كان (رماح) يذهب لتلفاز (عباس الراحل) وينصت باهتمام لحديث (ماما نجوي) ولهجتها الطرية الغريبة كأنها تخرج من فمها بلحات رطبة لا أحرف ناشفة كالدوم تبطح وتدمي من يعترضها «يا حبايبي يا حلوين لازم تشربوا اللبن في الصبح والليل متزعلوش بابا وماما». فيذهب إلي أمه ويسألها لماذا لا تسقيه لبناً صباحاً مساءً كأطفال التلفاز، فهو لن يمانع ولن يخيب رجاءها أو يضطرها إلي التوسل إليه أو شكواه ل(ماما نجوي)، كان يقول لها ذلك؛ سيشربه في نفس واحد ولو أتت (ببلاص) سيعبه عبا دون ترغيب. كان تارة يحتويه شعور بأن ما يشاهده هي الجنة التي يبشر بها إمام المسجد بعد الممات في الحياة الآخرة، وتارة يثور مارد الأسئلة الحائر بداخله ، أهؤلاء الأطفال بشعورهم الناعمة المرسلة علي الجباه والأكتاف وبنضارة وجوههم يسكنون الأرض ويفترشون ترابها ويلتحفون سماءها مثله؟ ينامون ويستيقظون مثله؟ يعملون باليومية ويركلون بالأقدام (المشققة) العفنة مثله؟ مارده لا يهدأ.. يلاحقه.. يركن إلي أمه.. لا تعرف بما تجيبه .. يشرد لبه عنها برهة ويستطرد متسائلاً عن ملبسهم الغريب الذي يلبسونه ، فهو يلبس جلباباً يسدل علي جسده من كتفيه حتي قدميه، أما هم يلبسون شيئين مختلفين يغطيان نصفي جسدهم الأعلي والأسفل ، كل علي حدة، كان يسألها بشيء من الحياء وكثير من اللجلجة عن معني( أوكي) التي ترددها كثيراً (ماما نجوي)، كانت تضع يدها المتيبسة علي فمها تداري حيرتها بينما ترنو إليه بعجب وإشفاق . لم يع من النصائح سوي غسل الأسنان بالمعجون والفرشاة، لأن (عباس الراحل) كلما سمع (ماما نجوي) تحث الأطفال الحلوين علي غسل أسنانهم يلتفت إليه ويقول - سامع .. خشمك ريحته زي القبر .. روح شوفلك طين طينه.. والرحلة.. الويك إند.. الشوكولاتة.. أشياء ونصائح استعصي عليه فهمها، غير أنه يعرف كيف يطيع الكبار والصغار قبل أن يدخل التلفاز (الجواني) وقبل أن يسمعها من (ماما نجوي). لم يجد (رماح) أحدا يسمعه وينصت إليه باهتمام غير أمه و (صالح) ابن شيخ الخفر الذي يتلقي تعليمه بالمركز، فكان ملاذه الوحيد لفك طلاسم (ماما نجوي) كما أنه له الفضل عليه في تعلم القراءة والكتابة.