في إطار الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة التي أطلق عليها «رحلة مصرية مليئة بالحياة والحب» يجب أن نعرف أن الغناء الوطني المصري لعب دورا فعالا في إشعال الروح الوطنية خلال الثورات والحروب التي خاضتها مصر وشعبها خصوصا في حرب 1956 ضد العدوان الثلاثي، حيث كانت ثورات علي الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي عاني منه المصريون. ووقتها قدمت المطربة الكبيرة الراحلة «فايدة كامل» أغنية بعنوان «دع سمائي فسمائي محرقة.. دع قنالي فقنالي مغرقة.. واحذر الأرض فأرضي صاعقة.. هذه أرضي أنا.. وأبي ضحي هنا.. وأبي قال لنا.. مزقوا أعداءنا». كما غنت سيدة الغناء العربي أم كلثوم أغنية «والله زمان ياسلاحي» كلمات صلاح جاهين وتلحين كمال الطويل.. وكلماتها تقول "والله زمان ياسلاحي اشتقت لك في كفاحي.. انطق واقول أنا صاحي ياحرب والله زمان". وغنت أيضا أم كلثوم قصيدة «الجلاء» شعر أحمد رامي وتلحين محمد الموجي. وكلماتها تقول: يامصر إن الحق جاء.. فاستقبلي فجر الرخاء، وأيضا غنت أغنية «فرحة القنال» كلمات صلاح جاهين وتلحين محمد الموجي، ويقول مطلعها «محلاك يامصري وأنت علي الدفة.. والنصرة عاملة في القنال زفة..يا اهل مصر تعالوا علي الضفة.. شاورولهم وغنولهم وقولوهم.. ريسنا قال ما فيش محال». هذا بالإضافة لتقديمها لقصيدة بصوت الوطن شعر أحمد رامي وتلحين رياضي السنباطي، وتقول كلماتها «مصر التي في خاطري وفي دمي.. أحبها من كل روحي ودمي.. ياليت كل مؤمن بعزها يحبها مثلي أنا». كما غني ولحن الموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب نشيد «زود جيش أوطانك» من كلمات مأمون الشناوي ويقول مطلعه «زود جيش أوطانك واتبرع لسلاحه..علشاني وعلشانك بيضحي بأرواحه». كما غني محمد عبدالوهاب من تلحينه وكلمات الأخوين رحباني أغنية "طول ما أملي معايا وفي إيديا سلاح هافضل أجاهد وأمشي من كفاح لكفاح طول ما أيدي في أيدك ها أقف وأقول.. حي حي علي الفلاح". وغنت المطربة نجاح سلام أثناء العدوان الثلاثي أغنية من كلمات محمود حسن إسماعيل وتلحين رياض السنباطي تقول كلماتها "أنا النيل مقبرة الغزاة.. أنا الشعب ناري تبيد الطغاة"، ثم أضافت نجاح سلام أغنيتها الشهيرة من تلحين محمد الموجي، يا أغلي اسم في الوجود يامصر.. يااسم مخلوق للخلود يامصر، وفي نفس الفترة غني المطرب الراحل محمد عبدالمطلب طقطوقة من كلمات صلاح جاهين وتلحين محمود الشريف.. ومطلعها يقول «ياسايق الغليون عدي القنال عدي.. وقبل ما تعدي خد مننا وادي.. ده اللي فحت بحر القنال جدي». ويذكر أيضا أن المجموعة غنت نشيد «الله أكبر» كلمات الشاعر عبدالله شمس الدين الذي كان يعمل رئيس المصححين بمطابع السكك الحديدية.. وتلحين محمود الشريف الذي أكد أن عبدالله شمس.. كتب كلمات الأغنية في عشر دقائق بمشاعر وأحاسيس جياشة.. وكلمات الأغنية تقول:"الله أكبر فوق كيد المعتدي.. الله للمظلوم خير مؤيد.. أنا باليقين وبالسلاح سأفتدي.. بلدي ونور الحق يسطع في يدي"، وكان لهذا النشيد الأثر الأكبر في رفع الروح المعنوية لدرجة أن كل شعب مصر كان يردده سواء الطلبة والعامل والفلاح والموظفون وسيدات المنازل والصغار والكبار منذ أن انطلقت صفارات الإنذار وامتلأت سماء القاهرة ومدن القناة بطائرات العدوان الثلاثي المغيرة.. وتتابعت طلقات المدافع وملأت الجو رهبة. ولا يفوتنا أن نؤكد أن العندليب الراحل عبدالحليم حافظ قدم عدة أغنيات وطنية ساهمت مع باقي الأغاني في هذا المجال في تأجج المشاعر الوطنية عند كل المصريين.. وخاصة عند أبناء وشعب مدن القناة لدرجة أنهم كانوا يذيعونها عبر مكبرات الصوت التي كانت توضع في المنازل وفوق السيارات التي تجوب الشوارع والمدن مما كان له أكبر الأثر في إيقاظ عزيمة الفدائيين وشد أزرهم في مهاجمة قوات العدوان الثلاثي الغاشم.. ووقتها غني عبدالحليم أغنية كلمات مأمون الشناوي وتلحين كمال الطويل.. يقول مطلعها..