اسمه إيلان الكردي، عمره ما بين الثالثة والرابعة، جسد ضئيل بلا روح مُلقي علي أحد الشواطئ التركية، جره أبواه من فراشه ليلا للهرب إلي أوروبا انطلاقا من تركيا ومرورا باليونان، لم يكن لدي الفتي الصغير حق الرفض في الصعود إلي قارب متهالك كان علي متنه 12 شخصا، كان مصيرهم الغرق قبالة جزيرة كوس اليونانية. دفعت أمواج البحر بعضا من الجثث علي الشاطئ التركي، وأبعد منهم قليلا كان ذلك الصبي الصغير ذو التي شيرت الأحمر والسروال الأزرق، لونان سيظلان رمزاً لمأساة إنسانية غض العالم الطرف عنها عمداً. لم يكن معه موسي ليشق له بعصاه البحر، ولم يرافقه عيسي ليمشي به علي الماء، ولم يُصبه دعاء ذي النون وهو في بطن الحوت. تحكي الصورة بدقة ما يدور في الشرق الأوسط منذ سنوات: دول كانت أعمدة يقوم عليها الإقليم، لا سيما سوريا والعراق، تفككت إلي دويلات، وأصبح ربع سكان الشام ضيوفا في مخيمات، حدث ذلك بفعل تغريدات مراهقين علي تويتر لم يدركوا الفارق بين السويد والصومال، ولم يجدوا من يخبرهم أن الوطن العربي بتضاريسه الصعبة وعقلياته الأصعب تحركه حساسيات وأحقاد، وحدوده تُرسم ببنادق وخناجر ومؤامرات وصفقات، لا وجود للقانون ولا قبول لمن يطلقون علي أنفسهم منظمات المجتمع المدني. هناك في الغرب من شجعهم وغذي أوهامهم وأقنعهم أنه قد حان وقت التغيير، ظن القابعون في الضفة الأخري من المتوسط وخلف المحيط الأطلسي، أن النار التي يلعبون بها لن تطال ثوب القارة العجوز، ولن تؤرق بلاد العم سام، فاستيقظوا ليجدوا جحافل اللاجئين علي أبوابهم، وفتي الشاطئ صريعا وحذاءه في وجوههم بعدما لفظه البحر ليذكرهم بجريمتهم. إيلان الكردي ابن لأسرة من مئات الآلاف بينهم نساء وأطفال، يبحث عائلها عن وظيفة ومستقبل أفضل لأولاده بعيدا عن منطقة يحاصرها الدم والنار، وأولئك هم من يشكلون اليوم موجات هجرة جماعية لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. دفع الملاك البريء من جسده النحيل ثمن جنون خليفة عثماني يُدعي رجب طيب أردوغان حرض وحوشاً آدمية تدعي داعش لقتال الأكراد في كوباني التي ينحدر منها إيلان، فتحولت المدينة إلي جحيم. ربما كانت الصورة مفيدة ليدرك النظام العالمي حجم الفشل الذي وصل إليه. لقد أصبحت سوريا تكتلات وجماعات وملعبا لتصفية الحسابات، ساحة تتصارع فيها روسيا وإيران وأمريكا وقطر وتركيا وتل أبيب، وأبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع يسددون الفواتير. في كتب التاريخ، الفصل المخصص لما يُطلق عليه الربيع العربي، سيضع المؤرخون صورة الصبي إيلان الكردي، غرق ورفض البحر ابتلاعه بعدما ضاقت عليه أرض الله الواسعة بما رحبت.. فاجعة أحد أيام سبتمبر 2015.