الشباب؟.. سؤال طرح نفسه علي الوضع الراهن بعد عزوف الشباب عن الذهاب إلي الصناديق في الجولة الأولي للانتخابات البرلمانية، فسّر البعض ما حدث علي أنه تصويت سلبي علي اقتراع مجلس النواب ورسالة واضحة إلي القيادة السياسية تفيد بأن الشباب غير راض عن مرشحين ينتمون إلي فلول "الوطني" و "النور" السلفي، إضافة إلي سيطرة المال السياسي علي انتخابات من المفترض أنها أتت بعد ثورتين. البعض الآخر اتهم الشباب بعدم تحمل المسئولية ووجه لهم اللوم ساخرا من تكاسلهم وتجاهلهم لانتخابات من شأنها أن تأتي بمن يرسمون مستقبل البلاد في الفترة القادمة الحرجة. ووزع (بعض) إعلاميي التوك شو صكوك الوطنية علي كبار السن لأنهم تحملوا مشقة الحضور والإدلاء بأصواتهم ورجموا الشباب بعبارات التخوين وعدم الولاء للوطن، متناسين عن عمد خروج عشرات الملايين من هؤلاء الشباب يحملون أرواحهم علي كفوفهم لإسقاط نظام مبارك الآثم في ثورة يناير المجيدة، وتدافعهم إلي الشوارع والميادين لإنهاء حكم الإخوان في ثورة 30 يونيو. أما الفريق الثالث فقد رأي أن الشباب ليسوا وحدهم من أحجم عن التصويت ولكن الأمر امتد إلي الكثير من شرائح المجتمع لعدم فهمهم بعملية القوائم، موضحا أن الذهاب إلي الانتخابات حتي ولو ل إبطال الصوت عملية إيجابية بينما الجلوس في مقاعد المتفرجين يسمح للاعبين سيئين بالفوز ودخول مجلس النواب من أوسع أبوابه بعد تدفق المال السياسي وعمليات شراء الأصوات التي كان من شأنها إقصاء بعض مرشحين محترمين والدفع بوجوه قديمة تنتمي لأنظمة سابقة وتحوم حولها الشكوك. وإذا كان الشباب علي صفحاتهم الشخصية يصفون موقفهم بالحكمة وقراءة المشهد السياسي بشكل جيد في مقابل حنقهم علي الشيوخ ممن ذهبوا إلي اللجان لتقرير مستقبل الأحفاد. وعلي النقيض تري د. هبة نصار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ذهاب كبار السن إلي صناديق الاقتراع يعني أنهم علي دراية بأهمية المشاركة ويهدفون إلي الاستقرار وهو ما جعلهم يبحثون ويقرأون للتعرف علي القوائم وما تتضمنه من مرشحين.، أما الشباب فلديهم وجهة نظر مسبقة تفيد بأن من يخوض الانتخابات لا يعبرون عنهم في حين أنهم لا يمتلكون الخبرة التي تقول إن المشاركة مهمة، وعدم التصويت له آثار سلبية. وتطالب بتوعية انتخابية ودعاية تشرح برامج المرشحين عن طريق المدارس والجامعات وغيرها وتتهم الفضائيات بهد عمليات التوعية بانتقادها لكل شيء، لافتة إلي أن أغلب الناخبين لا يفهمون مسألة القوائم وما حدث في تقسيم الدوائر وغير ذلك. ويوضح د. رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان ثلاثة أسباب جعلت الشباب يمتنعون عن الذهاب إلي اللجان الانتخابية أولها: الوجوه القديمة للمرشحين التي لا يرغب الشباب في رؤيتها داخل البرلمان، بينما ميول الشباب تتجه إلي التجديد. ويقول إن السبب الثاني أن مصر مرت ب 9 مراحل تصويتية والشباب ملّ من عدم حدوث شيء إضافة إلي القائمة المطلقة التي تم فرضها وهي ضد رغبات وأحلام الشباب، والسبب الثالث قصر مدة الدعاية وسيطرة رأس المال السياسي. ويضيف أن الشباب يخرج بكثافة حين يشعر بعملية تنقية وفلترة للمرشحين ويصف ما حدث من الشباب بالمشاركة الصامتة مثل التوقف عن الإنتاج، في الوقت الذي لا يري ما حدث حكمة له من الشباب ويقول من الأفضل الذهاب إلي الصندوق حتي لو أبطل صوته. الدكتورعمر هاشم ربيع نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يؤكد أن عنصر الشباب يشكل نحو 63% من القوي الناخبة، أي ما يقرب من 33 مليون ناخب، ومن ثم فإن عدم مشاركة غالبية هؤلاء في الانتخابات، مقابل ذهابهم بالآلاف إلي مباريات كرة القدم يمكن له أن يقصم ظهر أي عملية انتخابية. وهذا الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام