محافظة الإسكندرية تتوج بجائزة سيول للمدن الذكية    توقيع مذكرة تفاهم بين جهاز تنمية المشروعات والمنظمة العربية للسياحة    الرئيس السيسي يوجه باستكمال منظومة التغذية الكهربائية الإضافية لمشروع الدلتا الجديدة    «الداخلية» تضبط 10 شركات و3 مكاتب سياحة بدون ترخيص    ضبط 100.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    المديرة التنفيذية لصندوق "قادرون باختلاف" تترأس اجتماعاً لاستعراض استراتيجية عمل الصندوق وإعداد مقترح الهيكل التنظيمي    أسعار الدواجن في مرسى مطروح اليوم    السبت 4 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    بعد رد حماس على خطة ترامب.. ماذا يحدث داخل تل أبيب؟    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أكثر من 67 ألف شهيد ونحو 170 ألف مصاب    المجر تتمسك بالنفط والغاز الروسيين بينما يسعى الاتحاد الأوروبي والناتو إلى خفض الإمدادات    وزير الرياضة يهنئ أبطال التايكوندو بتصدر التصنيف العالمي    اليوم.. حسام حسن يعلن قائمة منتخب مصر لمواجهتي جيبوتي وغينيا بيساو    بمشاركة 1000 شاب وفتاة.. الشباب والرياضة بالقليوبية تنظم مسيرة شبابية احتفالا بذكرى النصر    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية لإعلان الجدول الزمني لانتخابات النواب    طرح النهر يغرق ومصر تُجيد إدارة الفيضان.. خطة استباقية تُثبت كفاءة الدولة في موازنة الأمن المائي وسلامة المواطنين    "الأرصاد": فرص أمطار اليوم على هذه المناطق    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    إخماد حريق بمصنع ملابس في مدينة العاشر من رمضان    فردوس عبد الحميد في مهرجان الإسكندرية: ندمت على تقصيري مع أولادي رغم حبي للفن    التضامن: فريق التدخل السريع وفرقه المحلية تعاملوا مع 662 بلاغاً بمحافظات الجمهورية خلال شهر سبتمبر    "المسلخ رقم 5" رواية ترصد انتشار اضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن الحروب    الشروق تنشر تفاصيل حالة مقبرة أمنحتب الثالث قبل وبعد مشروع الترميم    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول الإفريقية المعتمدين لدى اليونسكو    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز حاجز ال10 ملايين جنيه    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    «التأمين الصحي»: خطة تطوير شاملة لمستشفى النيل بالقليوبية ورفع كفاءة خدمات الطوارئ والرعاية    الرعاية الصحية ببورسعيد بعد إجراء جراحة دقيقة: التكنولوجيا الصحية لم تعد حكرا على أحد    وكيل صحة الشرقية يشارك في المؤتمر العلمي الرابع لأمراض الكلى بسوهاج    جامعة قناة السويس تطلق قافلة طبية شاملة بمدينة سانت كاترين    "الوكالة الوطنية للإعلام": سقوط طائرة إسرائيلية مسيّرة عن بُعد في منطقة "وادي فيسان" في "جرود الهرمل" شرقي لبنان    خطوات تنزيل تردد قناة طيور بيبي الجديد 2025 على جميع الأقمار الصناعية    "تابع الآن قيامة عثمان" تردد قناة الفجر الجزائرية الجديد على جميع الأقمار الصناعية بجودة hd    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    القبض على المتهمين بالاعتداء على شاب أثناء سيره بصحبة زوجته فى الحوامدية    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    تفاصيل حفل استقبال طلاب الطب البيطري بجامعة قناة السويس    تاريخ الإغلاقات الحكومية فى أمريكا.. بدأت فى 1976 وآخرها كان الأطول    ورشة تدريبية في فنون