أول حوار صحفي له مُنذ توليه منصبه، تحدث محمد الأتربي، رئيس بنك مصر، ل"آخرساعة"، حول القضايا الاقتصادية الساخنة، والتي يأتي في مقدمتها المواجهة مع المضاربات علي الدولار وعودة السوق السوداء، ودور البنوك في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، والانتقادات الموجهة للبنوك في توجيه السيولة لديها للاستثمار في أذون الخزانة علي حساب توفير التمويل للمشاريع، وغيرها من القضايا.. كيف تري القرارات الأخيرة للبنك المركزي لضبط سوق الصرف ومواجهة المضاربات علي الدولار؟ - قرار البنك المركزي، سليم، ويصوب الأمور، ويضعها في نصابها، العالم الخارجي كله والبنوك فيه لا تضع فيها أموالا نقدية أكثر من التي يقررها البنك المركزي هناك وربما أقل.. فهذه ليست بدعة البنك المركزي ابتدعها، وحين وضع البنك المركزي هذه القواعد فإنه يطبق المعايير العالمية.. وقبل ثورة 25 يناير لم تكن هناك سوق سوداء واختفت تماما نتيجة أن هناك حصيلة تمكن البنك المركزي من التحكم في آليات السوق وهذا هو الأمر الطبيعي.. ما حدث أنه بعد الثورة الحصيلة من النقد الأجنبي بدأت تنخفض نتيجة تراجع موارد السياحة وكان عندنا موارد سياحية تصل إلي 13 مليار دولار في السنة قبل الثورة.. وكان عندنا استثمار أجنبي مباشر تصل حصيلته إلي نحو 12 مليار دولار سنويا.. لكن في السنوات الأخيرة بعد الثورة، السياحة انخفضت بطريقة غير عادية، نسب الإشغال السياحي وصلت إلي نحو 3 4 مليارات دولار في بداية الثورة ثم زادت نسبيا لكن لم تصل إلي الأرقام المستهدفة.. الاستثمار المباشر انخفض.. هذا كله أثر علي الاحتياطي النقدي.. هذه الآليات التي يستطيع البنك المركزي أن يضبط بها السوق.. ونتيجة تراجع الحصائل في الفترة السابقة، البنك المركزي وضع أولويات للسلع التي يتم استيرادها. وما يحدث بظهور سعرين بالسوق الرسمي والسوق الموازية هذا بالطبع يخلق مشاكل في التسعير والمستثمر القادم يريد أن يكون هناك سوق موحد لأسعار العملات.. بغض النظر عن المستثمر الخارجي، ليس من الطبيعي وجود سعرين للعملة في بلد مثل مصر.. هذا يحدث نتيجة جشع بعض تجار العملة.. وهناك البعض الذين يريدون الإضرار بالاقتصاد القومي، وبالتالي خلقوا سعرين للسوق، وما يحدث أن حصيلة تحويلات العاملين بالخارج التي تصل إلي نحو 19مليار دولار لم تكن تمر من خلال القنوات الطبيعية، وهي القطاع المصرفي.. وكان يدخل للبنوك منها حوالي 10% فقط.. فالبنك المركزي يستهدف دخول هذه التحويلات من خلال البنوك، وبالنسبة لشركات الصرافة أعطاها حرية الحركة وأعطاها مكسبا فوق سعر البنوك خمسة قروش.. فإذا كانت البنوك تبيع الدولار ب7.63جنيه، فشركات الصرافة لديها الحق أن تبيع ب7.68جنيه وهذا لكي يدخل الجميع داخل المنظومة.. والقرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي في رأيي قرارات ممتازة وصوبت السوق، ومنذ صدور هذه القرارات تزايدت الحصيلة بالبنوك وأتوقع أنه خلال شهر ونصف وحين تتوجه كافة الحصيلة للجهاز المصرفي، يتمكن من تلبية طلبات العملاء للاستيراد وتنتظم السوق، ويكون هناك سوق واحد للسعر الرسمي للبنك المركزي.. هذه