هي المرأة التي لم يرها أحد، ليس لها سوي صورة واحدة، ولا أحد يشهد لها أو عليها، «تاشفين ماليك» أمضت من سنوات عمرها التسعة والعشرين 18 شهراً في الولاياتالمتحدةالأمريكية، دون أن تثير اهتمام أحد ودون أن يتعرف عليها جيرانها، أو حتي صاحب البيت الصغير الذي كانت تستأجره مع زوجها في الضاحية الكبري لولاية كاليفورنيا. ما كتبتها «تاشفين ماليك» علي فيس بوك أجبر السلطات الأمريكية بعد الهجوم بثلاثة أيام علي الاعتراف بما كان واضحاً منذ أن اكتشفت المباحث الفيدرالية مخزناً للسلاح وتصنيع القنابل بالمنزل الذي كانت تعيش فيه مع زوجها: إطلاق النار بشكل عشوائي في المركز الاجتماعي لمدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا والذي أدي لمقتل 14 أمريكياً في الثاني من ديسمبر الجاري ليس عملاً انتقامياً من قبل موظف بالمركز علي غرار وقائع مشابهة تحدث بشكل شبه يومي في الولاياتالمتحدة، بل هو عمل إرهابي بحسب ما صرح به ديفيد بوديتش مساعد مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI المكلف بالتحقيق. وفي واشنطن صرح جيمس كومي المدير العام لFBI : نملك دلائل علي أن القتلة (تاشفين وزوجها) ارتكبا فعلتهما بدافع أيدولوجي راديكالي وأنهما استوحياه من منظمات إرهابية بالخارج. قبل الهجوم، الذي وقع في الحادية عشرة صباحاً، بدقائق، وضعت «تاشفين» منشوراً علي فيس بوك مفاده أنها تبايع أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وأكد متحدث باسم فيس بوك أن الحساب يعود لتاشفين بالفعل ولكنها أنشأته باسم مستعار ولم تكتشف الشرطة أمره. وبعد المبايعة بدقائق كانت «تاشفين» ترتدي مع زوجها زياً أسود شبه عسكري، مع قناع علي الوجه لا يُظهر سوي الأعين، ثم انطلقا إلي مركز الرعاية الاجتماعي بسان برناردينو.. قتلا 14 موظفاً بدم بارد، من بينهم 8 أصدقاء كانوا مقربين جدا من «سيد» حيث عمل معهم كمفتش صحة لمدة 5 سنوات. واكتشف رجال المعمل الجنائي قنبلة مزروعة علي الطريق المؤدي للمركز الاجتماعي، كان من المفترض تفجيرها عن بعد لحظة وصول رجال الإسعاف، ولكن لسبب أو لآخر لم تنفجر القنبلة. هل «تاشفين ماليك» هي العقل المدبر للهجوم كما يفترض عدد من المحللين؟ حتي الوقت الراهن لا شيء يؤكد ذلك أكثر من رسالة الفيس بوك التي لا تعني سوي أن تنظيم الدولة أوحي لها ولزوجها بالهجوم. ويوضح جيمس كومي « لا أدلة علي أن الزوجين عضوان في خلية أو تنظيم أكثر تنظيما» فيما يقول محقق آخر لنيويورك تايمز: حتي هذه المرحلة من التحقيق يبدو أنهما تأثرا بفكر تنظيم الدولة ولم يتم تجنيدهما فيه كأعضاء فاعلين. تاشفين هي محور النقاش الدائر في الولاياتالمتحدة بخصوص مجزرة سان برناردينو، لذا كان علي البيت الأبيض أن يصدر تصريحاً رسمياً بشأنها، جاء فيه: هي إحدي المتعاطفات مع تنظيم الدولة، حصلت علي تأشيرة دخول للولايات المتحدة بتأشيرة "خطوبة" لمواطن أمريكي.. بعد وصولها بأيام تزوجت منه فلم تغادر البلاد. وهنا يعلق الكاتب الصحفي ديفيد جراهام من مجلة The Atlantic بالقول: «لقد وصل داعش إلي الولاياتالمتحدة». الصحف الأمريكية انطلقت في سباق محموم للحصول علي صور تكشف تفاصيل حياة تاشفين ولكن دون جدوي، ولم تنجح سوي محطة ABC نيوز فقط في الحصول علي صورة يبدو أنها