المونتاج بجامعة قناة السويس لتعزيز المهارات    موعد مباراة بايرن ميونخ وفرانكفورت في الدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    زكى القاضى: موافقة حماس تنقل الكرة لملعب ترامب.. والخطة لا تشمل الضفة الغربية    وصول سارة خليفة وعصابتها لمحكمة الجنايات وسط حراسة مشددة    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 4 أكتوبر 2025    مصرع سيدتين وإصابة 7 في حادث تصادم مروّع بالفيوم    95 منظمة دولية وإقليمية تشارك في «أسبوع القاهرة الثامن للمياه»    تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري    من غير مواد حافظة.. طريقة عمل الكاتشب في البيت لسندوتشات الأطفال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    مواعيد مباريات اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات شادية تكتبها:ايريس نظمي (الحلقة الخامسة)
قلدت أم كلثوم ٫٫ فضحك الجمهور
نشر في آخر ساعة يوم 02 - 06 - 2015

بعد ساعات قليلة سأقف أمام الجمهور لأغني في أول حفل غنائي أشترك فيه.. لم أكن قد تعودت علي الغناء أمام الأعداد الكبيرة من الناس.. فكل الأغاني التي قدمتها كانت أمام أقاربي وسط اللقاءات العائلية في إنشاص ثم في شارع طوسون بشبرا.. أو أمام صديقاتي وزميلاتي في الدراسة.. أما الغناء أمام جمهور كبير فكان شيئا جديدا وغريبا بالنسبة لي رغم أني كنت انتظر هذا اليوم وأحلم به.
لكن من الصعب التراجع.. فنقابة السينمائيين أعلنت عن الحفل الذي سيقام في «الحلمية بالاس».. ولم أكن أنا وحدي التي سأغني فيه.. هناك نجوم كبار معروفون مثل عبد العزيز محمود ورجاء عبده.. وهناك أيضا تحية كاريوكا التي سترقص.. وهذا ما جعلني أشعر بالخوف أكثر.. فماذا سأفعل أنا إلي جانب هؤلاء المشاهير؟
لقد نجح فيلمي «العقل في إجازة» الذي قدمته مع محمد فوزي.. لكن ليس معني ذلك أني أصبحت مثلهم معروفة.. إنها فقط أول خطوة في طريق النجاح الذي وصلوا هم إلي نهايته.. إن عبدالعزيز محمود سيقدم بعض أغانيه الناجحة المعروفة التي يحبها جمهوره الكبير.. ورجاء عبده ستقدم أشهر أغانيها «اشهدوا يا ناس».
وأنا ماذا سأقدم؟
ليست لي أغان معروفة مثلهم.. وليس من المعقول أن أظهر أمام الجمهور وفي أول حفل غنائي أشترك فيه لأغني ذلك (الدويتو) الذي قدمته مع الفنان محمد فوزي (متشكر آه) في فيلم (العقل في إجازة).
هل سأقف أمام الناس لأغني لهم (متشكر آه).. وكيف سأغني وحدي.. إنه لحن خاص بالفيلم ولا يصلح للتقديم في حفلات عامة.. هل أعتذر عن عدم الاشتراك في الحفل؟
لا.. لا.. إنها فرصة بالنسبة لي.. فلماذا أهرب من الجمهور الذي سأقف أمامه لأغني له في يوم من الأيام سواء أردت أو لم أرد.
إن الوقت يمر بسرعة.. ولابد أن استقر علي أغنية معينة.. وبعد تفكير وقلق قررت أن أقدم أغنية أم كلثوم «غني لي شوي شوي».. وبدأت أحفظ وأتدرب علي اللحن مع الفرقة الموسيقية.. لقد أردت أن أنقذ الموقف وأن أجد حلا سريعا.. ولم أكن أعلم أني أضع نفسي بنفسي في مأزق ومتاعب جديدة.. لقد تسرعت فلم أحسن الاختيار.. ولم أتأكد من الخطأ الذي وقعت فيه وتسرعي إلا في يوم الحفل نفسه.. عندما وقفت أمام جمهور (الحلمية بالاس).. وبعد أن بدأت الفرقة الموسيقية في العزف.. وعندما بدأت أغني (غني لي شوي شوي).. كان صوتي «مسرسع» وليست له علاقة أبدا بصوت أم كلثوم بل ولا يتناسب كذلك مع حجم الأغنية ولم أكن مقنعة أبدا وضحك الجمهور وهو يستمع إلي هذه المطربة صاحبة الصوت المسرسع التي تحاول تقليد أم كلثوم.
