ألكس سالموند مفجر رغبة الاستقلال عن المملكة المتحدة، كانت فئة ليست بقليلة من الاسكتلنديين يحلمون ببلد ريفي يعيش من تصدير الويسكي، ويولد احتياجاته من الطاقة عن طريق الرياح، ويمضي سكانه سهرات الويك إند في مهرجانات الموسيقي بشوارع العاصمة إدنبره. ولكن رياح الاستفتاء جاءت بما لا يشتهيه هؤلاء، إذ أسفرت النتيجة عن فوز «لا» ب55.42% مقابل 44.58% ل « نعم »، واعترف سالموند نفسه بالهزيمة قائلاً: «لقد قررت اسكتلندا بالأغلبية ألا يصبح بلداً حرا» ، ثم أعلن الرجل استقالته من منصبه كرئيس وزراء اسكتلندا. خيار «نعم للاستقلال»، كان يسارياً بامتياز تبناه الاشتراكيون ومن والاهم، للانتقام من سنوات حكم الليبراليين الجدد وزعيمتهم الراحلة مارجريت تاتشر المرأة الوحيدة التي تولت رئاسة وزراء بريطانيا، وصاحبة أطول فترة في ذلك المنصب، حيث حكمت من عام 1979 ل1990، وجاء التصويت بلا علي انفصال اسكتلندا لتتجنب بريطانيا خسارة ثلث مساحتها، وتراجع اقتصادها من السادس للثامن عالمياً ومن الرابع للسادس أوروبياً، وأن غواصاتها النووية الكامنة في أعماق المياه الإقليمية الاسكتلندية مجبرة علي الرحيل.. باختصار لقد تجنبت الإنجليز كارثة وطامة كبري كانوا أقرب إليها من حبل الوريد. ولو كانت نعم هي الرابحة، لكان علي حزب العمال (المحسوب علي اليسار) نسيان عنوان رئاسة الوزراء في 10 داونينج ستريت، نظراً لما للحزب من توافق أيدولوجي مع متزعمي نعم للانفصال في اسكتلندا، ولكان علي المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون الدخول في مواجهة شرسة مع نيجل فاراج زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة المعادي لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي والمطالب باستقلاليتها التامة عن القارة العجوز. بقاء اسكتلندا ضمن الحظيرة الإنجليزية قد يخفف من عدوي النزعات الانفصالية في بلجيكا المنقسمة علي نفسها بين عرقي الفلاندر أو الفلمنك الناطقين بالهولندية ويشكلون 59% من السكان، والوالونيين المتحدثين بالفرنسية ويشكلون 41% ولربما يكون لسكان إقليم كاتالونيا في أسبانيا رأي مشابه في الاستفتاء الذي سيجري في نوفمبر المقبل علي بقاء الإقليم من عدمه تابعاً للحكومة المركزية في مدريد. تصويت الاسكتلنديين ب «لا» علي انفصال بلادهم عن إنجلترا، كان له 5 أسباب واضحة، أولها: اقتصادياً، حيث لعب الرافضون للاستفتاء (وأغلبيتهم من الطبقة الغنية الرأسمالية) علي وتر الدين العام وعدم كفاية احتياطي البترول في بحر الشمال وتضخم القطاع المصرفي، وتحذير الخبراء الاقتصاديين من أن البلاد لن تصمد أمام أي أزمة مالية، فضلاً عن إعلان أكبر بنكين في البلاد، وهما البنك الملكي الاسكتلندي RBS وبنك لوليدس، أنهما سيغادران إلي لندن في حال التصويت بنعم، كما أن إجابات المروجين للانفصال علي كيفية تسديد المعاشات لكبار السن لم تكن مقنعة. سياسياً، الرغبة في الانفصال تحمل بصمات الناخبين الموالين لحزب العمال البريطاني، لذا فإن كثيرين كانوا يرغبون في الطلاق الأبدي عن إنجلترا بما يحملونه من ذكريات سيئة عن فترات حكم اليمينين المحافظين، ولا سيما حقبة مارجريت تاتشر، فيما آخرون كانوا يفكرون بطريقة مختلفة ويرون ضرورة البقاء داخل المملكة المتحدة والدخول في مواجهة مع المحافظين بقيادة رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون. أوروبياً الانفصاليون كانوا يقدمون أنفسهم كمتحمسين جداً للانضمام للاتحاد الأوروبي، علي اعتبار أنهم بذلك يتميزون عن ديفيد كاميرون الذي ينوي إجراء استفتاء عام 2017 علي بقاء بريطانيا داخل المنظومة الأوروبية الموحدة، ولكن المشكلة تكمن في موقف الاتحاد الأوروبي نفسه الذي ما كان ليقبل بعضوية اسكتلندا كدولة جديدة بوضع مالي مضطرب. اجتماعياً بعيداً عن العائدات النفطية، فإن اسكتلندا حالياً مدعومة من بريطانيا، ومتوسط إنفاق الفرد شهرياً يبلغ 1300 جنيه استرليني، وهو مستوي أعلي من المواطن الذي يعيش في إنجلترا نفسها، وعلي هذا الأساس فإن عجز الموازنة في اسكتلندا يشكل 14% من إجمالي الدخل القومي، ولكن مع عائدات البترول كان من المفترض أن ينخفض العجز إلي 8% من إجمالي الدخل القومي، وهو بذلك يقترب من عجز موازنة المملكة المتحدة نفسها والبالغ 7%، وتبقي تلك النسبة مرتفعة بالنسبة لبريطانيا، ولكنها مقبولة لاسكتلندا في حال استقلالها، ولكن ذلك كان سيحرمها من توفير نظام حماية اجتماعية ورفاهية علي غرار الدول الاسكندنافية كمان كان يحلم الانفصاليون. ملكياً.. علي خلاف الإنجليز فإن الاسكتلنديين غير مولعين بالفلكلور الملكي ولا يهتمون كثيراً بالأسرة المالكة وأخبارها، غير أن الحمل الثاني كيت ميدلتون زوجة الأمير وليام حرك لديهم بعض الفضول، كما أن كلمات الملكة إليزابث نفسها لامست عند الاسكتلنديين وتراً، حينما قالت، عقب خروجها من قداس كنيسة بالقرب من مقر إقامتها في بالمورال، يوم الأحد 14 سبتمبر السابق علي الاستفتاء: (علي الناخبين أن يفكروا في مستقبلهم جيداً)، قبل أن تدعو الله أن (يحمينا من سوء الاختيار).