الدكتور فؤاد عطية، خبير العلوم السلوكية وتكنولوجيا الأداء البشري، أن طريقة الكتابة، وكيفية رسم الحروف تحمل دلالات نفسية يُمكن أن تكشف عن طبيعة الشخصية، موضحاً في حواره ل"آخر ساعة" أن ذلك يأتي ضمن تطبيقات علم "الجرافولوجي" الذي يعتمد علي تحليل الخط لتحديد السمات الانفعالية للشخص. ويكشف عطية أنه توصل إلي وضع أول قاموس لقواعد هذا العلم لحروف اللغة العربية، مؤكداً أن هذا العلم ينبثق عنه نوع من العلاج السلوكي الذي يعتمد علي تغيير الخط لتقويم السمات الشخصية وتغيير الانحرافات السلوكية للأشخاص. تعليم الأطفال الكتابة في سن مبكرة ينتج شخصيات مشوهة طريقة الكتابة تترجم مايدور في المخ حدثنا عن طبيعة العلوم السلوكية؟ - هذه العلوم تعتمد بالأساس علي دراسة سلوك الإنسان وطريقة تعبيره عن هذا السلوك وجميع المؤثرات التي يُمكن من خلالها تغيير السمات الشخصية والكشف عنها، ويأتي علي رأس هذه العلوم علم لغة الجسد الذي حصلت فيه علي درجة الدكتوراة من جامعة "هارفرد" بالولايات المتحدةالأمريكية، هذا العلم يعتمد علي دراسة جميع الحركات التي تصدر عن الجهاز العضلي والعصبي للإنسان واتصالها بانفعالاته والسمات الشخصية التي يحملها. ومن خلال دراستي لهذا العلم بدأت أتبحر في أحد فروعه الخاص بدراسة حركة القلم علي الورق وما تحمله من دلالات سلوكية، وهو علم تحليل الشخصية من شكل الخط والذي يُسمي بال"جرافولوجي"، هذه الكلمة مُشتقة من كلمة "جراف" أي الشكل الذي يُرسم علي الورق، غير أن هذا العلم يتماس أيضاً مع بعض فروع علم الفراسة وسيكولوجية اللغويات. لماذا اهتممت بهذا التخصص علي وجه التحديد؟ - لفتني هذا التخصص بشكلٍ كبير لأنني اصطدمت في بداية بحثي بعدم توافر أي مراجع عربية أسست لهذا العلم، حيث إن أصوله بُنيت علي اللغة اللاتينية ولم يكن للغة العربية أي قواعد خاصة بتحليل أشكال الحروف ودلالاتها النفسية. مادفعني إلي تبني هذه القضية وخلال عشرين عاماً قضيتها في هذه الدراسة بدأت أتتبع أشكال الحروف التي يكتبها الأشخاص وأُقارنها بسلوكهم، وأجريت هذه التجارب علي آلاف الأشخاص حتي وصلت إلي المعاملات الثابتة التي تمكنت بواسطتها من وضع أول قاموس يضم قواعد علم "الجرافولوجي" للغة العربية وقمت بتسجيل هذا الابتكار في مكتب براءة الاختراع التابع لأكاديمية البحث العلمي. إلا أن التحدي الحقيقي الذي واجهني خلال إعدادي لهذا القاموس كان يتمثل في خصوصية الحروف العربية وتنوع الحركات الأساسية لكتابتها والتي تصل إلي 96 حركة، بينما يقتصر شكل كتابة الحروف الانجليزية علي سبيل المثال علي تسع حركات فقط. ما أسس تحليل الشخصية التي يقوم عليها علم الجرافولوجي؟ - بدايةً من المهم أن ندرك أن عضلات الأصابع الدقيقة التي تُمارس الكتابة، تتحرك بتوجيه من الجهاز العصبي الذي يُترجم الإشارات التي تُمليها عليه مراكز المخ لتظهر في فعل الكتابة. هذه الإشارات بالطبع تحمل دلالات نفسية وسلوكية نقوم بترجمتها من خلال هذا العلم، بمعني أن الأشكال التي يخطها الإنسان هي عبارة عن قراءة للجهاز العصبي علي الورق. وبالتالي فعملية تحليل الشخصية من خلال الخط تعتمد علي أسس عدّة أولها شكل الحرف المكتوب، وقد توصلت في هذا الصدد إلي نظرية المثلث والدائرة، فالأشخاص الذين يكتبون بعض الحروف بشكلٍ مثلث نجدهم اجتماعيين يميلون إلي الحركة والكلام، علي عكس الشكل الدائري الذي يُشير إلي الميل للوحدة والانطواء، ويبدو هذا المثال واضحاً في بعض الحروف مثل الطاء والجيم والعين. كما أن اختلاف زاوية ميل الخط وطريقة وضع النقاط والمسافات بين الحروف والنسبة بين ارتفاعها وانخفاضها عن السطر تُترجم الكثير من السمات الشخصية. ولا تقتصر دلالات الخط علي ذلك ولكن تمتد إلي الدلالات الانفعالية، بمعني أننا يُمكن من خلال الخط أن نصل بدقة إلي الحالة النفسية والمزاجية للشخص أثناء الكتابة، فانفعال من يكتب شكوي علي سبيل المثال يختلف عمّن يكتب قصيدة شعر، ونقوم بقياس سمات العصبية والانفعال أو الهدوء من خلال درجة وقوة الضغط علي الورقة وسرعة الكتابة. غير أن الرسومات التلقائية أو "الشخبطة" التي يخطها الشخص بشكلٍ عفوي ومتكرر، والتي تُسمي في عرف العلوم السلوكية بالأفعال القهرية، لها دلالة قوية تتعلق بالأفكار الكامنة في عقله الباطن، ويؤخذ في الاعتبار عند تحليلها موقع هذه الرسومات من الصفحة، وطبيعة الشكل الذي يعتاد الإنسان رسمه والذي غالباً ما يتخذ واحدة من الأشكال الهندسية كالنجمة أو الدائرة أو المثلث، أو الخطوط المتقاطعة والرسومات المجردة. إلا أن أهمية علم الجرافولوجي تزيد في حالة التعامل مع الأطفال وما يكشفه من خطورة كبيرة في عملية تعليم الكتابة للأطفال. كيف يؤثر ذلك علي الأطفال؟ - الكارثة لدينا تكمن في أننا نعتمد علي الكتابة كأول مهارة تعليمية للطفل، ونبدأ في تعليم الأطفال هذه المهارة في سن مُبكرة، وهذا للأسف يضغط علي الجهاز العصبي للطفل لإجراء عملية ليس مؤهلا لها، كما أن جهازه العضلي غير قادر بعد علي إمساك القلم بتوازن ما يسبب له ضغطاً نفسياً هائلاً، ما يجعل عملية الكتابة مقترنة لديه بالصعوبة والعجز الذي يؤدي إلي كرهه للعملية التعليمية، وشعوره بالفشل وانعدام الثقة في النفس، كما أن طرق تعليم الكتابة غالباً ما تكون مُجحفة وللأسف نجد أن الطفل يتعرض للتأنيب من المعلم لسوء خطه، ليترتب علي ذلك أعراض نفسية يُمكن أن تلازم الطفل مُحدثة خلالاً في توازنه النفسي، وهذا ما رصدته من خلال تحليل خطوط الأطفال. الكارثة هنا أن مسئولي العملية التعليمية لدينا لا يدركون خطورة ذلك، وإذا نظرنا إلي القوانين الحاكمة للعملية التعليمية بأغلب الدول المتقدمة سنجد أنها تحدد سن سبع سنوات لبدء تعليم الأطفال الكتابة، لتسبق هذه العملية مهارات التعليم الأخري التي تُلازمها تقوية عضلات الطفل باستخدام الصلصال والأشغال اليدوية المختلفة. ما التطبيقات التي يُمكن أن يُستخدم خلالها هذا العلم؟ - يُمكن لعلم الجرافولوجي أن يُحدث طفرة كبيرة في كيفية اختيار الموارد البشرية بجميع القطاعات، وهذا ما لمسته بالفعل من خلال عملي مستشاراً لكبري هيئات التوظيف الأجنبية. لما يتيحه من كشف دقيق لطبيعة شخصية المُتقدم لشغل أي وظيفة، وهو ما لا يمكن للمقابلات الشخصية وحدها أن تكشفه. فهذه الإضافة لمعايير الاختيار والتفضيل بين المتقدمين يترتب عليه ارتفاع مستوي الأداء داخل منظومة العمل. وتتعاظم هذه الأهمية في الحالات المُتعلقة باختيار الأشخاص المناسبين لشغل مناصب حساسة داخل الدولة، أو لخصوصية بعض المهن التي تحتاج إلي توازن نفسي وانفعالي كبير. وهو ما يُفترض أن يتم الأخذ به في اختيار الطيارين وضُباط المخابرات من خلال تحليل سماتهم الشخصية عن طريق خطوطهم. كما يُمكن أن يمثل الجرافولوجي إضافة لعلم الإجرام من خلال مساهمته في تحليل النوازع الإجرامية للشخص أو ميله للعنف. غير إمكانية استخدامه في منظومة البحث الجنائي، فعلي سبيل المثال من السهل معرفة إذا كان شخص ما مرغماً علي التوقيع علي أحد الشيكات، وذلك من خلال قياس درجة الضغط علي الورقة. غير أن هذا التخصص ينبثق عنه أيضاً علم تعديل السلوك عن طريق تغيير طريقة الكتابة ويطلق عليه الجرافوثيربي، وهو يعد نوعاً من العلاج السلوكي الذي مارسته لأكثر من عشرين عاماً. كيف يُمكن تعديل السلوك من خلال تغيير الخط؟ - يعتمد ذلك علي التعامل مع قواعد الجرافولوجي بشكلٍ عكسي، فبما أننا توصلنا إلي أن شكل وطريقة كتابة الحروف يُعد ترجمةً لكل ما يدور بمراكز المخ وما تحمله من أفكار وسِمات شخصية تُشكّل السلوك، فتعديل طريقة كتابة الحرف بعد تحديد المُعامل النفسي الذي يُكافئه يمكن أن تؤدي إلي تغيير هذا السلوك، وذلك يتم من خلال التدريب علي تكرار هذه العملية بشكلٍ متتابع خلال أربعين يوماً علي الأكثر. وتتعاظم أهمية هذا النمط من العلاج السلوكي مع إمكانية استخدامه في تقويم الانحرافات أو تغيير العادات الخاطئة التي يُعاني منها بعض الأشخاص كالتدخين والإدمان. لماذا لا نجد هذا النمط من العلاج بمنظومة الصحة النفسية لدينا؟ - للأسف رغم تزايد الضغوط النفسية والمشكلات السلوكية التي يُعاني منها أفراد المجتمع، إلا أنه ليس هناك وعي كاف بالجرافوثيربي الذي يُستخدم في الخارج بشكلٍ متكامل مع العلاج النفسي التقليدي. والسبب في ذلك يرجع إلي أن المنظومة الإعلامية لا تُمارس دورها التوعوي الذي يُفترض أن يُغير النظرة السلبية السائدة في المجتمع تجاه كل ما يتعلق بالعلاج النفسي والسلوكي. غير أن ندرة المتخصصين في العالم العربي في هذا العلم يُشكل عقبةً كبيرة أمام انتشاره بالشكل السليم، خاصة مع تزايد أعداد مُمارسيه من غير المختصين، ونقل ذلك للأسف صورة غير حقيقية عن هذا العلم تقترن في كثير من الأحيان بالدجل والشعوذة، وهو ما نحاول تغييره في أذهان الجمهور.