التطورات الأخيرة بالشرق الأوسط علي ما هو أبعد من كونه حرباً علي الإرهاب والتصدي لتنظيم "داعش" من قبل القوات العراقية والسورية ظاهرياً، ولكن الحقيقة فإن القوي الغربية وبقيادة أمريكية هم من يديرون الصراع، فالأمريكان لا يريدون أن يعتبروا المعركة ضد التنظيم معركة أمريكية، لكنهم يثبتون في كل مناسبة مدي انخراطهم في التفاصيل العسكرية والسياسية للمعركة. بدا واضحاً أن الولاياتالمتحدة قررت إدخال تعديلات علي استراتيجيتها تجاه المنطقة والإسراع بإدخال الورقة الكردية وإعلان دعمها للسنة بما يحقق أطماعها السياسية والاقتصادية بها، فبعد أن ضاق الخناق عليها وفشلت في تمرير مخططها بدول المنطقة، جعلت من ظهور التنظيم مدخلاً لها لإعادة صياغة المنطقة والسيطرة عليها مجدداً من خلال حلفائها من السنة والأكراد الذين يسهل احتواؤهم وتوجيههم لخدمة أهدافها وطموحاتها بالمنطقة. واصل تنظيم الدولة الإسلامية تمدده حتي سيطر علي المجمع الحكومي في الرمادي محققاً أبرز تقدم ميداني له في العراق منذ يونيو الماضي، بعد أن دعا زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي"، عناصر التنظيم إلي الثبات والتقدم في المحافظة، ما يجعل من حصار والسيطرة علي كامل مدينة الرمادي، التي تبعد نحو 100 كيلومتر إلي الغرب من العاصمة العراقية "بغداد"، أمرا وشيكا. وتأتي السيطرة علي الرمادي بعد صمود استمر ما يقرب عام ونصف، أمام محاولات متكررة من التنظيم لاحتلالها، بدأت مطلع العام الماضي، وفي ظل التخبط الذي تعاني منه القوات الأمنية العراقية فيها بسبب رفض رئيس إقليم كردستان "مسعود البرزاني"، والوزير العراقي الأسبق "رافع العيساوي" وقيادات عراقية أخري، مشاركة مقاتلي الحشد الشعبي في المعارك، ولجوء هذه القيادات إلي واشنطن للحصول علي تسليح مباشر، أقر مجلس النواب الأمريكي مؤخراً ميزانية الدفاع الوطني بما يشمل دعم تسليح الأكراد والسنة بشكل مباشر ومنفصل عن الحكومة المركزية في العراق، إلي جانب التعاطي مع هذه الكيانات علي أنها "دول مستقلة" حتي تأخذ شكلا قانونيا لتسليحها. وأثار هذا القانون جدلاً واسعاً ودق ناقوس خطر من أن العراق بات أمام أولي خطوات مخطط التقسيم. وبعد تمرير مشروع القانون سينتقل إلي مجلس الشيوخ الأمريكي للمصادقة عليه، فيما أعلن السيناتور الجمهوري "جون ماكين" رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس، أنه سيتقدم بمقترح يدعو إلي تسليح البشمركة أيضاً بعيداً عن الحكومة. فيما أتت تصريحات الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عقب سقوط مدينة الرمادي بأيدي التنظيم، لتؤكد أصرار واشنطن علي المضي في التدخل حتي يتحقق مخططها في المنطقة، حيث اعتبر الرئيس الأمريكي أن ما يحدث "انتكاسة تكتيكية"، وقال في مقابلة مع مجلة "أتلانتيك" الأمريكية إنه لا يعتقد أنهم خسروا، مشيراً إلي أن المخطئ في ذلك هو الجيش العراقي الذي يعاني من عدم التدريب الكافي، بالإضافة إلي عدم انخراط المقاتلين السنة في الحرب ضد داعش، الذي يعتبر مصدر قلق. وأكد أوباما ضرورة التعاون الأمريكي- العراقي من خلال تكثيف التدريب وتفعيل دور السنة بصورة أكبر مما هو عليه الآن. ووفقاً لتصريحاته فإن جزءا كبيرا من الحل يقوم علي دور القوات السنية، ويشير إلي أن هناك الآلاف من الشباب السنة من عناصر القوات المسلحة قد تم تدريبهم، وأن هناك تفاهماً واضحاً الآن علي تسليح أبناء العشائر السنية من خلال عملية تنظمها الحكومة العراقية، بما في ذلك رصد الميزانية وتسليم العتاد والذخائر.. وفي صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، قال الصحفي "جوناثان فورمان"، "لقد حان الوقت لأمريكا والغرب، لأن يدعما الاستقلال الكردي، وأن يقيما في الوقت ذاته، قواعد أمريكية في كردستان العراقية، مما يجعلها محور أمريكا العسكري في المنطقة. فوجود قاعدة جوية أمريكية جديدة بالقرب من المدن الكردية مثل السليمانية أو أربيل، سوف يزيد التأثير الأمريكي بدرجة أساسية، علي كل من في المنطقة، وخاصة إيران وسوريا. وتوضح الصحيفة، بأن هذه المنطقة هي البديلة للقواعد الأمريكية سواء في بغداد وأنقرة، خاصة بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين العراقوالولاياتالمتحدة وقرار الانسحاب الأمريكي من الأراضي العراقية نهاية عام 2011. فبعيداً عن الهدف الإنساني المعلن والمتمثل بحماية الأقليات الدينية من بطش "داعش"، وجد أوباما وصقور إدارته في التنظيم الفرصة المواتية لإدخال تغيير والعودة لاحتواء المنطقة ومحاصرة النفوذ الروسي المتصاعد بعد فشل المحاولات الأخري؛ فالحل بنظرها يقضي بتوفير غطاء دولي عن طريق شرعية مجلس الأمن التي عجز جورج بوش عن توفيرها إبان غزو العراق عام 2003حيث جري تشكيل هذا التحالف الذي تنبهت له كل من روسياوإيران، ورفضتا الانضمام إليه. لكن واشنطن تمكنت من خلال ذريعة "داعش" من إسقاط الرئيس العراقي "نوري المالكي" الذي كان يتوجه نحو روسيا تسليحاً واقتصاداً. وبذلك ربحت إدارة الديمقراطيين الأمريكية الجولة الأولي، وحققت خطوة في خطتها لمحاصرة النفوذ الدب الروسي هناك، بعد أن تمكنت من قطع خطوط التعاون العراقي الروسي الذي كان قد استجاب فوراً وأرسل الطائرات والأسلحة للمالكي قبل سقوطه؛ وبهذا فقد استطاعت قطع التواصل بين محور المقاومة طهرانوبغداد ودمشق، وهي الآن تحاول إعادة احتواء العراق عبر محاربة "تنظيم الدولة"، ومن خلال الإمساك بالورقة الكردية وإعادتها إلي أحضانها من جديد، خاصة بعد أن أعلن رئيس إقليم كردستان العراق، عن طموحاته ب"دولة كردية كبري"، وطالب الدول الغربية بتقديم الدعم الكافي من الأسلحة لمساعدة قوات "البشمركة" علي مواجهة داعش.