إذا كانت السكينة والرحمة والمودة من أعظم آيات الله في الزواج.. فإن حياة رسول الله صلي الله وعليه وسلم الزوجية كانت أعظم تطبيق لهذه المعاني القرآنية فكان يكثر صلي الله عليه وسلم من وصية أصحابه بالمرأة ويحث الأزواج علي أن يعاملوا زوجاتهم معاملة حسنة مستمدة من آية في الزواج قائمة علي المودة والرحمة ويقول رسول الله صلي الله وعليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». فضرب صلي الله وعليه وسلم مثلا رائعا في علاقته مع زوجاته فكان أول من يواسيهن.. يكفكف دموعهن.. يقدر مشاعرهن.. لايهزأ بكلماتهن.. يسمع شكواهن ويخفف أحزانهن فكان مثلا يحتذي. وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها داخل بيته قائلة: كان صلي الله وعليه وسلم «يخصف نعله ويرقع ثوبه.. ومن محبته لزوجاته كان صلي الله وعليه وسلم يشاركهن المأكل والمشرب من نفس الإناء.. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلي الله عليه وسلم ، فيضع فاه علي موضع في ، فيشرب وأتعرق العرق، وهو العظم الذي عليه لحم وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلي الله عليه وسلم فيضع فاه علي موضع في». كان يخرج صلي الله وعليه وسلم معهن للتنزه.. فيروي البخاري «كان النبي صلي الله وعليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث». وكان كثيرا ما يمتدح زوجاته فكان يمتدح عائشة رضي الله عنها قائلا «إن فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام».. كان رسول الله صلي الله وعليه وسلم يقابل غيرة زوجاته بكثير من الحلم وإعطاء كل زوجة حقها من التقدير والاحترام فهاهي عائشة رضي الله عنها.. تغار من كثرة ذكر الرسول صلي الله وعليه وسلم للسيدة خديجة رضي الله عنها.. وشدة حبه لها رغم وفاتها قبل أن يتزوج رسول الله صلي الله وعليه وسلم عائشة.. فتقول رضي الله عنها في ذلك «ما غرت علي أحد من نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما غرت علي خديجة قط وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة وربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد. ورغم ماكان يجد النبي صلي الله وعليه وسلم في بعض الأوقات من نسائه.. إلا أنه لم يضرب امرأة له قط كما قالت عائشة رضي الله عنها «ماضرب رسول الله صلي الله وعليه وسلم امرأة له قط.. »بل كان يواسيها عند بكائها لأي سبب من الأسباب.. فيروي أن حفصة رضي الله عنها خرجت مع رسول الله صلي الله وعليه وسلم في سفر فأبطأت في المسير فاستقبلها رسول الله صلي الله وعليه وسلم وهي تبكي وتقول حملتني علي بعير بطيء فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكتها.. وكان صلي الله وعليه وسلم كثيرا مايحلم علي زوجاته ويقابل جفوتهن بصدر رحب وبشاشة وحب.. فقد استأذن أبو بكرص علي النبي صلي الله وعليه وسلم فسمع صوت عائشة رضي الله عنها عاليا.. فلما دخل تناولها ليلطمها.. وقال: لاأراك ترفعين صوتك علي رسول الله صلي الله وعليه وسلم.. فجعل النبي صلي الله وعليه وسلم يحجزه.. وخرج أبو بكر مغضبا.. فقال النبي صلي الله وعليه وسلم حين خرج أبو بكر «كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟! فمكث أبو بكرص عنه أياما ثم استأذن علي رسول الله صلي الله وعليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما فقال النبي صلي الله وعليه وسلم «قد فعلنا قد فعلنا». كما أشرك النبي صلي الله وعليه وسلم زوجاته في مواقف عظيمة كثيرة وأحداث تهم الأمة.. ففي «يوم الحديبية» أمر الرسول صلي الله وعليه وسلم أصحابه أن ينحروا الهدي ثم يحلقوا فلم يفعل ذلك منهم أحد وردد ذلك صلي الله وعليه وسلم ثلاث مرات دون أن يستجيب أحد إلي أمره.. ولما لم يستجب أحد إلي أمره دخل الرسول صلي الله وعليه وسلم علي زوجته أم سلمة رضي الله عنها.. فذكر لها مالقي من الناس فقالت «يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتي تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك» فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتي فعل ذلك نحر بدنة ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض حتي كاد بعضهم أن يقتل غما ورغم خطورة هذا الموقف إلا أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم استحسن رأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فكان خيرا وبركة علي الأمة كلها.. فالناظر إلي سيرته صلي الله وعليه وسلم يجد أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم كان يقدر زوجاته حق التقدير ويوليهن عناية فائقة ومحبة لائقة فكان نعم الزوج صلي الله وعليه وسلم.