كرست الكثير من وقتها في البحث والتنقيب عن أصول الأكلات والأطباق الشعبية، وصارت ماجي حبيب، واحدة من أشهر الطهاة في مصر، وبابتسامتها المعهودة التي تطل بها علي جمهورها من خلال برنامجها الشهير علي إحدي الفضائيات، استقبلتنا في منزلها، بينما تتجلي بساطة شخصيتها بشكلٍ واضحٍ في اختيارها لملابسها الأنيقة، وديكورات بيتها والتكوين البسيط لمطبخها الذي يغلب عليه اللون الأبيض. بحبٍ شديد تحكي ماجي عن عالم الأكل الذي وقعت في غرامه منذ نعومة أظفارها، دائماً ما كانت تؤمن بالتمرد وكسر الثوابت فيما هو متبع في هذا العالم، تجذبها فكرة التجريب والابتكار في الطهي الذي تكمن متعته بالنسبة إليها، في دهشة أن تفاجئ نفسها بخلق نكهاتٍ وطعوم جديدة بإضافة مواد وعناصر غير مألوفة علي بعضها، أو بتجربة نفس الصنف بمئات الطعوم التي يختلف كل منها عن الآخر. هذا التنوع الذي تري أن له تأثيرات سيكلوجية عميقة علي الإنسان، يمتد إلي الجانب الجمالي في عرض وتنسيق الطعام والذي تحرص دوماً علي إبرازه، مدعمةً ذلك بالخبرة التي اكتسبتها من عملها بمجال "الفوود ستايلينج"، حيث كانت من أوائل من تخصصوا في هذا المجال داخل مصر، لتنسيق مشاهد الطعام الخاصة بالإعلانات التجارية المصوّرة. الصدفة وحدها هي ما قادتها إلي تقديم برامج الطبخ، حبها للكاميرا كما تصف حفّزها لخوض هذه التجربة التي بدأتها بإحدي القنوات الفضائية، إلا أن هناك فجوة بين حياة الشيف داخل استديوهات التصوير وبين المطبخ المنزلي، وتزيد هذه الفجوة كلما زادت الأضواء حوله. عنها تقول ل"هي": رغم أن المطبخ هو مملكتي التي أخلق فيها وصفاتي الجديدة، إلا أن قضائي لأوقات طويلة داخله أمرٌ مرهق للغاية، خاصة أنني أقضي وقتاً طويلاً داخل الاستديو، لذا تقل كثيراً ممارستي للطبخ هنا، لدي من يُساعدني علي ذلك داخل المنزل. غير أنني حتي اليوم أُحب الأكل أكثر من حبي لممارسة الطهي في حد ذاته. محطات عدة تنقلت بينها ماجي حبيب سمحت لها بالولوج في عوالم متعددة أسهمت في صياغة جوانب من شخصيتها، حيث بدأت حياتها في بلاط صاحبة الجلالة الذي دخلته من بوابة مجلة "صباح الخير"، بعدما أنهت دراستها الجامعية بكلية الألسن جامعة عين شمس. لتنتقل بعد ذلك إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية برفقة زوجها، وهناك درست الديكور لتتعمق في كل ما يخص هذا العالم، أخذت تتطلع علي تاريخ المدارس الفنية وفلسفة الألوان وتأثيراتها السيكلوجية علي الحياة. وعند عودتها إلي مصر عملت لخمسة سنوات في مجلة "البيت" لتجمع بين عالميّ الصحافة والديكور، ثم تولت تحرير باب الطبخ في المجلة لتتصل بشكلٍ أكثر قُرباً من عالم المطبخ الذي أسرها. كما أن عملها كمضيفة طيران في مرحلة من حياتها، جعلها تزور دول كثيرة من العالم وتتعرف علي أكلاتها. تؤمن ماجي أن الأكل يحتل مساحةً كبيرة من هوية الشعوب ويُسهم في صياغة ذاكرتها التراثية، تهتم بتتبع حكايات هذه الأكلات، والمسارات التي سلكتها تاريخياً لتنتشر من موطنها الأصلي إلي بلاد العالم. تري أن المطبخ المصري ثري جداً، ويؤلمها أنه ليس هناك أي أكلة مصرية مُسجلة ضمن قائمة منظمة اليونسكو الخاصة بالتراث العالمي غير المادي، بينما تحرص الدول الأخري علي توثيق أكلاتها. وهو ما دفعها إلي الاهتمام بقضية إبراز التراث المصري من الأكلات وتوثيقها. إيمانها بالقضية وإخلاصها لها جعلها تجري العديد من الأبحاث وتجوب محافظاتٍ عدة لتوثيق الأكلات التراثية المصرية، وهي الرحلة التي بدأتها بتصوير وإنتاج فيلم تسجيلي عن الكِشك الصعيدي، عنها تقول: ذهبت إلي محافظات بني سويف والمنيا لتصوير مراحل وطرق عمل الكِشك في الصعيد، وهي الأكلة التراثية التي كانت تزدهر في مواسم حصاد القمح، وكانت تحرص معظم بيوت العائلات العريقة عليها، لكن مع تنامي الهجرة من الصعيد بدأت تنقرض هذه الأكلة من البيوت الصعيدية، ولم يعد لها وجود إلا من أجل التجارة التي عادة ما تقل فيها الجودة مقابل تعظيم الربح. فلدينا في مصر العديد من الأكلات التي نتفرد بها، ومع ذلك لا نسوّق لها عالمياً، مثل "الويكا" في الصعيد، والفريك والكشري، غير الجبنة القديمة "المِش" التي تحمل طعماً عبقرياً، لا يقل جمالاً في نظري عن جبنة "البارمجان" الإيطالية التي تعد من أغلي أنواع الجُبن علي مستوي العالم.