شهادات صحيح"، إفيه مصري شهير أطلقه الفنان عادل إمام في مشهد من مسرحية "أنا وهو وهي"، معبرًا بتلك الكلمات القليلة عن واقع المجتمع في منتصف الستينيات، لكن الواقع الآن تغير مع الألفية الجديدة، بعدما باتت الشهادة الجامعية في بعض الحالات لا قيمة لها، تتبرأ منها بعض الهيئات الحكومية، وتشترط التقدم بالشهادة الثانوية أو الإعدادية كمسوغ للتعيين. الأرقام لا تكذب، فوفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الصادر في أغسطس الماضي، فإن معدل البطالة بين الشباب في الفئة العمرية (18-29 سنة) الذين يشكلون 20 مليونا من إجمالي تعداد المصريين، بلغ نحو 29%، وأن معدل البطالة للشباب الذكور الحاصلين علي مؤهل جامعي فأعلي بلغ 36.4% بينما انخفض إلي 14.7% للحاصلين علي مؤهل أقل من المتوسط والأميين. الأوقاف" تُقلد "الداخلية" وتعلن عن 4258 وظيفة لحملة الإعدادية" في وقت يجد حملة الشهادات الجامعية صعوبة في الحصول علي وظيفة في جهاز الحكومة، أعلنت وزارة الأوقاف عن حاجتها لشغل 4258 وظيفة عامل مسجد من الدرجة السادسة، الأسبوع الماضي، ومن ضمن الشروط أن يكون المتقدم حاصلاً علي شهادة محو الأمية أو الابتدائية أو الإعدادية بحد أقصي، مع تقديم إقرار بأن أي مؤهل أعلي قبل التعيين لا يتم التسوية به ولا يعتد به، أي أن أي متقدم حاصل علي مؤهل جامعي أو ثانوي عليه أن يلقيه في سلة المهملات إذا أراد التقدم للحصول علي هذه الوظيفة. "الأوقاف" لا تقف وحدها في هذا السياق، إذ سبقتها وزارات عدة، منها وزارة "الداخلية" التي أعلنت عن قبول دفعة جديدة من معاوني الشرطة، في ديسمبر الماضي، وقصرها علي الحاصلين علي الشهادة الإعدادية، مع منحهم حق الضبطية القضائية ليست مطلقة، وهو ما أثار موجة من الجدل في الشارع بين المواطنين، خاصة مع تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي لأنباء عن حصول حاملي الإعدادية علي مرتبات مجزية من الداخلية تتجاوز ما يحصل عليه أساتذة الجامعة من حملة الدكتوراه. وكانت وزارة "الكهرباء" سباقة في هذا المجال، إذ استقر الوضع منذ عدة سنوات علي غلق باب التعيينات بالوزارة أمام حاملي الشهادات الجامعية والاستقرار علي تعيين حاملي شهادة الثانوية العامة، لحاجة الوزارة للمحصلين في مقابل تكدس هيئات الوزارة ومصالحها بالموظفين، لكن العقلية المصرية وجدت حلا لهذه المشكلة، لكن البعض تحايل علي هذا الوضع بطريقة ملتوية أدت إلي إهدار كرامة المؤهل الجامعي، من خلال التقدم بالشهادة الثانوية متجاهلا شهادته الجامعية، وبعد التعيين يتجه الموظف إلي التعليم المفتوح للحصول علي شهادة جامعية، ثم يتقدم الموظف بطلب لنقله إلي وظيفة إدارية وقال "أحمد.ا"، أحد الشباب العاملين في وزارة الكهرباء، إنه حصل علي وظيفة محصل بإحدي شركات الوزارة سنة 2012 من خلال الاستغناء عن مؤهلة الجامعي والتقدم بشهادة الثانوية العامة، حيث تشترط شركات الوزارة تقديم شهادة الثانوية فيما يتعلق بوظيفة المحصل، ولا يعتد بالشهادة الجامعية، ويتم التوقيع علي أوراق تتضمن عدم الاعتداد بأية شهادة أعلي من الثانوية، خشية أن يتقدم الحاصل علي الشهادة الجامعية بطلب لتسوية وضعه الوظيفي وفقا لمؤهله، ما يعني نقله من التحصيل إلي الأعمال المكتبية. وكشف أحمد أن هناك حيلة لجاء العديد من المعينين حديثا وباتت عرفا مستقرا داخل وزارة "الكهرباء"، من خلال التقدم للتعيين بالشهادة الثانوية، ثم بعد التعيين والتثبيت في وظيفة المحصل، يبدأ بعدها في اللجوء إلي التعليم المفتوح ويحصل علي شهادة جامعية بتاريخ لاحق علي قرار التعيين، ويتقدم بطلب رسمي لنقله من التحصيل إلي المكاتب الإدارية بما يتناسب مع مؤهله الجامعي. قرارات التعيين لحملة الإعدادية والثانوية أثارت موجة استياء واسعة علي مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل ارتفاع معدل البطالة في المجتمع، خاصة بين حملة الشهادات الجامعية، وضربوا المقارنات بين وقفات حملة الدكتوراه