الغريب في الأمر أن مشروع "عربات الفول" الذي كشف عنه مؤخراً الدكتور خالد حنفي وزير التموين، يهدف في ظاهره إلي إحكام الرقابة عليها بدعوي ارتفاع أسعار ما تقدمه هذه العربات للمواطنين، بعد أن تُخضعها الوزارة لمنظومة التموين بتخصيص حصص مدعمة من العيش والفول والزيت والطحينة لأصحابها، رغم أن سعر ساندوتش الفول الذي تقدمه هذه العربات لا يتجاوز الجنيه الواحد، بينما لم تلتفت الوزارة لمراقبة محلات الفول والطعمية الكبيرة التي تستنزف جيوب الزبائن وتبيع وجباتها بأضعاف أسعارها الحقيقية. تقنين الحكومة لأوضاع عربات الفول التي تعمل بصورةٍ مخالفة، سيشمل حصر جميع العربات التي تنتشر في الشوارع والميادين، وتحديد أماكن معينة لها بالتنسيق الذي يفترض أن يتم - وفقاً للمشروع المطروح- بين وزارة التموين والمحليات، بعد إخضاع جميع العاملين بهذه العربات للكشف الطبي بغرض حصولهم علي شهادات صحية تفيد خلوهم من الأمراض. غير الرقابة التي ستفرضها وزارة التموين عليهم حال ضمهم إلي المنظومة الرسمية، وهو ما رفضه أغلب العاملين بعربات الفول الذين استطلعت "آخر ساعة" آراءهم بشأن هذا المشروع. أينما تولي وجهك صباحاً في شوارع القاهرةوالجيزة ستصادف العشرات من عربات الفول لا يفصل بين كل منها غير بضعة أمتار، تغلفها جموع بشرية تلتف حول أطباق الفول والطعمية، بينما يتحرك عمال هذه العربات بديناميكيةٍ عجيبة، يعرف كل منهم دوره في جمع طلبات الزبائن، وغرف الفول من "القدرة"، وتجهيز السلطات، وغسل الصحون. وفي ميدان رمسيس الذي يغص بعربات الفول، اقتربت من عربة العم محمود إبراهيم الذي كان منهمكاً في تجهيز طلبات الزبائن، لا أكاد أري يده التي تحفظ مواقع كل شيء علي طاولة العربة، تتنقل بخفة بارعة بين الفول وزجاجات الزيت الحار والطحينة. "مش عايزين حاجة من الحكومة، عايزينها تسيبنا في حالنا" يقول عم محمود الذي يخبرني أنه أتي بعربته إلي الميدان منذ أكثر من ثلاثين سنة بقي فيها صامداً أمام الملاحقات الأمنية لهم، رغم أن الفول أكلة شعبية يُقبل عليها جميع المصريين باختلاف فئاتهم. يُضيف: الحكومة تريد أن تتحكم فينا لكن بصورة مختلفة هذه المرة من خلال ضمنا إلي وزارة التموين، فالمسؤولون يدّعون أن هذا المشروع لدعم أصحاب العربات بعيش وفول وزيت مدعم، وبالتالي نخفض الأسعار للزبائن، لكن الحقيقة أننا سنكون تحت رحمة التموين وتجار السوق السوداء، لأن كل هذه السلع بها عجز، وإذا كانت الدولة عاجزة عن توفيرها للملايين الذين يحملون بطاقات تموين فكيف إذاً ستوفرها لنا. يتابعُ العم محمود: كان من الأولي أن تهتم الحكومة بالرقابة علي أسعار أنابيب البوتاجاز التي نشتريها ب 60 جنيهاً، قبل أن تفكر في الرقابة علي عربات الفول. فأنا يعمل لديّ خمسة عمال في الوردية الواحدة، ورغم ارتفاع أجورهم وتضاعف أسعار كل شيء بدءاً من كيلو الفول الذي وصل إلي 10 جنيهات والطحينة تجاوزت 22 جنيها، إلا أن ساندويتش الفول لدينا بجينه فقط ويبقي الأرخص مقارنة بجميع مطاعم الفول والطعمية التي تبيعه بضعف السعر. كما لا يتجاوز سعر الطلب الكامل لديّ أربعة جنيهات، ويضم فولا وطعمية وبطاطس وسلطات منوعة غير أرغفة العيش. بينما يتخوف سيد عبدالعزيز صاحب عربة فول بميدان الجيزة من المشروع، لأنه سيحدد لهم أماكن بعينها قد تكون بعيدة عن المناطق التي اعتادوا العمل فيها لسنوات. يتابع: لا نضمن أن توافق وزارة التموين علي تركنا في أماكننا، ويمكن أن يقوموا بنقلنا إلي أماكن خالية من الزبائن مثلما فعلت الحكومة مع باعة وسط البلد حينما نقلوهم إلي منطقة "الترجمان"، ولهذا لن نوافق علي الانضمام إلي المشروع لأنه في حالة موافقتنا سنكون مجبرين علي تنفيذ ما يُطلب منا، بحجة أننا حاصلون علي مواد مدعمة ولا يحق لنا المطالبة بشيء. علي الجانب الآخر يؤكد محمود دياب المتحدث الرسمي لوزارة التموين أن مشروع عربات الفول الذي تعكف الوزارة علي دراسته حالياً، يهدف إلي تخفيف العبء عن المواطن الذي ينفق شهرياً ما يزيد علي 200 جنيه علي إفطاره من عربات الفول في ظل ما تواجهه مستلزماتها من غلاء، كما أنه يقضي علي الصورة العشوائية التي تعمل بها هذه العربات، ويحمي أصحابها من الملاحقات الأمنية المستمرة، لأنهم سيعملون وفقاً لمنظومة جديدة بتراخيص تُمنح بالتنسيق بين مديريات التموين والمحليات، بحيث يوضع علي العربات شعار مميز يفيد بأنها خاضعة لإشراف وزارة التموين، من خلال حصر شامل لهذه العربات. يتابع: هذا الإشراف يتضمن تكثيف الرقابة علي أسعار العربات وفق ما تحدده وزارة التموين، فالمنظومة الجديدة ستخفض سعر ساندويتش الفول إلي جنيه واحد بينما تقف تكلفته علي البائع ب 75 قرشاً، لأنه سيحصل علي الخبز مدعماً بخمسة قروش من خلال بطاقات تموينية ستصرف للراغبين في الانضمام إلي المشروع، تشمل أيضاً صرف حصص من الفول والزيت والطحينة من خلال مجمعاتنا الاستهلاكية، موضحاً أن المنظومة الجديدة ليست إجبارية علي الجميع وإنما تطبق قوانينها علي من يلتزم بالانضمام إليها من أصحاب عربات الفول والعاملين بها. في حين يتعجب العربي أبوطالب رئيس الاتحاد العام للتموين والتجارة الداخلية من سعي وزارة التموين لتطبيق منظومة جديدة تضم عربات الفول إليها، موضحاً أنها تنطوي علي مخالفة فادحة لقانون الجرائم التموينية رقم 95 لسنة 1945 الذي يمنع تداول السلع المدعمة في أي عمل تجاري. يتابع: للأسف الإعلان عن هذا المشروع تم لإحداث بلبلة تُشغل الرأي العام عن العجز الفادح لوزارة التموين في توفير السلع الأساسية للمواطنين، فما تم الإعلان عنه عبث لا يمكن بحال تطبيقه، ولا تملك الوزارة ما يكفي من آليات لتطبيقه والرقابة علي السلع التي ستصرفها، ما يعني وجود سوق سوداء جديدة تستغل أصحاب هذه العربات.