وشعرت بالحرج الشديد عندما ارتفعت ضحكات الناس.. وكأن أحدا قد صفعني ولطمني علي وجهي بشدة.. وأحسست أني أذوب من الخجل.. وكدت أن أترك الميكروفون والفرقة الموسيقية لأجري وأهرب من هذا الموقف الغريب الذي وضعت نفسي فيه.
شعرت بأني لابد أن اختفي عن الأنظار.. ولا أعرف كيف أكملت الأغنية بعد ذلك أمام ذلك الجمهور الذي لم يقتنع أبدا بي وأنا أقلد أم كلثوم.. وكانت ضحكاته الساخرة هي الصفعة التي هوت علي وجهي لتجعلني أفيق وأفكر طويلا قبل الظهور في أية حفلة غنائية أخري.. وأصبح عندي (عقدة نفسية) من هذه الحفلات الغنائية.. وقررت ألا أقلد أحدا بعد ذلك.. وقررت أيضا عدم الظهور في أي حفلة غنائية مهما كانت المغريات.. لن أشترك في هذه الحفلات إلا بعد أن تصبح لي أغان خاصة ترتبط باسمي أنا وليست بأسماء المطربات الأخريات.. وبدأت أرفض كل العروض التي تدعوني للاشتراك في الحفلات الغنائية العامة.. ومرت الأيام.. وقدمت في الأفلام الجديدة أكثر من أغنية ناجحة مثل يادبلة الخطوبة التي كانت قد حققت نجاحا كبيرا ومثل أغنية واحد اثنين أنا وياك ياحبيب العين، وأقنعتني تحية كاريوكا بتكرار تجربة الغناء في الحفلات العامة وفي هذه المرة لن أغني بلا خوف لأن هذه الأغاني التي سأقدمها تحمل اسمي أنا ولأني لم أضطر إلي تقليد المطربات الكبيرات ولم أشعر بأن «عقدتي النفسية» في الحفلات الغنائية قد زالت.. إلا يوم أن وقفت في حفلتي الغنائية الثانية.. هذه المرة لم أسمع ضحكات الجمهور الساخرة.. بل وجدت صمتا واحتراما وتصفيقا طويلا بل وإلحاحا في إعادة بعض الأجزاء الغناية التي قدمتها.
وكان ذلك اليوم هو ميلادي الحقيقي كمطربة.
رسالة من تاجر الأحذية!
بدأت رسائل المعجبين تصلني.. وكلها تتحدث عن جمال صوتي ونجاح أدواري.. ولا أنسي أبدا أول رسالة وصلتني من معجب.. كنا قد انتقلنا من شارع طوسون في شبرا إلي حي عابدين.. وأذكر أن إحدي المجلات الفنية نشرت عنواني.. وجاء «البوسطجي» يدق بابنا ويحمل لي أول خطاب قادم باسمي.. إن كل الخطابات التي تصلنا دائما تكون باسم أبي.. لكن هذه أول مرة يأتي خطاب صريح باسمي أنا.. نظرت إلي الخطاب بدهشة.. والتف إخوتي حولي وهم يسألون بشيء من الخبث.. ما الذي في هذا الخطاب؟.. ومن الذي أرسله .. قلت لا أعرف.. ليس في حياتي شخص معين وأنتم تعرفون ذلك.
وفتحت الخطاب.. وما إن بدأت في قراءة سطوره حتي استغرق أخواتي في الضحك.. وضحكت معهم بل وأكثر منهم .. فهو خطاب من أحد المعجبين بالأغاني والأدوار التي أقدمها.. إنه تاجر جلود وأحذية.. وهو لايكتفي بالتعبير عن إعجابه بي كفنانة.. بل ويطلب يدي أيضا.. ويصر علي الزواج مني بعد موافقتي طبعا.