من قبل الباحثين وخبراء علم الاجتماع. فتلك القوة الضاربة في 25 يناير و30 يونيو وجدت نفسها وقد خرجت من المشهد صفر اليدين، فتمكين الشباب أدي إلي تعيين نفر قليل، منهم نائب وزير أو محافظ، وفلول نظام مبارك سعوا لاختطاف خروجهم في 30 يونيو، وعادوا إلي المشهد الانتخابي بكثافة من خلال الترشيح. وزيادة علي ذلك قانون التظاهر الذي حرمهم من حريتهم، لا سيما بعد رفض الدولة تعديلات المجلس القومي لحقوق الإنسان، ثم القبض علي العشرات منهم وعدم الإفراج مؤخراً إلا عن القلة منهم، كل ذلك أوغر صدور هؤلاء الذين يتلاقون مساء كل يوم في العالم الافتراضي" النت". الدكتور ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، نقيب الصحفيين السابق، رفض توجيه أي اتهام للمشاركة في الانتخابات البرلمانية بأنها ضعيفة دون التطرق إلي السياق الذي أجريت علي أساسه الانتخابات لافتا إلي أنه من الطبيعي أن يختلف مستوي المشاركة في هذه الانتخابات عن المشاركة في أعقاب الثورات مباشرة فالمقارنة مع انتخابات 2011 غير صحيحة. وأوضح، أن مشاركة الشعب في 13استحقاقا ديمقراطيا خلال ال4 سنوات الماضية مابين انتخابات واستفتاءات أمر مثير للدهشة تسبب في ملل للمواطنين والشباب بصفة خاصة وأثر بشكل كبير علي الوضع الحالي وعلي حالة المزاج العام للمشاركة السياسية لدي المواطنين. الدكتور عبدالله مغازي، أستاذ القانون، معاون رئيس مجلس الوزراء السابق، أكد وجود مشكلة رئيسية برزت في الانتخابات تمثلت في عدم معرفة الناخبين خاصة الشباب للمرشحين، فمعظم المرشحين من الشخصيات غير المعروفة، لذلك بات الناس تسأل إذا شاركنا فمن سنختار بجانب هذا هناك مشكلة أخري وهي أن قانون تقسيم الدوائر الجديد تسبب في تغييرات كثيرة في توزيع الناخبين، وهو ما أثار حيرة المواطنين وقلة معرفتهم، إضافة إلي وجود إشكالية أخري تمثلت في الجدل الدستوري بشأن قانون مجلس النواب مما جعل المواطنين متشككين في مصير البرلمان المقبل وهل سيكتب له الاستمرارية أم الحل مما كان له الأثر في عدم مشاركة أكبر من قبل الناخبين ومنهم الشباب. أضاف، إن عددا كبيرا من الشباب انتابه إحساس أن فكرة التمكين لاتتحمس لها الدولة كثيرا وأن ما يقال بخصوص تمكين الشباب أقرب إلي الشكليات من التطبيق، ومن هنا فقد تسلل إحباط لدي الشباب، وجعله يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية، وليس المشاركة في الإدلاء بصوته فقط. مغازي، أوضح أن وجود مرشحين قدموا أنفسهم بصفتهم مرشحي الدولة، وأنهم سيفوزون بأغلبية المقاعد داخل المجلس رغم إعلان الدولة بأنها لن تساند أحدا وأن ليس لديها مرشحون لكن ما أشيع عن مساندة الدولة لهولاء المرشحين كان سببا في عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات وانتاب الشعور لدي البعض بأن صوته ليس له قيمه طالما الفائز معروف لافتا إلي تحليل الواقع من خلال دراسة متأنية والاعتراف بالأخطاء من أجل تجنبها في المستقبل، وأشار إلي أن ما حدث سيكون له تأثير علي شكل مجلس النواب المقبل. الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، تؤكد أن ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات بسبب شعور الشباب والرجال في متوسط العمر بالإحباط وعدم شعورهم بتحسن الأحوال المعيشية أو حدوث تغيير لافتة إلي وجود شعور لدي الشباب بما يطلق عليه مصادرة الأمل وعدم الفائدة في ظل وجود عدد كبير من الشباب خلف القضبان وهذا الأمر تسبب في يأس كبير للشباب، تضيف أن مشاركة المرأة وكبار السن بكثافة لوجود إحساس بتقدير الذات من قبل رئيس الدولة الذي يميل لهذه الفئات والحديث عنهم باستمرار وتوجيه الشكر لهم، وكسر عقدة الفئات المهمشة، كل هذا شجعهم علي المشاركة في الانتخابات بكثافة.