاملة الظاهرة من خلال نظرة كلية شاملة بعيدًا عن النهج الدفاعي أو الاعتذاري.. الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا، شدد علي أن الإسلام يتعرض لحملة ممنهجة لتشويه مبادئه بغرض كسر مقاومة الشعوب العربية وتبرير أي عدوان غربي يقع عليها، وهو ما حدث مع العراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان الإسلامية، بحجة مواجهة الإرهاب والتطرف الإسلامي، وهي تهمة تلاحق جميع المسلمين، علي الرغم من أن أمريكا ودول أوروبا هي المسؤولة عن تخلف الدول الإسلامية، وهي التي تسعي لترويج صورة نمطية عن المسلمين لتحويلهم إلي أعداء وترويج هذه الصورة لدي رعايا الدول الغربية بهدف السعي لاحتلال الدول العربية والسيطرة علي مواردها، مؤكداً أن الإسلام بريء من أفعال قلة تنتهج العنف والقتل علي أساس فهم منحرف للدين، لكن لا يمكن تعميم ما يفعلونه وهم لا يمثلون أكثر من 1% من إجمالي عدد المسلمين علي العالم الإسلامي كله. من جهته، رأي الدكتور سعيد اللاوندي، أستاذ العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن تفجر ظاهرة الإسلاموفوبيا ارتبط بتحول شخصية أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة إلي وجه إعلامي مألوف للمواطن الغربي، وتحوله إلي رمز الشر في العالم، فتم الربط بين القيم التي يمثلها والعنف، وقيل في وسائل الإعلام الغربية إن بن لادن يعبر عن الإسلام، لتتفجر المخاوف من الإسلام الذي تعرض لحملة تشويه في وسائل الإعلام الغربية، ما تضاعف مع جرائم تنظيم داعش، الذي قدم مادة جاهزة استخدمتها الميديا الغربية لشيطنة الإسلام وتحويله إلي العدو المهدد لقيم الحضارة الغربية، فالساسة والإعلام الغربي لعبوا الدور الأبرز في شيطنة الإسلام. وأكد اللاوندي ل"آخر ساعة"، أن هناك رد فعل عنيف في المجتمعات الغربية ضد الإسلام والمسلمين، يتضمن تعميم الأحكام علي جميع الجنسيات العربية، فمثلاً إذا ما ارتكب سوري جريمة إرهابية يتم تعميم الأحكام علي المصري والجزائري والماليزي دون النظر إلي اختلاف أسباب كل منهم، أو إلي مرجعيتهم الثقافية المختلفة، فبات هناك خوف حقيقي من كل من يأتي من منطقة الشرق الأوسط، لأن الخوف من الإسلام تم تعميمه بشكل خطر في أوروبا كلها ضد أي تحرك إسلامي، مع غض الطرف عن التعصب الأوروبي، فمثلاً عندما قتل ألماني متعصب الفتاة المصرية مروة الشربيني لم نجد من يتحدث عن أن الشعب الألماني كله متعصب ويكره الآخر، بل تم التعامل مع الأمر من منطلق محدودية الحادث وارتباطه بمشاكل نفسية للقاتل. تاريخياً، أرجع الدكتور عبدالمنعم الجميعي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الفيوم، جذور ظاهرة الإسلاموفوبيا إلي لحظة التقاء الإسلام بأوروبا والتي جاءت في ظل الفتوح الإسلامية عندما وصلت الجيوش الإسلامية إلي مشارف باريس، ثم إلي اللحظة الثانية عندما تفوق المسلمون حضارياً علي أوروبا، التي ردت بالحروب الصليبية، ثم جاءت لحظة الخوف الأوروبية الأكبر من فتوحات الجيوش العثمانية في أوروبا ووصلت إلي أسوار فيينا، وكانت القوة العظمي في أوروبا لنحو قرن ونصف القرن، وهي كلها أحداث أوجدت ترسيبات في الذهنية الأوروبية، استمرت رغم تغير الظروف التاريخية. وأكد الجميعي، ل"آخر ساعة"، أن الذهنية الأوروبية - الأمريكية متشككة بطبيعتها في الإسلام والمسلمين، نتيجة الميراث غير الودي بين الطرفين، لكن جرت تطورات مهمة علي الساحة العالمية أدت إلي إحياء المخاوف من الإسلام مجدداً، كحضارة تمتلك مقومات تهديد قيم الحضارة الغربية، وظهر هذا بوضوح بعد تحول تنظيم القاعدة من التعاون والتبعية للأمريكان إلي مواجهتهم، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الأفغانية وطرد القوات السوفيتية من أفغانستان، فالغرب هو من سلح الجماعات الجهادية ووفر لها بنية العمل والانتشار طالما كانت تحارب الخطر السوفيتي، لكن مع انهيار الأخير، توجهت قوة الجماعات المسلحة نحو الداخل العربي ثم مهاجمة الغرب، وهو ما فجر ظاهرة الإسلاموفوبيا التي وصلت ذروتها مع أحداث سبتمبر 2001 ثم مع ظهور تنظيم داعش علي الساحة الدولية منذ 2013.