من مصلحة الجوازات، وفيها تبدو «تاشفين» بوجه مستدير وحجاب يغطي الرأس وملامح أقرب إلي الهدوء، ولا شيء يسمح بمعرفة سر تحولها إلي داعشية بامتياز. الصحفيون توجهوا للشقة التي كان يسكنها الزوجان لعلهم يعثرون علي ما يشبع فضولهم، ولكن لا شيء علي الإطلاق.. لا شيء سوي نسخة من القرآن علي منضدة وسجادة صلاة وثلاجة خاوية، وهاتفان حرص الزوجان علي تهشيمه بعناية قبل إلقائه في سلة المهملات، وجهاز كمبيوتر تم مسح كل ما كان عليه من صور وبيانات.. أو ربما كان هكذا من البداية! في المملكة العربية السعودية، حيث عاشت «تاشفين» وتلقت تعليمها من الابتدائي وحتي المرحلة الثانوية، كانت السلطات حريصة علي أن تبرئ ساحتها، حيث أكد مصدر حكومي مسئول لوكالة رويترز أن تاشفين التي ولدت بإقليم البنجاب الباكستاني لم تُثر أي نوع من الشبهات خلال تواجدها بالمملكة ولم تكن يوماً علي أي قائمة أمنية، وبعدما انتهت من دراستها الثانوية عادت إلي بلدها لتدرس الصيدلة بجامعة بهاء الدين زكريا بمدينة مولتان أحد معاقل الأصولية. وزارة الخارجية الأمريكية سارعت أيضاً للدفاع عن نفسها، باعتبارها الجهة التي منحت تأشيرة K1 ل«تاشفين» وهي التأشيرة التي تُمنح ل30 ألف شخص سنوياً من جنسيات مختلفة للزواج من مواطنين أمريكيين.. تأشيرة تتطلب مقابلة شخصية وتحقيقاً مع مقدم الطلب. أما الحزب الجمهوري، الذي يطالب منذ هجمات باريس بالتشدد في إجراءات استقبال اللاجئين السوريين، فإنه يطالب الآن بمراجعة نظام التأشيرات برمته. تاشفين وسيد فاروق حولا الجراج الخاص بمنزلهما إلي «مصنع للقنابل» بحسب وصف الFBIوطبقاً لمحطة NBC فقد كانا يهدفان إلي الاحتفال بما يصنعاه مع حلول الكريسماس علي طريقتهما الخاصة. وأخيراً، فإنه بحسب دراسة، صادرة عن جامعة جورج واشنطن، حول التطرف في الولاياتالمتحدة، تم توقيف 71 شخصاً، بينهم 9 نساء، عام 2014 بتهمة مساندة ما يُعرف بتنظيم داعش، فيما يبلغ الرقم 56 شخصاً عام 2015 وهي النسبة الأعلي للموقوفين بتهمة الإرهاب منذ أحداث سبتمبر. التفوق علي القاعدة وبعيدا عن حادث سان برناردينو الذي اكتسب صبغة داعشية حدث في الثاني من أكتوبرالماضي أن قام شاب يبلغ من العمر 26 عاماً بإطلاق النار عشوائياً بمعسكر جامعة أوريجون، وهو ما أسفر عن مقتل 13 شخصا وإصابة 20آخرين، وفي معرض كلمته تعقيباُ علي الحادث طالب أوباما الأمريكيين بمقارنة عدد من يلقون حتفهم في حوادث مماثلة وعدد العسكريين الذين ماتوا في حربي العراقوأفغانستان، وكانت النتيجة طبقاً لأرقام موثقة كالتالي: منذ الأول من يناير 2015 وحتي أكتوبر الماضي تم إحصاء 39529 حالة إطلاق نار عشوائي، بينهم 264 حالة فقط علي جمع من الناس (الحوادث التي أدت لمقتل أو إصابة 4 أفراد فأكثر)، وكانت محصلة الضحايا 9956 قتيلاً، و20269 جريحاً، أما حصيلة عام 2014 فكانت 51739 حادثة أسفرت عن مقتل 12562 وجرح 23015 بينما في الفترة من 2001 إلي 2015 قضي 2370 مجندا أمريكيا في أفغانستان، فيما كان الرقم 4493 في العراق خلال الفترة من 2003 إلي 2015 وبالعودة بالذاكرة إلي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 نكتشف أن عدد الضحايا لم يتجاوز ال3000وهو ما يعني أن إرهاب الأمريكيين داخلياً تفوق علي إرهاب داعش والقاعدة باقتدار.