إحدى الكنائس الأثرية المزارات الدينية، وسيلة جذب لا غني عنها لإنقاذ حالة التراجع التي أصابت قطاع السياحة، خاصة أن مصر تمتلك من المساجد والكنائس والمعابد ما يجعل أصحاب الديانات الثلاث: الإسلامية والمسيحية واليهودية، يأتون إليها من كل فج عميق، وبما يحوّل مزاراتنا الدينية إلي مقاصد للسياحة والعبادة في آن واحد. لم يبخل الله علي مصر بالآثار الدينية المقدسة التي تعد من معالم الوجدان عند المؤمنين في شتي بقاع الأرض، فمصر هي البلد الذي استضاف السيد المسيح وأمه العذراء مريم في رحلة العائلة المقدسة، ورغم تحديدها والإعلان عنها سياحيا إلا أنها غير مستغلة الاستغلال الأمثل، ولم تتحول إلي معلم سياحي عالمي!.. كما أن بعض المسيحيين الكاثوليك يزورون جبل سانت كاترين سنويا بالتزامن مع أعياد الميلاد لزيارة دير سانت كاترين ويعتبرونها بمثابة حج يغسل ذنوبهم ويطهرهم. وبالنسبة لليهود لدينا جبل الطور الذي كلم الله عليه نبيه موسي، فضلا عن محاولة محاكاة فترة تيه بني إسرائيل داخل سيناء. بينما تزخر القاهرة بالكثير من المعالم الدينية التي تعد من المقدسات لعدة طوائف إسلامية، فمثلا مساجد آل البيت قبلة للشيعة في العالم ممن يرغبون في زيارتها والتبرك بها، فضلا عن أن مساجد الحاكم بأمر الله والأزهر والأقمر من المزارات المهمة لدي الشيعة الإسماعيلية باعتبارها من منشآت الخلفاء الفاطميين أئمة الإسماعيلية. أما السؤال الذي يتبادر إلي الأذهان: ما الذي يجعل السياحة الدينية تتراجع يوما بعد آخر وتفقد جمهورها وبالتالي تخسر مصر أموالا ضخمة تستطيع أن تحصل عليها في حالة الإقبال عليها. يقول الدكتور محمد حسام أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة عين شمس إن الثقافة تأممت منذ عام 1952 فلم يعد أحد يعلم أي شيء عن الآثار والكنوز الموجوده في مصر، موضحاً: تتمثل المشكلة في الطبقات المثقفة التي لا تعلم الكثير عن آثار بلدها، ويشير إلي ثلاثة موالد أساسية تقام كل عام يأتيها الآلاف من كل البلاد: الحسين، والسيدة زينب، والرفاعي، وهي مزارات آل البيت التي يعتبرها الشيعة ملكا لهم. بينما السيده نفيسة - رغم كونها من آل البيت - إلا أنهم لا يعدونها من ضمنهم في حين أنها الوحيدة التي يعلم المصريون أنها عاشت بينهم فالسيدة زينب لم نعلم عنها شيئا إلا في العصر العثماني وأول مرة ذكرت في المصادر كانت عام 934 هجريا أي بعد دخول سليم الأول، وسيدي حسن الأنور وهو غير مشهور ولكن من حوله يعرفونه جيدا. يتابع: كل هذا يعتبره الشيعة مزارات لهم ولكنها في الأصل لآل البيت والمصريون بطبعهم يحبونهم، فالسياحة الدينية متواجده ولكنها تحتاج تنظيما بشكل كبير للطبقة التي يطلق عليها "مثقفون"، فصعود طبقة العمال والفلاحين أمام الطبقة المتوسطة في الستينات أضاعها بشكل كامل وتسبب لها في الانهيار، مضيفاًً: نمتلك مزارات كثيرة للمتصوفة مثل سيدي عمر بن الفارض بمنطقة الأباجية وهو الذي سمي بإمام العاشقين لأنه كان دائما يكتب أشعارا في مديح الرسول، والخلوتي بالمقطم، وبجوارهما في طريق المعادي سنجد سيدي بن عطاء الله السكندري وهو إمام أهل الباطن، والرفاعة في ميدان القلعة. أما الإمام الشافعي فهو الإمام الوحيد الذي دفن بمصر وبجواره سيدي عقبة وهو أحد الصحابة الذين حضروا مع عمرو بن العاص، والإمام الليث الذي كان سيكون إمام المذهب الخامس في الإسلام ولكن علمه لم ينتصر لأنه لم يكن لديه تلاميذ كثيرون وهو منذ وقت هارون الرشيد وبه آثار منذ وقت المماليك والعصر العثماني والقرن 19، والإمام المزني، وابن خلدون مدفون في مصر وكان قبره من ضمن الآثار، والكثير منا لا يعلم هذا ولا يعلم حتي بوجود مقبرته في مصر فالعالم كله يحتفي به ما عدا المصريين. وحول رحلة العائلة المقدسة يقول: كل الرحالة الأوروبيين كانوا يمرون بها