وبعد خطاب المعجب الأول تاجر الأحذية والجلود جاءت خطابات أخري كثيرة من معجبين آخرين.. لكن إخوتي وأخواتي لم ينسوا أبدا خطاب تاجر الأحذية والجلود الذي أصبح سببا لإغاظتي ومداعبتي.. وأضحك وأنا أسمعهم يقولون «من أولها جزم».
ولم تكن هذه الخطابات تضايق أهلي لأنهم يعرفون أن مافيها ليس إلا إعجابا بريئا بممثلة ومطربة يحبون مشاهدتها علي الشاشة وسماع أغانيها المرحة الخفيفة خصوصا (دبلة الخطوبة) لم يشعروا بالضيق لأنهم يعرفون أني لم أعرف الحب بعد .. وأن قلبي لايزال خاليا فارغا ولم يدخله الإنسان الذي سأحبه ولم أصادفه أو أقابله حتي الآن.
مشاعر مراهقة!
كانت فترة المراهقة في حياتي مختلفة عن فترات المراهقة في حياة فتيات كثيرات.. كان العمل يمتلكني ويسيطر علي كل وقتي.. حياتي كلها داخل الاستوديوهات وأمام الكاميرات وتحت الأضواء القوية.. ولا وقت للحب الذي أصبحت أعيشه فقط علي الشاشة.. فكل القصص والأدوار التي أقدمها تتكلم عن الحب.
وكل يوم أعيش قصة حب جديدة ولكن علي الشاشة فقط.. أمثل أدوار الحب دون أن أعرفها.. أتكلم عن متعة الحب دون أن أعرفه.. كنت أذهب إلي الاستوديو وكأني ذاهبة إلي بلد أحبه.. كأنها رحلة إلي بلد أحب أن أعيش فيه، وكنت أسافر كل يوم من بلد إلي بلد.. أقصد من استوديو إلي استوديو.. وأصبحت أعيد عملي داخل هذه الاستوديوهات فأنا لم أعمل بالفن بقصد الشهرة أو الثراء.. لكن بسبب حبي الشديد للفن.. هذا الحب الذي ملأ قلبي في سن مبكرة جدا.. الحب الذي جعلني أرفض الزواج مرتين من مهندس الطيران ثم من العريس الثاني المدرس.
لكني أكون كاذبة لو قلت إن حبي الشديد للفن كان كافيا لإسعادي.. فوسط زحمة العمل المتواصل كنت أشعر أحيانا برغبة قوية في أن أكون محبوبة لإنسان وصديق مخلص أضع يدي في يده بعد انتهائي من عملي المرهق.. ونذهب بعيدا عن الأضواء.. نذهب مثلا إلي السينما.. أسمعه وهو يتكلم ويسمعني وأنا أتكلم.. يحكي لي متاعبه وأحكي له متاعبي وأشعر بالراحة إلي جانبه.
أمنية كانت تضيع في زحمة العمل الشاق داخل البلاتوه.. ولم أكن أعرف أن هذا الحب الحقيقي يقترب مني بسرعة دون أن أشعر.
كان ابن الجيران هو أول من خفق له قلبي عندما كنا نقيم في شارع طوسون بشبرا.. وكان عمري في ذلك الوقت 13 عاما.. وكان حبا صامتا بلا كلام.. كان هو يقيم في الدور الأول وكنت أقيم في الدور الخامس.. والتقت نظراتنا.. وتفاهمنا بالإشارات وعن طريق النوافذ.. ففي ساعة معينة نفتح النوافذ لنتفاهم من بعيد بالإشارات.. أما عندما تكون نافذتي ونافذته مغلقتين فذلك معناه أننا في حالة خصام.. كانت يداي تصبحان باردتين مثل الثلج.. وكان قلبي يخفق بشدة عندما أراه من بعيد.. وكنت أخشي أن تعرف أمي مشاعري الصامتة نحو ابن الجيران ساكن الدور الأول.. لكنها كانت مشاعر مراهقة.. ولم يكن ذلك هو الحب الأول الحقيقي في حياتي.. فحكاية شارع طوسون بشبرا لم تكن حبا لأنها لم تزد عن إعجاب النوافذ دون لقاء ودون كلام.