إني ملكت في يدي زمامي فانتصر النور علي الظلام.. وهتفت حمامة السلام إني ملكت في يدي زمامي". وغني حليم أيضا أغنية الله يابلادنا.. كلمات أنور عبدالله وتلحين محمد عبدالوهاب ويقول مطلعها «الله يابلادنا الله علي جيشك والشعب معاه في جهادك قوة.. وسلامتك غنوة يابلادنا الحلوة الله»، هذا بخلاف تقديمه لرائعة أغنية «المسئولية» من كلمات صلاح جاهين وتلحين كمال الطويل.. ويقول مطلعها «ريسنا ملاح ومعدينا عامل وفلاح من أهالينا.. ومنا فينا الموج والمركب والصحبة والريس والزينة». هذا بخلاف تقديم عبدالحليم حافظ لمجموعة أغان أخري منها بالأحضان لنفس المؤلف والملحن، ونشيد ياحبايب بالسلامة، كلمات حسين السيد، وتلحين محمد عبدالوهاب، وأغنية صورة كلمات صلاح جاهين وتلحين كمال الطويل، وأغنية بحلف بسماها وبترابها كلمات الراحل عبدالرحمن الأبنودي وتلحين كمال الطويل. كما غنت المطربة الكبيرة شادية أغنية كشفت فيها شجاعة وصمود أهالي بورسعيد خلال العدوان الثلاثي بعنوان أمانة عليك.. كلمات عبدالرحيم منصور وتلحين بليغ حمدي.. ومطلعها يقول "أمانة عليك أمانة يامسافر بورسعيد.. أمانة عليك أمانة لتبوسلي كل أيد حاربت في بورسعيد"، وأيضا غنت نجاة الصغيرة أغنية عن حرب 1956 يقول مطلعها "الجنة هي بلادنا.. جهنم هي حدودنا". وقد لا يعرف الكثيرون أن هناك عددا من المؤلفات الموسيقية التي تم تأليفها عن قناة السويس نذكر منها الافتتاحية التصويرية «قناة السويس لكامل الرمالي» وهو مؤلف موسيقي شهير من مواليد أبوالمطامير محافظة البحيرة عاش ما بين عامي «1922 2011» وقد ألفها عام 1957 وصور فيها معاناة الشعب المصري في حفر قناة السويس القديمة وقيام السلطة بإجبار المصريين علي العمل بنظام السخرة في حفر القناة.. وبعد تعبيره عن كل هذه المعاناة عبر عن فرحة الشعب المصري عندما أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن تأميم قناة السويس في 16/7/1956.. كما قدم كامل الرمالي أيضا عملا بعنوان تنويعات سيمفونية «بلدي».. وفي هذا العمل اختار لحن الأغنية المعروفة «بلدي يابلدي وأنا بدي أروح بلدي» التي كان يغنيها العمال المصريون الذين شاركوا في حفر قناة السويس القديمة.. وهم مشتاقون للعودة إلي قراهم وأهاليهم.. وكتبها المؤلف الموسيقي المصري الراحل كامل الرمالي.. في صيغة «اللحن وتنويعاته» المعروفة في الموسيقي العالمية وفيها يقوم المؤلف باختيار لحن إما من تأليفه أو من تأليف غيره من الموسيقيين ويقوم هو بذكر ذلك. وقد يكون أحد الألحان الشعبية أو الأخري الشائعة ويقوم المؤلف بتقديمه بصور مختلفة.. فقد يغير من سرعة اللحن أو يغير نسيجه الموسيقي أو الآلات الموسيقية التي تعزف اللحن.. وغير ذلك من أساليب التنويع في هذه الصيغة الموسيقية.. وهكذا نري أن قناة السويس القديمة كانت مصدرا لإلهام كبار الشعراء والموسيقيين والمطربين والمطربات لتقديم العديد من الأغاني والمؤلفات الموسيقية التي تدور كلها عن قناة السويس.. كما كانت الإذاعة المصرية هي بيت الموسيقيين حيث كانت تتكفل بكل تكاليف الإنتاج الموسيقي والغنائي.. وكان بها أوركسترا الإذاعة المصرية لتقديم المؤلفات العالمية وأعمال مؤلفي الموسيقي المصريين، كما كان هناك فرقة موسيقي الإذاعة التي تقدم كل ما يتعلق بالموسيقي العربية. والجدير بالذكر أن الإذاعة كانت تصرف كل المستحقات المالية للموسيقيين عما كانوا يقدمونه. ولا تفوتنا الإشارة إلي أن الحكومة المصرية قد كلفت مؤلف الموسيقي الإيطالي «جوزيبي فيردي» بتأليف أوبرا عايدة لكي تقدم في حفل افتتاح قناة السويس القديمة في شهر نوفمبر 1869 ومن أجل ذلك بني الخديو إسماعيل دار أوبرا القاهرة القديمة خصيصا لتقدم عليها أوبرا عايدة في حفل الافتتاح الذي حضره العديد من الملوك وكبار شخصيات في العالم.. ولكن أوبرا عايدة لم تقدم في حفل الافتتاح نظرا لتأخر وصول الملابس والمناظر الخاصة بالأوبرا والتي صنعت كلها في مدينة باريس وفي حفل الافتتاح قدم بدلا منها أوبرا «ريجوليتو» لنفس المؤلف.