القرارات حققت أهدافها.. ومع عام 2015 أنا أتوقع أن السياحة ستعود إلي معدلاتها الطبيعية، مع الاستثمار المباشر سيعود مرة أخري، نحن نتكلم أن الاستثمار المباشر من المتوقع أن يتجاوز 10مليارات دولار.. نرجع للمعدلات الطبيعية، بما يسمح بزيادة الاحتياطيات النقدية بالبنك المركزي من العملات الأجنبية.. ويصل إلي الأرقام السابقة التي تبلغ نحو 33مليار دولار قبل الثورة. والآن نحن في لحظة حرجة ومفترق طرق والبنوك لابد أن تتعاون في إطار التزامها بقرارات البنك المركزي، شركات الصرافة لابد أن تدخل في المنظومة وبالتالي سوف تنتهي السوق الموازية في القريب العاجل. آلية الإنتربنك هل مازالت مستمرة وكيف يمكن أن تدعم سوق الصرف؟ - آلية الإنتربنك موجودة، كانت هذه الآلية قبل الثورة، والبنك المركزي قام بعمل آلية الأوكشن وزاده إلي نحو 4 مرات في الأسبوع للبنوك العاملة، بغض النظر عن بنوك الأهلي ومصر والقاهرة التي تعتمد علي الجهود الذاتية، إنما البنك المركزي يعطي أوكشن للبنوك لكي تلبي الطلبات لما الأمور تنتظم، كل العوامل السابقة والإنتربنك وتعود البنوك إلي بيع وشراء الدولار خاصة مع عودة السياحة وتدفقات النقد الأجنبي المباشر.. وتتبادل البنوك فيما بينها بيع العملات الأجنبية.. وكذلك نستهدف كل ما هو موارد ونقد أجنبي سواء تحويلات المصريين العاملين بالخارج أو حصيلة الصادرات أو حصيلة السياحة تدخل في القنوات الطبيعية بالبنوك لكي تكون هذه الحصيلة تحت رقابة البنك المركزي.. خاصة أن هذه الموارد يتم بها تمويل الاستيراد.. وكافة صور الطلب علي العملات من حج وعمرة وسياحة وعلاج وخلافه.. وهذا يعطي البنك المركزي تحديد سعر الصرف بناء علي آليات السوق.. إنما هناك البعض يعبث بالقرارات لأسباب جشع ومضاربات أو الإضرار بالاقتصاد.. كل هذا يعود ويدخل في المنظومة وبالتالي تنتظم الأمور. هل تري أن هذه المؤشرات الإيجابية سوف يكون لها تأثير إيجابي أمام المستثمرين في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ الشهر القادم؟ - الغرض من مؤتمر شرم الشيخ ليس عرض مشاريع، هذا هدف جزئي، الهدف الرئيسي أنني أقول للناس ما هي استراتيجيتي وما هي توجهات الاقتصاد المصري.. وأن ملامح قانون الاستثمار الجديد تتضمن أن مصر ترحب بالمستثمر المحلي والخارجي.. وتضمن حقوق الطرفين المستثمر والدولة، كل واحد عارف حقوقه والتزاماته، وبالتالي تكون هناك شفافية ووضع صحي، وتتوافر لدي مصر مزايا عديدة بموقعها الجغرافي الفريد، وتوافر الأيدي العاملة، وسوق كبير 85 مليون نسمة، قوة استهلاكية كبيرة ومصر من البلاد الواعدة بفرص الاستثمار بها.. وبالتالي المستثمر يطمئن أن استثماراته آمنة.. من خلال تشريعات واضحة أمامه.. وأن مدة تأسيس المشروع خلال شهر للحصول علي الموافقة بعد الدراسة كل هذا يهدف لتحسين بيئة الاستثمار.. ومع مؤشرات مؤسسات التقييم والتصنيف الائتماني مثل فيتش وموديز.. هذه المؤشرات حسنت من تقييم مصر.. وأخيرا تقرير صندوق النقد الدولي أشاد بالقرارات التي اتخذت بالنسبة للدعم والتشريعات القانونية، والقرارات التي اتخذها البنك المركزي.. كلها مؤشرات إيجابية، تعطي رسالة طمأنة وثقة للمستثمر في الداخل والخارج.. كما أن العائد علي الاستثمار داخل مصر مجز وبالتالي من المتوقع جذب استثمارات جديدة في مصر. ما الدور الذي يمكن أن تقوم به البنوك لتوفير التمويل للمشاريع المستقبلية بعد تشغيل قناة السويس الجديدة؟ - هناك شهادة نجاح للبنك المركزي والقطاع المصرفي في تغطية اكتتاب القناة الجديدة، كنا نتوقع أن يتم تغطية الاكتتاب خلال شهر، إنما تم تغطيتها في ثمانية أيام، نتكلم عن 64 مليار جنيه تصل إلي نحو 8.5مليار دولار في ثمانية أيام، وهذا دليل علي وعي الشعب المصري ورغبته في المشاركة في مشروع قومي.. بالإضافة إلي أنه تم جذب نحو 27مليار جنيه ضمن مبلغ الاكتتاب.. كانت خارج الجهاز المصرفي.. تمثل شرائح من المدخرين لا يتعاملون مع البنوك، وكانت مدخراتهم في البيت.. هذه المدخرات خرجت للسوق.. أنت لديك فرصة لجذب شرائح جديدة داخل القطاع المصرفي.. وجذب هذه المدخرات للقطاع المصرفي شهادة نجاح للجهاز المصرفي، وشهادة نجاح لمشروع قناة السويس.. والبنوك الأربعة المملوكة للدولة التي وقع عليها العبء الأكبر بالإضافة إلي مشاركات من البنوك الأخري من خلال البنوك الكبيرة.. وهذا يظهر وعي الشعب المصري في تمويل مشروع قومي كبير.. كما أن الجهاز المصرفي المصري تحت رقابة وقيادة البنك المركزي يقوم بدور مهم في الاقتصاد المصري، ويتمكن من تجاوز الأزمة المالية العالمية في 2008، وتجاوز الظروف السلبية التي شهدها الاقتصاد المصري بعد ثورة 25يناير.. والبنوك تتوافر لديها السيولة، ونسبة القروض للودائع علي مستوي الجهاز المصرفي لا تتجاوز 43% وبالتالي هناك مجال أن تمول هذه المشروعات المستقبلية بالقناة الجديدة، وأي مشروع له مردود اقتصادي وجدوي سواء تدفقات نقدية تسمح بسداد الدين وخدمة أصل الدين والفوائد والأقساط.. لأنه في النهاية المكسب للبنوك هو تمويل المشاريع.. وطبعا هناك تجربة رائدة للاقتصادي طلعت حرب الذي كان يشارك برأس المال في تأسيس الشركات.. والبنوك حاليا تشارك أيضا برأس المال، أما التمويل فهو يقتصر علي توفير القروض للمشاريع.. إنما حاليا البنوك جاهزة للمشاركة وجاهزة لتمويل المشاريع.. ولديها السيولة الكافية للقيام بهذا الدور وبكفاءة..لأن السيولة الموجودة في البنوك تسمح بتمويل المشاريع التي لها مردود اقتصادي وبتدفقاتها تستطيع المشروعات الوفاء بمستحقات البنوك. وما الدور الذي يمكن أن تقوم به البنوك في توفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ - البنك المركزي طرح مبادرات منها مبادرة التمويل العقاري وخصص 10مليارات لمحدودي الدخل ومتوسطي الدخل وقال لو استخدمت سوف أزيد 10مليارات أخري.. وكان فيه اجتماعات لاستخدام المبالغ التي رصدها البنك المركزي للتمويل العقاري.. وهو من الأنشطة التي تدعم الاقتصاد ومازالت مصر تعتبر نسب التمويل العقاري فيها منخفضة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي.. فهذا التمويل أقل من 1% من الناتج المحلي رغم أن هناك دولا في أوروبا يتجاوز التمويل العقاري نسبة 5% من الناتج المحلي.. هناك دول عربية 10%، والمبادرة