حبي الأول من الصعيد
أما الحب الحقيقي.. أول قصة حب في حياتي فقد حدثت عندما كان عمري 17 عاما.. فقد حدث أن دعيت ذات مرة للغناء في حفل زواج أحد الجيران.. وكان من الصعب أن أعتذر فعلاقتنا بهؤلاء الجيران كانت تسمح لهم بأن يطلبوا مني الغناء في مناسبة سعيدة مثل حفل الزواج.
ووقفت لأغني.. ووقعت عيناي علي شاب أسمر وسيم.. وأحسست أن نظراته قد اخترقت قلبي.. وبعد انتهاء حفل الزواج فوجئت به يتقدم نحوي ويهنئني ويمتدحني، وعبر عن إعجابه بصوتي بكلمات رقيقة قليلة.. لم نتكلم كثيرا وافترقنا بسرعة.. لم أنم في تلك الليلة.. فصورة ذلك الشاب الأسمر لم تفارق عقلي أبدا.. إنني لا أعرف عنه شيئا بل ولا أعرف حتي اسمه.. من هو؟ وأين هو؟ وأين يعمل؟ وأين يقيم؟ وهل يبادلني هذا الإعجاب؟ أم أنه فقط إعجاب بصوتي.. وهل سأراه مرة أخري.. وكيف؟
وبقيت أياما حائرة.. حتي جاءني أول خطاب منه.. وعرفت من خطابه أنه طالب بالسنة الأخيرة بالكلية الحربية.. وأن هذا الخطاب قادم من الصعيد حيث يعيش هناك مع أسرته.. وكان خطابا رائعا مليئا بالمشاعر الرقيقة.. وشعرت بالراحة والسعادة لأنه يبادلني نفس المشاعر.. وجاء إلي القاهرة مرة أخري والتقيت به وسلمته كل خطاباته التي كانت تصلني بعد ذلك علي صندوق بريد إحدي صديقاتي.
ورأيت القلق علي وجهه عندما مددت يدي لأسلمه كل الخطابات التي أرسلها لي.. لكني قلت له إن هذا إجراء وقائي يحميني.. فأنا أخشي أن يكتشف أهلي أمر ومكان هذه الخطابات العائلية.. لأن اختفاء هذه الخطابات يعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة لي.. وفهم ما أقصده ولم يغضب.. وقال لي إنه لا يريد أن يكون سببا في مضايقتي.. فهدفه الوحيد هو إسعادي.. كانت مشاعري نحوه قوية وعنيفة جدا لدرجة أني كنت أخشي أن يعرف أهلي كل شيء من عيني الحائرتين وتصرفاتي المرتبكة وشرودي الدائم وصمتي الطويل.
نشر في العدد 2198 بتاريخ 8/12/1976
وفوجئت بخطاب جديد منه.. لكنه ليس لي أنا بل لوالدي.. ماذا يقول في هذا الخطاب.. هل سيفشي قصة حبنا.. وماذا سيكون موقفي أمام والدي الذي أحبه وأحترمه وأطيعه دائما؟
إنه ليس شابا طائشا بل هو إنسان عاقل.. فلماذا يتسرع بإرسال هذا الخطاب؟
وعرفت أنه يطلب يدي.. يريدني زوجة له..
وكان ذلك أعز خطاب تسلمته في حياتي.. لدرجة أني مازلت احتفظ به حتي الآن.
إنه يقدم نفسه لوالدي ويقول له كل شيء عن نفسه بصراحة ويطلب تحديد موعد للقاء معه للاتفاق علي كل شيء.. وجاءني أبي وهو يحمل الخطاب.. ولم يكن في حاجة لأن يحاول إقناعي فقد كنت مقتنعة جدا بذلك الشاب (الصعيدي) الأسمر الوسيم الذي كان أول حب حقيقي في حياتي..
وازداد حبي له وأصبح غراما مشتعلا.. وفي اليوم الذي تخرج فيه في الكلية الحربية وضع دبلة الخطوبة حول إصبعي.. وقال لي: لا أحب أن تستمري في الغناء.. ولا أريدك أن تظهري مرة أخري علي الشاشة.. فأنت ملكي أنا وحدي.. أريدك شريكة لحياتي..
