حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينى إتمام المصالحة الفلسطينية، والاتفاق علي تمكين حكومة الوفاق الوطني من بسط كامل نفوذها علي قطاع غزة والضفة، هي الخطوة الأهم نحو إنهاء حالة الانقسام التي أضعفت الجسم السياسي للمجتمع الفلسطيني الذي عاني من استمرار الخلافات والتجاذبات التي لم تستفد منها سوي إسرائيل. ورغم حالة الترقب لما تحمله الأيام المقبلة، مع بداية عمل حكومة الوفاق علي أرض الواقع، ودون إفراط في التفاؤل، هناك تحديات كبيرة قد تضعف من القوي الضاغطة باتجاه المصالحة، وربما مازال هناك قدر من الغموض يكتنف نوايا الجانبين في حالة استئناف المفاوضات السياسية مع الجانب الإسرائيلي. حركة فتح من جانبها تركز علي ضرورة تمكين حكومة الوفاق من بسط سلطتها في قطاع غزة حتي تتمكن من حل المشاكل فيه، وفي مقدمتها إعادة الإعمار، ووضع المؤسسات وتوحيد الوزارات، هذا ما أكده أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، أمين مقبول، مشدداً علي أهمية تمكين الحكومة بما يشمل الجانب الأمني، ومنع أي مظاهر لميليشيات مسلحة لها سلطة علي الأرض بما يشمل جميع أشكال الأمن الداخلي وإدارة معابر قطاع غزة. وأشار إلي أن تنفيذ اتفاق المصالحة لا يحتاج إلي حوارات جديدة، وجميع الخطوات متفق عليها وهي خطوات مرتبطة ببعضها البعض بشرط تمكين حكومة الوفاق الوطني من بسط سلطتها في غزة. في حين تعتبر حركة حماس أن أهم ما يحتاجه الحوار الجاري في القاهرة هو النوايا الطيبة والثقة المتبادلة والمسئولية الوطنية والبعد عن العموميات والالتزام بما تم الاتفاق عليه نصاً وروحاًً، وفقاً لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عضو وفدها المفاوض في القاهرة، موسي أبومرزوق، الذي لفت إلي أن قراءة كل طرف للآخر قراءة صحيحة من أهم شروط نجاح المصالحة، مشيراً إلي أن الاجتماعات التي جرت بالقاهرة سارت بشكل جيد ومسئولية وطنية وأن الحوار بها شمل كل بنود المصالحة. غير أن السؤال الأبرز الذي طرح نفسه الأيام القليلة الماضية، هو ماهية الأسباب الحقيقية التي أدت لموافقة الطرفين علي التصالح بشكل جدي وسريع بعد عدة محاولات متعثرة، وأجواء تراشق بالاتهامات التي أعقبت وقف إطلاق النار في غزة. يرجع بعض المحللين، أسباب لجوء حركة فتح للمصالحة مع حماس لتعثر مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، حيث مازالت إسرائيل تطالب الرئيس، محمود عباس، بضرورة الاعتراف بيهودية الدولة، وتقديم المزيد من التنازلات في قضية القدس والحدود، كذلك رفض إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة في الأسري، مما أدي لشعور الحركة بخيبة الأمل، وأن المخرج الوحيد للحركة لعدم فقدان شرعيتها في الشارع الفلسطيني هو التصالح مع حركة حماس وتقديم بعض التنازلات لها المتعلقة بإدارة الشئون الأمنية لقطاع غزة وإمكانية دفع رواتب موظفي حكومة حماس السابقة. كذلك يعتبر اتفاق المصالحة وتمكين حكومة الوفاق من بسط نفوذها علي قطاع غزة هو بالنسبة لمحمود عباس بمثابة تحد لحكومة نتيناهو الذي تتهمه مرارا بأنه لا يحكم غزة.. لذلك فنجاح حكومة الوفاق في إدارة قطاع غزة سيكون بمثابة رسالة مباشرة للإسرائيليين بأنه لايوجد أي حجة أو مبرر أمامهم لعدم التفاوض معه في المستقبل.. أما حركة حماس فقد تكبدت أثناء إدارتها لقطاع غزة الكثير من الخسائر والأعباء المالية من أجل توفير رواتب شهرية لموظفي حكومة حماس السابقين. المصالحة وحكومة الوفاق ستمر في الفترة المقبلة باختبار صعب خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة بعد أن أغلقت البنوك نتيجة غضب موظفي حكومة حماس السابقة ومطالبتهم للحكومة الجديدة بدفع رواتبهم كاملة مثلما يتم دفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية القدامي، إلا أن التحدي الأكبر يظل في ضرورة توحيد الجهازين الأمني والمدني في كل من قطاع غزة، والضفة وهو أمر قد لا يكون سهلاً نظراً للخطوات التي اتخذت من قبل الجانبين علي مدي السنوات السبع الماضية. أما التحدي الأهم فيكمن في إجراء انتخابات عامة لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة إلا أن هناك صعوبات فنية وسياسية تجعل من إجراء الانتخابات خلال ستة أشهر كما اتفق عليه أمرا بالغ الصعوبة. إلا أن أهم التحديات التي تواجه حكومة الوفاق الوطني كما يراها الدكتور بركات الفرا، السفير الفلسطيني السابق بالقاهرة، هي الممارسات الإسرائيلية الماضية في سياساتها الاستعمارية حيث إنها لا تحاول الوصول للسلام وأنها مصرة علي احتلال فلسطين بالكامل.. ويؤكد الفرا أن محاولة التصريح الأخيرة بعدم إعادة الوفد الإسرائيلي للقاهرة ماهي إلا مزيد من الأدلة علي أن إسرائيل ماضية في هذه السياسية، ويلفت إلي أن فلسطين الدولة الوحيدة التي مازالت تحت الاحتلال وطالما أن المجتمع الدولي قد توجه نحو "داعش" من أجل مصالحه وأن الدول العربية أصبحت منشغلة بقضاياها الداخلية فإن كل مايجري في فلسطين سيمر بردا وسلاما علي إسرائيل. ويذكر السفير الفلسطيني السابق بالقاهرة، أن غزة هي قطاع مناضل انطلقت منه الثورة واستوعبت إلي أن هذا القطاع الصغير المحدود التي يوجد به كثافة سكانية ضخمة في ظل عدم وجود صحة ولا تعليم ولابنية تحتية ومع ذلك هو صامد، ولابد أن يكون هناك دولة فلسطينية وقطاع غزة هو جزء أساسي من الدولة الفلسطينية.