والماجستير للمطالبة بالتعيين علي مدار عدة سنوات، وبين طلب بعض جهات الحكومة تعيين حملة شهادات الإعدادية والثانوية، في وقت تغلق الباب أمام تعيين خريجي الجامعات، وعبر عن هذا كله الحقوقي محمد زارع، مدير الشبكة العربية للإصلاح الجنائي، قائلاً ل"آخر ساعة": "الموضوع كله مثير للسخرية، ففي وقت تعترف فيه الحكومة بازدياد معدل البطالة نسمع بين يوم وآخر عن طلبات لتعيين حملة الإعدادية والثانوية بحجة أن الوظائف التي سيتقدمون لها لا تليق بخريجي الجامعة، في حين تجد أن الخريج الجامعي بلا عمل منذ سنوات ويبحث عن أي عمل". وتابع زارع: "ورغم أن المشكة موجودة في أكثر من هيئة حكومية لكن يظل أخطر تلك القرارات، قرار وزارة الداخلية تعيين حملة الإعدادية في وظيفة معاون الأمن، مع إعطائه ضبطية قضائية يمارسها بكل حرية في منطقة عمله، لأن القرار سيخلق شريحة في الداخلية ذات نفوذ هائل أكبر بكثير من إمكانياتها التعليمية، ما سيؤدي إلي مشاكل خطيرة، ليس أقلها سوء استخدام السلطة، ولنا عبرة من تجربة أمناء الشرطة الذين تحولوا قبل ثورة 25 يناير إلي قوة مستقلة داخل جهاز الشرطة، ومارس البعض منهم عمليات فساد واسعة في الشارع". "هذا تدمير للعملية التعليمية، وإهدار لملايين تنفق في التعليم"، هكذا علقت الدكتورة زينب حسن، أستاذة أصول التربية بجامعة "عين شمس"، مضيفة ل"آخر ساعة": "أن الحكومة مطالبة بوضع معاييرها الواضحة والصريحة في مجال التعيينات، لضمان عدم التلاعب، فكيف ترفض حاصلا علي شهادة جامعية وتحت أي مبرر؟ علي الرغم أن المعروف أن نسبة البطالة أعلي كلما ارتفع مستوي التعليم، فالبطالة بين حملة المؤهلات العليا أكثر من غيرهم". وتابعت حسن: "كيف لطالب جامعي أن يدرس وهو يعلم أن الشهادة التي سيحصل عليها بعد أربع سنوات بلا قيمة، وإذا كانت الحكومة تحتاج إلي تخصصات معينة فعليها أن تحدد ذلك وتعلنه، وهناك التعليم الفني الذي يفترض أنه ينتج الطلاب الذين تحتاجهم الحكومة في الوظائف المساعدة، بما يغلق حجة الاستعانة بحاملي الثانوية والإعدادية، لأن اللجوء إلي الحل الأخير يخلق حالة من عدم المساواة". من جهته، وصف الدكتور محمود الناقة، رئيس الجمعية المصرية للمناهج والتدريس وأستاذ علم المناهج بجامعة عين شمس، التعنت في تعيين حملة الشهادات العليا في مقابل تعيين حملة الشهادات المتوسطة بعملية الهدم لمنظومة التعليم، وأن اللجوء إلي هذا الخيار السهل نوع من الفوضي التي تعاني منها منظومة العمل في مصر، ما سيؤدي إلي ارتفاع نسبة البطالة في مصر، وإنتاج عمالة غير مدربة ما يعني خسارة مضاعفة لسوق العمل. وأضاف الناقة ل"آخر ساعة": "اللجوء إلي حملة الثانوية والإعدادية محاولة بائسة للتغطية علي فشل منظومة التعليم الفني، رغم أنه يفترض أن يكون واسطة عقد التعليم في مصر، لكن نتيجة الإهمال يخرج الطالب من التعليم الفني دون المستوي المطلوب، وبدلا من أن تقدم الهيئات الحكومية دورات تدريبية لهؤلاء الشباب، تلجأ إلي الخيار الأسهل بتعيين حملة الشهادات المتوسطة، علي الرغم من أن التركيز علي طلبة التعليم الفني أفضل، لأنهم يتمتعون بالقدر الأدني من المعرفة في الأمور الفنية التي يحتاجها سوق العمل، وينقصهم بعض التدريب فقط، فلا يوجد عندنا الفني التقني القادر علي العمل في مسائل فنية تحتاجها القطاعات الحكومية كلها، وهو ما يحتم إعادة النظر في منظومة التعليم ككل، من أجل إعادة الاهتمام بالتعليم الفني". من الناحية الاقتصادية، حذرت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة "عين شمس"، من أن اللجوء إلي حملة الإعدادية والثانوية دون ضوابط ستكون له عواقب اقتصادية وخيمة، من حيث قلة الكفاءة وانهيار سمعة المنتج المصري، مشيرة إلي أن لا بديل عن تطوير منظومة التعليم الفني باعتباره الأقدر علي تلبية احتياجات سوق العمل حاليا، والتركيز علي التخصصات التي يحتاج المجتمع الآن، لا العمل علي تهميش التعليم الفني والتعليم الجامعي لصالح التعليم الثانوي.