ولم أعترض أنا التي رفضت من قبل رجلين خوفا من أن يبعدني الزواج عن الفن الذي أحبه..
لكني لم أقدر علي الاعتراض أمام حبيبي (الصعيدي) الأسمر الوسيم.. هززت رأسي موافقة وأنا مسحورة به وبكلماته رغم أن هذه الكلمات ستحرمني من عملي الفني الذي أعيش من أجله.. ولم أناقشه أبدا في قراره بإبعادي عن الغناء والشاشة.. فقد كنت مستعدة لأن أفعل أي شيء من أجله.. وكل ما يسعده يسعدني وكل ما يرضيه يرضيني.. أريد فقط أن أعيش معه حتي إن كان ذلك داخل كوخ.. أريد أن أكون دائما إلي جواره حتي لو حرمني ذلك من تحقيق أكبر آمالي الفنية التي بدأت أقترب منها.
قتلوا حبيبي
لكن السعادة عمرها قصير جدا.. كأنها حلم رائع لابد أن أفيق وأصحوا منه فجأة.. فقد حدث أن استدعي حبيبي فجأة للدفاع عن الوطن والاشتراك في حرب فلسطين عام 1948.. وكان يوما عصيبا قاتما يوم أن جاء ليودعني وهو يرتدي ملابسه العسكرية.. وكان قلبي يشعر بالذي سيحدث.. لا أعرف لماذا أحسست أن هذا هو آخر لقاء بيننا.. وأنني لن آراه بعد الآن.
وحبست الدموع في عيني حتي غاب عني.. وظللت أبكي بكاء مريرا متواصلا.. وصدقت مشاعري.. فقد ذهب ولم يعد أبدا.. استشهد في ميدان القتال.. سقط حبيبي شهيدا واسمي يلف حول إصبعه فوق دبلة الخطوبة.
وتحطمت كل أحلامي.. وشعرت بأن قلبي قد تمزق.. وبأنه ينزف دما.. فقدت أي شعور بالحياة وبالناس من حولي.. فبدونه ليس للحياة معني.. لأنه كان حياتي نفسها.. وظللت أياما طويلة لا أنام.. وشريط الذكريات يملأ عقلي منذ أول لقاء لنا يوم أن غنيت أمامه في حفل الزواج حتي آخر لقاء يوم أن ودعته وهو ذاهب لميدان القتال.
وإذا نمت أري منظرا بشعا.. صورته هو يقتل بالأسلحة الفاسدة التي كان يحارب بها.. وأصرخ مفزعة.. ولولا حنان أبي وعطف أمي.. لولا وقوف أهلي إلي جانبي في محنتي.. لكانت حياتي نفسها قد انتهت.. وتحول صدر أمي الحنون إلي بحر من الدموع.. دموعي الحزينة علي حبيبي الذي ذهب ولم يعد..
لقد قتلوا حبيبي.. ذهب ضحية في حرب الخيانة والأسلحة الفاسدة.. وكرهت قصر عابدين وكل الذين أرسلوه إلي هذه الحرب ليموت ضحية لتصرفاتهم الطائشة.. وحتي الآن كلما مررت بحي عابدين وكلما اقتربت من قصر عابدين أشعر بانقباض شديد.. وأشعر بأن جرح قلبي القديم يؤلمني.. ذلك الحب الحقيقي في حياتي.. ومازلت أذكر حبيبي الشهيد لو كان قد عاش لكانت حياتي كلها قد تغيرت ولكنت أصبحت الآن زوجة سعيدة وأما لأربعة أو خمسة أطفال.
وكلما شعرت بالضيق والوحدة.. أسرع إلي جهاز التسجيل لأستمع إلي صوته.. إلي شريط التسجيل الذي كنت قد سجلت عليه حديثا دار بيننا.. أسمعه وأسمع نفسي وأنا أتحدث معه.. فتضيع من نفسي كل مشاعر الضيق والوحدة.. كلما عشت مع الذكريات الغالية.. مع أيام السعادة القليلة في حياتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.