ستؤتي ثمارها ونسب التمويل العقاري. وبالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمويل متناهي الصغر، لا توجد دولة نشاطها يتحرك إلا عن طريق المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأن العمالة فيها تصل إلي أكثر من 70%.. وبالتالي البنك المركزي يعطيها أولوية، والحكومة تعطيها أولوية، والبنوك أنشأت إدارات لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات المختلفة للدولة لكي تحرك هذا السوق، والشيء المهم أننا نريد أن الاقتصاد الرسمي يدخل في الاقتصاد غير الرسمي.. لأن الأرقام تتناقض فبعض الأرقام تشير إلي أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل 50% وهناك من يقول إنه 100%، نفترض أنه يمثل 50% نتكلم في تريليونين أصبحت 3 تريليونات.. المعدلات لو نقسمها علي 3 تريليونات هذا يحسن من المؤشرات الاقتصادية للدولة، البنك المركزي أيضا طرح مبادرة لشركات السياحة التي تعثرت زاد لها مدة المبادرة فترة سماح سداد المديونيات نظرا للظروف التي مرت بها.. هذه المبادرات التي يقوم بها البنك المركزي من أجل تحريك الاقتصاد.. سواء مبادرة التمويل العقاري، أو مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والسياحة.. والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تضع الاحتياطي الإلزامي فحين يمول بنك أنشطة لمشروعات صغيرة ومتوسطة بنحو 100 مليون، لا يضع 10% من الودائع في الاحتياطي بالبنك المركزي فهذه تعطيه ربحا أعلي.. لأن أموال الاحتياطي ليس عليها فائدة.. كل هذه المبادرات هدفها محاربة الفقر والبطالة لها مردود اقتصادي واجتماعي. كيف تتعامل البنوك مع حالات التعثر في السداد؟ - بالنسبة للتعثر كل بنك يعالج حالات التعثر وفقا لظروف كل عميل، فإذا كان العميل متعثرا لظروف خارجة عن إرادته، واستخدام الأموال في الغرض المخصص للقرض الذي حصل عليه.. نحن في البنك نراعي هذه الظروف ونعيد هيكلة القرض.. وإذا كان العميل يحتاج إعادة ضخ أموال، نقوم بضخ أموال جديدة لتعويم العميل.. لكن إذا ثبت أن تعويم العميل يزيد المشكلة.. هنا ندرس بدائل أخري.. فكل بنك يدرس ظروف كل عميل علي حدة.. فكل حالة لها خصوصيتها ولها وضعها. ما حقيقة استقالات القيادات المصرفية من البنوك العامة نتيجة تطبيق الحد الأقصي بالبنوك؟ - هناك بعض الزملاء الذين لديهم التزامات مالية وأقساط وخلافه، نتيجة لظروفهم المادية، والمسألة لا تتعلق بالولاء للبلد، لم يتمكنوا من الاستمرار بالمرتبات التي تم تحديدها تركوا البنوك العامة وتوجهوا للبنوك الخاصة. وفي النهاية، أود أن أشير إلي أن الاقتصاد المصري يمضي علي الطريق الصحيح.. ونأمل أن ينحسر الإرهاب هذا العام، ويكون هناك المزيد من الاستقرار الأمني والسياسي، وتعود الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي سابق معدلاتها قبل الثورة، وتعود السياحة لمعدلاتها الطبيعية.. وإذا البطالة انخفضت معدلاتها، وزاد الرخاء يتوافر للمواطنين تعليم عالي الجودة ورعاية صحية مناسبة.. وحين تتحقق العدالة، ويشعر المواطن بثمار النمو والتنمية.. فهذا يقضي علي الإرهاب.