كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يعلنون الحرب علي الإرهاب ويدرجون الدول الراعية والداعمة له علي القوائم السوداء.. وإذا اكانوا ينبذون العنف وينادون بالديمقراطية والحريات ويسعون لإقرار السلام.. فلماذا يصرون علي تصدير الأسلحة عبر الأبواب الخلفية وبوسطاء إلي بؤر التوتر بالشرق الأوسط وإشعال الصراع أكثر في المنطقة، لتلعب هذه الدول كل منها لصالحها خاصة ومخطط التقسيم عامة. فكيف يدعون للسلام ويدعمون الحركات المتمردة والجماعات الجهادية المتطرفة وعلي رأسها تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش" رغم علمهم بسقوط العديد من أسلحتهم في أيدي هذا التنظيم ويستمرون في إرسالها! في ظل المكاسب التي حققها التنظيم بفرض سيطرته علي مناطق متعددة في العراقوسوريا خلال فترة وجيزة، اهتمت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الأبحاث الغربية بمصادر أسلحة داعش والدول التي تمدها بذخائر والإمدادات العسكرية، حيث استعرضت مجلة "فورين بوليسي" هذا التحقيق علي صفحاتها للباحثين "جوليا هارت" و"جيفري سميث" مدعوما بتقرير لمركز "بحوث تسليح النزاعات" المعروف ب«CAR» الذي أنشئ من قبل الاتحاد الأوروبي منذ ثلاث سنوات في لندن، بهدف إعداد تقارير حول الذخائر والأسلحة المستخدمة في الصراعات والنزاعات حول العالم، ويوضح هذا التحقيق بعنوان "من أين يحصل "داعش" علي أسلحته؟" أن ما يقرب من نصف الأسلحة التي تستخدمها عناصر التنظيم هي في أغلبها صناعة أمريكية وصينية وروسية، بالإضافة إلي 18 دولة أخري، فهي نتاج ترسانة الأسلحة التي صدّرت إلي هذه المنطقة منذ عقود حين قررت الدول الكبري التصارع فيما بينها علي امتلاك الشرق الأوسط والاستحواذ عليه، هذا بجانب صفقات السلاح التي تبرم من خلال وسطاء الآن مع الجماعات الجهادية الصنيعة الأمريكية والجيوش المنشقة عن أنظمتهم لصالح الدول الاستعمارية مقابل عقود النفط والغاز الطبيعي، فمن خلال الطلقات الفارغة التي تم ضبطها أثناء المواجهات بين التنظيم والقوات الكردية في شمال العراقوسوريا في يوليو وأغسطس الماضيين، وغيرها من الأسلحة التي سمح الكونجرس بإرسالها الشهر الماضي إلي المعارضة السورية، استطاع الباحثون معرفة المصادر المختلفة التي تتزود منها الجماعة الجهادية، كما بات هناك العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة هؤلاء المتمردين، وقد قام فريق من «CAR» بتصنيف أكثر من 1730 فارغا من الرصاص حسب تاريخ ومكان صناعتها، ووفقاً للفريق البحثي إن فوارغ قذائف تبين أن 445 منها من صناعة صينية، 338 من صناعة دول الاتحاد السوفيتي السابق، وأن 323 منها من الصناعة الأمريكية، و27 تركية و200 من إيرانوتركيا وبلغاريا ورومانيا، كما أن هناك نوعا من الذخائر للأسلحة الخفيفة الخاص بالناتو، وجاء ذلك التقرير قبل اعتراف وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بأن طردين من المساعدات العسكرية التي يتم إسقاطها جواً ضلا طريقهما عن يد أكراد سوريا في مدينة عين العرب، ووقعت في يد متشددي تنظيم "داعش" الذين يحاصرون المدينة، مما رآه بعض المحللين أنها محاولة منهم إما لإخفاء حقيقة إخفاقهم أمام هذا التنظيم أو أنهم يتعاملون معهم كصفقات تجارية، حيث تؤكد معلومات استخباراتية عدة أن دخل التنظيم من بيع النفط وغير ذلك من المصادر يسمح له بالقيام بصفقات لشراء أسلحة إضافية من الشركات والتجار الذين يستفيدون من هذا النوع من النزاعات، بالإضافة إلي الأسلحة التي حصلوا عليها من جهات مانحة أجنبية، كما أن سيطرة تنظيم داعش علي عدة مناطق دفع العديد من الدول الأوروبية علي رأسها ألمانيا إلي تسليم أسلحة مثيرة للجدل، حيث وافقت تسع دول أوروبية علي إرسال إمدادات عسكرية لمقاتلي البشمركة الأكراد في شمال العراق، ويقول بيتر ويزمان باحث في "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، رغم أن طهران وموسكو يزودان نظام الأسد بالأسلحة، إلا أن الأخيرة قد تتراجع مستقبلاً عن دعم الأسد بالأسلحة الثقيلة وبالطائرات المقاتلة. ورغم إعلان واشنطن حربها علي التنظيم الذي وصفه الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ب"شبكة الموت" إلا أن ترسانة الأسلحة الخاصة بالدولة الإسلامية تأتي من الولاياتالمتحدة والقارة العجوز وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق مثل أوكرانيا، وعلي ضوء هذه المعطيات يحذر البحث من خطورة تزويد داعش بالأسلحة عبر وكلاء في المنطقة، ويشير إلي أن القوات الأمنية التي تتسلم الذخائر ليست قادرة علي الاحتفاظ بها، ما ينذر المدافعين عن التدخل العسكري في سورياوالعراق بعواقب وخيمة. ومثلما كان هناك اتهام سابق من قبل صحيفة "وورلد تربيون" الأمريكية نشر في أغسطس الماضي لعدد من دول أوروبا الشرقية وحلف الناتو بتقديم التسهيلات لنقل الأسلحة من وإلي القارة العجوز وراء ستار الإمدادات والمساعدات الإنسانية إلي سوريا والمناهضين لنظام الأسد، ويسعي البيت الأبيض للحصول علي موافقة من الكونجرس لتسليح وتدريب الجماعات -التي في ظاهرها معارضون للأسد وفي باطنها داعش- بنحو نصف مليار دولار. كما أظهرت الصحيفة الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في تسليح هذا التنظيم. في حين وصف الإعلامي الأمريكي "جون ستيورت" واشنطن بقائد الحروب في منطقة الشرق الأوسط عبر تصديرها أسلحة متعددة إلي دول المنطقة، رغم ما تدعيه الإدارة الأمريكية من أنها تسعي إلي تحقيق وحفظ السلام بالمنطقة، وفقاً لصحيفة "هافنجتون بوست" الأمريكية. ففي برنامجه "ذي ديلي شو" تساءل ستيورت متهكماً "كيف ترعي واشنطن السلام وهي التي ترسل العديد من الأسلحة إلي دول المنطقة! وأضاف إن مثل هذه الشحنات العسكرية تهدف إلي شيء آخر غير السلام، لذا يجب النظر لما يحدث في الشرق الأوسط من صراعات ونزاعات بالسلاح الأمريكي».