ورغم أنها شيء أسطوري إلا أننا نمتلك لها مسارا بداية من رفح مرورا بالقناه والدقهلية والقاهرة والمنيا وتنتهي في دير المحرق بأسيوط، وبطول هذا الطريق يقع الكثير من الكنائس التي لم نقم بترميمها، في حين لم نفكر في ترميم الكنيستين اللتين تقعان علي بحيرة الزرانيق بالعريش وقد بناهما البيزنطيون علي طريق العائلة المقدسة قبل دخول العرب مصر، فنحن لا نملك اهتمامات بالآثار الدينية حتي أنه لم يكن للآثار الإسلامية والقبطية ميزانية مستقلة قبل عام 74. ويشير إلي أن غلق معبد موسي بن ميمون ليس إلا للحفاظ عليه من أي سوء قد يلحق به، فيجب أن نأخذ حذرنا من أقل خطر يؤثر علي الآثار. ويلفت إلي أن مسجد ابن طولون من أقدم الآثار الإسلامية في مصر، فقد بني في القرن التاسع، ويعود مسجد الحسين لفترة الخديو إسماعيل، وتم الانتهاء من مسجد السيدة زينب في عهد الخديو توفيق، أما مسجد الرفاعي فقد تم بناؤه في فترة عباس حلمي الثاني عام 1912. أما الكنائس فأقدمها المعلقة التي ترجع إلي القرن التاسع أو العاشر، وقد بنيت فوق حصن بابليون وهو أقدم من هذا التاريخ بكثير، ورحلة العائلة المقدسة، ودير سانت كاترين الذي يرجع إلي القرن السادس الميلادي خاص بالأرثوذكس اليونانيين حتي أن أغلب من يزوره حاليا من اليونان، والروس ومن هم من أوروبا الشرقية، وهو معبد القديسة كاترينا، بالإضافة إلي أن الفاطميين قد أنشأوا بداخله مسجد نظرا لتكرار زياراتهم له وهذا وإن دل علي شيء فهو يدل علي أن المصريين لم يضطهدوا أي شخص يتبع ديانة مختلفة سواء مسيحية أو يهودية. ويصف الباحث الآثاري وسام الدويك السياحة الدينية بأنها أهم أنواع السياحة المتعارف عليها دوليا، فهي في مصر كبيرة جدا ومتعددة وتخاطب كل الأديان.. ويرصد: في الأشهر القليلة الماضية ازدياد إقبال السائحين عليها، ويشير إلي مناطق تم الاهتمام بها بدرجة عالية مثل المساجد الأثرية تشرف عليها وزارتا الأوقاف مع الآثار، ومناطق أخري تشرف عليها جهات أخري مثل القلعة فهي منذ بنائها وهي قلعة عسكرية فلابد من تواجد عناصر للجيش بداخلها مما يمنحها الخصوصية، أما متحف عابدين الذي يضم رئاسة الجمهورية، فإن به مكان لا يتم فتحه إلا لعدد لا يقل عن 50 فردا وسعر التذكرة أكثر من 200 جنيه وهو القصر الذي كانت به الحياة. ويؤكد علي أهمية المعابد اليهودية ويقول: هناك الكثير منها، مثل المعبد الذي يقع في شارع عدلي وللأسف لا يفتح إلا في المناسبات الرسمية وابن عزرا المتواجد في مجمع الأديان الذي لا تستطيع أن تلتقط صورة واحدة بداخله، ومعبد موسي بن ميمون بحارة اليهود المغلق، والمقابر اليهودية في مصر هي عبارة عن تحف فنية لماذا لا نعرف عنها شيئا. ويشير إلي أن عدد الآثار الدينية المتواجدة في منطقة مصر القديمة تحديدا يفوق عدد سكانها. وحول أهمية تنشيط السياحة الداخلية ينفي الدويك وجود ما يطلق عليه سياحة داخلية في مصر طبقا لمفهوم منظمة السياحة العالمية، مضيفاً: نحن كمصريين لا نمتلك ثقافة السياحة الداخلية، فكل ما نعرفه ثقافة الفسحة، ويشير إلي أن الأسعار ارتفعت بشكل مبالغ فيه لتذاكر الدخول للأماكن الأثرية والمتاحف، ففي بعض الأماكن أرتفعت 4 أضعاف، وهو أمر غير منطقي لانه لا يوجد لهذا الارتفاع أي مقابل أو تطورات أو تغيير. ويصرخ: هناك أثر سينهار بسبب البيروقراطية، ويري أنه في اليوم الذي انتبهت فيه الدولة للآثار رفعت الأسعار، فلو تخيلنا أن شخصا متوسط الحال مثلنا جميعا ذهب وأسرته لزيارة أحد الأماكن الأثرية كبيت الكريتلية سيجد نفسه ينفق أكثر من 70 جنيها للدخول فقط، ولو أراد دخول المتحف المصري سيحتاج ثروة طائلة، وفي مقابل هذا الارتفاع في الأسعار لا شيء فالمتحف علي سبيل المثال لا يوجد به تهوية أو تكييفات وعندما نذهب لا نجد سوي إساءة التعامل من الأمن والتفتيش الزائد عن الحد.