أوضحت الدكتورة إيمان وهبة الباحثة في قسم كيمياء المنتجات الطبيعية والميكروبية بالمركز القومي للبحوث، أنه يمكن الاستفادة من البكتيريا الموجودة في البيئة المصرية في مجالاتٍ عدة يأتي علي رأسها المجال الطبي ومجال التصنيع الدوائي. وكشفت في حوارها ل"آخرساعة" أن نتائج آخر الأبحاث التي أجرتها في هذا المجال أثبتت فاعلية الإنزيمات المُستخلصة من هذه البكتيريا في علاج سرطان الثدي. مشيرة إلي أنه يجب التعامل مع البكتيريا كثروة ينبغي استغلالها، فأوجه الاستفادة منها كما توضح وهبة تمتد إلي المجال الزراعي حيث يمكن من خلالها إنتاج بدائل طبيعية للمبيدات الحشرية الكيماوية، كما تمتد تطبيقاتها إلي معالجة المياه الملوثة بالصرف الصحي والصرف الصناعي. حدثينا عن طبيعة تخصص كيمياء المنتجات الميكروبية؟ - هذا التخصص معنيّ بدراسة تطبيقات الميكروبات الموجودة في الطبيعة وهي عبارة عن كائنات دقيقة تشمل البكتيريا والفطريات والخمائر، وتوجد في كل مكان حول الإنسان في الهواء والتربة والماء. هذه الميكروبات يمكن أن يُستخلص منها العديد من المواد مثل الإنزيمات والفيتامينات والمضادات الحيوية، التي لها استخدامات هائلة في المجال الطبي ومجال التصنيع الدوائي وغيره من المجالات. وهو ما عكفت علي دراسته خلال عدة سنوات تمكنت فيها من التوصل إلي سلالة جديدة من البكتيريا غير السامة من نوع "الأكتينوميسيس"، استخلصت منها مجموعة جديدة من الإنزيمات المُحللة يُمكن استخدامها في العديد من التطبيقات، أهمها إنزيم "البروتييز" الذي يعمل علي تحليل البروتين. كيف تمكنتِ من التوصل إلي ذلك؟ - قمت بعزل هذه البكتيريا من عدة أنواع من التربة المحلية لدينا، بعضها من التربة الزراعية وأخري من التربة الرملية، ومن خلال تتبعي لتعريفها الجيني وجدت أنها تختلف عن جميع السلالات المُسجّلة في البنك الجيني. ثم اكتشفت أنها تُنتج هذا النوع من الإنزيمات، بدأت في تعظيم إنتاجها لهذا الإنزيم عن طريق وضعها في الوسط الغذائي المناسب الذي يضمن نموها، حيث يتوافر به مصدر للكربون وآخر للنيتروجين. وقمت بتجربة ست بيئات لإنتاج الإنزيم، من خلال تغيير تركيب مكونات الوسط الغذائي ودرجة الحرارة وفترة التحضين، حتي وصلت إلي الظروف المُثلي لذلك، وبعدها قمتُ بفصل الإنزيم وترسيبه وتنقيته تمهيداً لقياس تطبيقاته. ما أوجه الاستفادة من هذا الإنزيم؟ - هناك عدة صور لتوظيف إنزيم "البروتييز" والاستفادة منه في مجال التصنيع الدوائي، فنتائج الأبحاث التي قمت بها أثبتت فاعلية هذا الإنزيم في علاج سرطان الثدي. حيث أجريتُ عدة تجارب بالتعاون مع مسؤولي المعهد القومي للأورام، لقياس تأثير هذا الإنزيم علي الخلايا السرطانية، وتوصلنا في النتائج الأولية للبحث أنه أسهم بنسبة 08% في القضاء علي الخلايا السرطانية الخاصة بسرطان الثدي، إلا أن هذه التجارب المعملية كانت تمهيداً للمرحلة المُكملة للبحث، التي سنبدأ فيها بتطبيق هذه التجارب علي الحيوانات الصغيرة، في سبيل أن نصل إلي صورة نهائية لاستخدام هذا الإنزيم كعلاج لمرض السرطان. وسنعمل بالتكامل مع أطباء المناعة والأورام في بحث كيفية تفاعل الجسم مع هذا الإنزيم، وتأثيره علي وظائف الأعضاء الأخري، ومدي إمكانية امتصاص الجسم له، والمواد التي يُمكن أن تضاف إليه لتحقيق أكبر استفادة ممكنة، كما يمكن تجربته علي أنواع أخري من الخلايا السرطانية. وتكمن أهمية هذا الإنزيم في علاج السرطان كونه مادة طبيعية مُركبة من البروتين، مُستخلصة من بكتيريا غير سامة، ولا تحمل أي ضرر علي جسم الإنسان، بخلاف المواد الكيماوية التي تؤثر بشكل كبير علي الجسم. هل يقتصر استخدام الإنزيمات في المجال الطبي علي ذلك؟ - بالطبع لا. أجريتُ بحثاً آخراً يتعلق بتطبيقات نوع من البكتيريا تنتج مجموعة من الإنزيمات المُحللة منها إنزيم "الجلوكانيز" و "الكيتينيز"، وجدت أن لها فاعلية في علاج بعض الأمراض والفطريات الجلدية علي رأسها "الكانديدا". هذه الإنزيمات تعمل علي تحليل وتكسير مادتي "الجلوكان" و "الكيتين" المُكوّنة للجدار الخلوي لمعظم الفطريات المُمرضة ما يُسهم بشكلٍ كبير في القضاء عليها. كما تدخل هذه الإنزيمات في المجال البيطري أيضاً، حيث وجدت أنها تُسهم بنسبة 89% في القضاء علي "الفشيولا" أو الدودة الكبدية، فالخلية الخاصة بهذه الدودة مُعظم تركيبها من البروتين الذي يعمل هذا الإنزيم علي تحليله، وتعد من أخطر الأمراض التي تُصيب الحيوانات وبخاصة المواشي، ما يؤثر بشكلٍ كبير علي الإنتاج الحيواني لدينا. ويجب الإشارة أيضاً إلي أن تكوين بعض الفطريات المُمرضة للإنسان يتشابه بدرجةٍ كبيرة مع تلك التي تُصيب النباتات. هل يعني هذا أن تطبيقات الإنزيمات تمتد إلي حقل الزراعة؟ - بالفعل يمكن أن نُنتج من هذه الإنزيمات بديل طبيعي للمبيدات الحشرية الكيماوية، فمن خلال التجارب التي أجريتها في هذا المجال، لاحظت أنها تقضي علي بعض أنواع الفطريات والحشرات التي تُهاجم النبات. كما أن هناك تطبيقاً آخراً للبكتيريا في معالجة المياه الملوثة بالصرف الصحي والصرف الصناعي، وفي هذه التجربة استخدمت ثلاثة أنواع من البكتيريا منها الطحالب الخضراء المزرقة، حيث تتم عملية التنقية بزرع هذه الطحالب والبكتيريا في المياة الملوثة، لتُشكل ملوثاتها ما يشبه الوسط الغذائي للبكتيريا التي تتغذي علي المخلفات العضوية، وتقوم بامتصاص المعادن الثقيلة ومخلفات الصرف الصناعي. بينما أجريت في التطبيق التكميلي لهذا البحث عدة تجارب للاستفادة من المياة المُعالجة بالبكتيريا كمصدر نقي للري، ووجدت أن المجموع الخَضري للنبات المروي بهذه المياه المُعالجة يفوق بكثير الذي تم ريه بالمياه الأخري. كما أن هذا التطبيق له بعد بيئي مهم جداً، فنسبة كبيرة من المياه الملوثة وخاصة تلك التي تزيد فيها الملوثات من المعادن الثقيلة مثل الرصاص والحديد والزنك، يتم تصريفها مباشرة في نهر النيل. وهنا يمكن أن تقوم المصانع بإضافة طبقة من هذه الطحالب لمراحل تنقية مياه الصرف الصناعي، أو أن يتم إدخال البكتيريا لفترات معينة إلي التانكات الخاصة بتخزين هذه المياة تمهيداً لصرفها. لماذا لا نري ما توصلت إليه هذه الأبحاث في صورة مُنتجات نهائية؟ - هذا ما نسعي إلي تحقيقه، لكن للأسف هناك فجوة عميقة بين النتائج التي يتوصل إليها البحث العلمي، سواء في المركز القومي للبحوث أو غيره من المراكز البحثية، وبين جهات التمويل والإنتاج التي يمكن أن تتبني هذه الأبحاث من المصانع والشركات المعنية بذلك. كثير من الجهات تتعلل دائماً بأن هناك معوقات كثيرة في عملية تحويل الأبحاث خاصة المُتعلقة بالمنتجات الدوائية الطبيعية إلي مُنتج نهائي، علي رأسها ارتفاع تكلفة الإنتاج. وهذا ما حرصت علي معالجته خلال الأبحاث التي أجريتها، عن طريق إيجاد حلول لخفض تكاليف الإنتاج بدءاً من أولي مراحل تطبيق هذه الأبحاث. علي سبيل المثال توصلت إلي بدائل طبيعية اقتصادية لتكوين الوسط الغذائي اللازم لنمو البكتيريا المُنتجة للإنزيمات التي تعتمد عليها عملية التصنيع، فبدلاً من توفير مصدر للنيتروجين والكربون من المواد الكيميائية عالية التكلفة، يمكن استخدام المخلفات الزراعية مثل قش الرز ومخلفات الذرة وعصير القصب، كما يمكن استخدام مواد طبيعية غير مكلفة مثل مادتي الخميرة والردة لتكوين هذا الوسط. وهذه الطريقة تنطبق أيضاً علي إنتاج المضادات الحيوية من البكتيريا، وهو المجال الذي يفترض أن تلتفت إليه شركات الأدوية، لما له من بعد اقتصادي هائل يغنينا تماماً عن استيراد هذه المواد، فجميع الشركات لدينا للأسف تعتمد في إنتاجها علي استيراد المواد الخام من الخارج بينما يقتصر دورها علي تركيب الأدوية فقط.