الرئيس السيسى وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رغم الحديث المتكرر عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، وسط موجة من التشدد والعنف المتشح بغطاء ديني، وشيوع أفكار التكفير والقتل علي أساس الهوية الدينية، إلا أن الأزمة بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف، بدت وكأنها تهدد جهود الدولة في تدشين الخطاب الديني الجديد، بل إن الأزمة بين الطرفين تحولت إلي عقبة في سبيل إنجاز هذه المهمة. وبدا وكأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، يسعي لدفع المؤسسة الدينية نحو مزيد من الإنجاز في ملف التجديد، علي خلفية دعوته لثورة داخل المؤسسة الدينية مطلع العام الجاري، عندما استقبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يوم الأربعاء الماضي، وصرح السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس استهل اللقاء بالإشادة بالأزهر الشريف جامعاً وجامعة، وبدوره التاريخي في نشر قيم الإسلام السمحة المعتدلة، والتعريف بصحيح الدين الإسلامي، مؤكداً علي أهمية مواصلة دور الأزهر في تلك المرحلة الدقيقة عبر تصويب الخطاب الديني وتنقيته من أية افكار مغلوطة، بما يساهم في الجهود المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب. وفيما بدا وكأنه دعم من مؤسسة الرئاسة لمؤسسة الأزهر، أشاد الرئيس السيسي بجهود الأزهر المبذولة علي الصعيدين الداخلي والدولي داعياً إلي مواصلتها وتعزيزها، مؤكداً دعم الدولة الكامل للأزهر الشريف في تحقيق رسالته السامية التي تهدف إلي بيان صحيح الدين ونشر قيم الإسلام المعتدلة السمحة، فيما استعرض الطيب الجهود المختلفة التي يقوم بها الأزهر الشريف لنشر قيم الاعتدال والتسامح وقبول الآخر، بالإضافة إلي مكافحة الفكر المتطرف، فضلا عن استعراضه لخطوات إصلاح التعليم الأزهري وتعديل المناهج الدراسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية بالمعاهد الأزهرية وتقديمها بطريقة مبسطة ومختصرة لإيصال المعاني المطلوبة بشكل مباشر إلي الطلاب، كما أشار إلي تدريب وإعداد المعلمين من الأزهريين لتدريس المناهج الجديدة، التي تضمنت عدداً من الموضوعات المطروحة في عالمنا المعاصر. يأتي ذلك فيما لا يزال غياب التنسيق واضحا للعيان بين مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف، التابعة للسلطة التنفيذية، وبدا واضحًا غياب التنسيق بينهما في عدد من الملفات الحيوية، خاصة ملف تجديد الخطاب الديني، إذ ظهر تحرك الأوقاف بشكل مستقل عن الأزهر في تدشينها لمؤتمر تجديد الخطاب الديني، الذي انطلق (الاثنين) قبل الماضي، دون أي تنسيق مع المشيخة. وقال جمعة في تصريحات إعلامية إن مؤتمر بحث آليات تجديد الخطاب الديني، الذي تنظمه وزارة الأوقاف بحضور عدد كبير من المسئولين ورجال الدين وأساتذة الجامعات والمفكرين، يهدف إلي الوصول إلي توافق حول وثيقة وطنية لتجديد الخطاب الديني، مؤكدا أن الوثيقة التي خرجت عن المؤتمر مختلفة عن أي وثيقة أو توصيات سابقة "فلأول مرة تجتمع تلك النخبة الكبيرة من رجال الدين والسياسيين والفنانين والكتاب والإعلاميين"، مشيرا إلي أن هذا التنوع الفكري سيؤدي إلي الخروج بوثيقة تكاد تكون جامعة شاملة.. ويأتي إصرار الأوقاف علي إصدار وثيقة لضوابط تجديد الخطاب الديني في وقت معلوم للجميع أن الأزهر بدأ إجراءات إصدار وثيقة أخري بالتعاون مع المثقفين، ما يكشف حجم الانفصال بين الطرفين، والعمل المستقل بينهما. وحرص الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، علي إحاطة استعدادات الوزارة للمؤتمر بالغموض، فيما أكدت مصادر بالأزهر الشريف ل"آخر ساعة" عدم معرفتها بعقد "الأوقاف" لهذا المؤتمر إلا قبل انطلاقه بأيام معدودات، معتبرة أن مؤتمر الأوقاف يعد تضاربا مع المؤتمر الذي يعد له الأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب، والذي عقدت جلسته التحضيرية منذ عدة أسابيع، وسيعقد خلال الأشهر القليلة المقبلة، علي أن يتم دعوة علماء دين في العالم الإسلامي كله، تحت عنوان "تجديد الخطاب الديني" أيضًا. وفي رسالة قوية تكشف حجم التوتر بين الطرفين؛ لم يحضر شيخ الأزهر افتتاح مؤتمر الأوقاف، وهي المرة الثانية التي لا يشارك فيها الطيب في مؤتمر تستضيفه "الأوقاف"، منذ مطلع العام الجاري، بعد اعتذاره عن عدم المشاركة في افتتاح المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلي للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف، فبراير الماضي. كما أن الأزمة عرفت طريقها إلي العلن بعدما منح ووزير الأوقاف تصاريح خطابة لقادة السلفيين تمكنهم من صعود المنابر، مؤكدًا أن القرار كان بمعرفة شيخ الأزهر، إلا أن مكتب الأخير أصدر بيانًا مطلع مارس، أكد أن الإمام الأكبر لا علاقة له بالأمر، البيان جاء ليفجر الأزمة التي حرص الجانبان علي أن تكون بعيدة عن الإعلام لفترة، وحاولا التقليل من آثارها بتبادل تصريحات تنفي وجودها.