يبحث المسؤولون وخبراء التنمية عن أسرار النهضة في مصر. ولعل واحة سيوة بما تحتوي عليه من مقومات طبيعية بمثابة منجم لتحقيق نهضة حقيقية في الصحراء الغربية وفتح أسواق للتصدير، وتشغيل آلاف الشباب الباحث عن فرصة عمل.. وكلمة السر: "كيس ملح" أو "تي سِنت" كما يقول أهالي سيوة بلغتهم الأمازيغية! استخراج ملح الطعام، أحد أهم المشروعات ذات الجدوي في سيوة، نظراً لتوافره بكثرة في البحيرات المالحة المتناثرة علي مساحات شاسعة من أرض الواحة، وهو ما دفع بعضا من أبناء سيوة إلي العمل في هذا المجال، بل كانت المفاجأة وجود عمال قدموا من محافظات الدلتا والصعيد للعمل في استخراج الملح. هي عملية شاقة تتطلب العمل لساعات طويلة في أجواء صحراوية لا يغلف سماءها سوي سحب تعبر بين حين وآخر، وبين الملاحة والأخري مسافة طويلة تقدر بعدة كيلومترات يربط بينها طرق بدائية ممهدة بمادة "الكرشيف" أو مزيج الطمي بالملح، وهي المدقات الضيقة نسبياً التي قطعناها بسيارة خاصة يعمل عليها أحد أبناء سيوة، لنقل العمَّال من المدينة إلي المواقع التي يعملون فيها علي ضفاف الملاحات، أو جلب بعض المستلزمات الضرورية لهم، كونهم منقطعين في عزلتهم الاختيارية تلك عن مظاهر الحياة. تحركنا بالسيارة من وسط مدينة سيوة، وبعد نصف الساعة تقريباً وصلنا إلي ملاحة مستقطعة من بركة تُسمي "أغورمي"، والتي بدورها تعد جزءاً من البحيرة التي اكتست بالملح الأبيض وبدت وكأنها بحيرة من الثلج المتجمد. بعد احتساء أكواب الشاي التي تعد المتعة الوحيدة في استراحة العمال، بدأ صاحب الموقع في شرح كيفية عمل آلات استخراج الملح وتجهيزه قبل أن تأتي سيارات عملاقة لنقله إلي المصانع في محافظة دمياط. يقول عمر محمد عبدالله: تبدأ العملية بمرحلة الحفارات التي ترفع كميات الملح من البحيرة، موضحاً أن هذه الخطوة مهمة أيضاً لأن كل كمية يتم رفعها تحل مكانها كمية من المياه، ما يُقلل من منسوب المياه وهو أمر إيجابي، مشيراً إلي أنه يتم رفع حوالي 500 طن ملح يومياً. يضيف: بعد رفع الملح يتم سحبه بموتور إلي مكان التشوين، ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي "الفيضة" عبارة عن مكان مخصص لتكسير الملح، ثم مرحلة تمرير الملح علي "بريمة الغسيل" والتي تتم بمياه البحيرة المالحة، ثم يمر علي سير مصنوع من مادة الاستانليس لتصفيته من المياه وإعطائه شطفة أخيرة قبل أن ينتهي به المآل إلي سير التشوين، وبعدها تأتي سيارات النقل العملاقة لنقل أطنان الملح إلي مصانع تعبئته وتغليفه وتجهيزه للبيع، ونحن نتعامل مع مصانع في محافظة دمياط. في التوقيت الحالي ليس هناك مشكلات جوهرية، مقارنة بالمشكلة الأساسية التي ظلوا يعانون منها طويلاً قبل أن تستجيب حكومة شريف إسماعيل وتحلها، وهي العمل بتصاريح، حيث أصبح استخراجهم للملح من هذه البحيرات بتصاريح رسمية وبشكل شرعي، والرخصة مدتها 10 سنوات إلي جانب قيمة إيجارية 120 ألف جنيه سنوياً، إلي جانب "إتاوة المحافظة" التي تقدر ب11% علي كل طن مُستخرج، كما ندفع تأميناً قيمته 120 ألف جنيه مرة واحدة في بداية المشروع. وعلي الرغم من ذلك فإن مشكلات أخري مازالت تبحث عن حل، حيث يوضح عمر عبدالله: سعر بيع طن الملح 50 جنيهاً، والنقل في سيوة مكلف للغاية، ولو أنني قررت أن أرسله إلي القاهرة مثلاً سيكلفني الطن 100 جنيه، أي ضعف سعره الحقيقي، مع الوضع في الاعتبار أن السيارة حمولتها 50 طناً. وللأسف لا توجد مصانع للملح في سيوة، لكن القوات المسلحة تقوم حالياً علي إنشاء مصنع سيتم افتتاحه نهاية العام الجاري، وهذا سيحل مشكلة تكاليف النقل. ويناشد صاحب المصنع، الرئيس عبدالفتاح السيسي، باتخاذ قرار بإنشاء ميناء في مدينة مرسي مطروح أو علي الأقل إعادة تشغيل الميناء الغربي هناك، بما سيساعد في تصدير الملح إلي الخارج عبر البحر المتوسط، خاصة أن للملح سوقاً أخري في دول أوروبا والدول التي تشهد درجات حرارة منخفضة، حيث يستخدم الملح في إذابة الجليد علي الطرق. علي بعد نحو ثلاثة كيلومترات وفي منطقة ملاحات الأوسط، التقينا صاحب مشروع آخر لاستخراج الملح، يُدعي أحمد زكريا علي، والذي أوضح طريقة أخري في تكنيك عملية الاستخراج، من خلال مهندسين متخصصين يرسمون خرائط للملح، أو بمعني آخر عملية تأسيس الملاحة، ويتم عزل المناطق المقسمة في الأرض علي هيئة أحواض، بمواد طبيعية مثل "الكرشيف" ومع ظهور الملح وسط المياه يتم غسله بطريقة بدائية باستخدام حفار كبير، ثم تأتي مرحلة الجرش والغسيل الآلي للتخلص تماماً من أي شوائب أو أتربة عالقة بالملح، وأخيراً مرحلة التشوين، استعداداً لنقل الكميات المستخرجة إلي المصانع. قبل أن نغادر الموقع التقينا بعض العمال القادمين من محافظات مختلفة للعمل في استخراج الملح. يقول فايز عبدالمولي (16 عاماً)، من محافظة الإسكندرية: أعمل هنا "تباعا" علي سيارة "لودر"، وجئت لهذا المكان من أجل "أكل العيش" حيث أتقاضي 800 جنيه شهرياً، موضحاً: أظل هنا لمدة خمسة شهور وأنزل إجازة 10 أيام فقط. أما خالد محمد (43 عاماً) وهو سائق حفار أيضاً فيقول: هنا العيشة كويسة وعندنا سكن علي بعد 5 كيلو.، داعياً إلي الاهتمام بمشروعات استخراج الملح من سيوة التي قد تشكل نهضة حقيقية للبلاد" حال الاستفادة منها جيداً.