٫ سرعان ما دبت الخلافات مجدداً بين حركتي "فتح" و"حماس"، بعد فترة قصيرة من المصالحة، تغني خلالها الشعب الفلسطيني، خلال العدوان الإسرائيلي علي غزة، بتوحد وفده المفاوض في القاهرة، فرحاً بتوحد المقاومة الفلسطينية عسكرياً وسياسياً، وتصاعدت من جديد لهجة الاتهامات المتبادلة والاعتقالات والملاحقات، والتي تحولت لتراشق إعلامي بين رئيس الوفد الفلسطيني، عزام الأحمد، ورئيس وفد حركة حماس، أبومرزوق. بدأ مشهد المشادات والتراشقات عندما اتهم الرئيس محمود عباس، خلال اجتماع للجنة التنفيذية لحركة فتح في رام الله، حركة حماس بأنها أقامت حكومة ظل في قطاع غزة وسرقت المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني مقيمة سوقاً سوداء في القطاع لبيع تلك المساعدات، مستنكراً ما قامت به المقاومة الفلسطينية من إعدام لعدد من المتعاونين مع إسرائيل في محاكمات ثورية، الأمر الذي استنكرته حركة حماس، ووجهت دعوة رسمية لحركة فتح بضرورة إرسال وفد بأقصي سرعة لإنهاء كل الملفات العالقة، وأولها تولي حكومة التوافق مهامها بشكل كامل في مناطق قطاع غزة. كما دعت حماس، محمود عباس، لوقف التحريض الإعلامي ضدها، وإعطاء الفرصة للحوار والتفاهم بين الحركتين مستهجنة هجومه عليها وتحميله إياها مسئولية الحرب الأخيرة علي غزة، وذلك بعد أن هدد أبومازن بفك الشراكة معها إن لم توافق علي سلاح وشرعية وقرار واحد. أما السكان المحاصرون في غزة، والذين مازال الألم يعتصرهم جراء الحرب، فعبروا عن سخطهم من الحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية في ظل تراجع التأييد العربي والرسمي والشعبي لها، وينذرون من اتساع دائرة الخلاف الداخلي الذي يمكن أن ينعكس علي أوضاعهم التي تراجعت كثيراً بسبب الحرب. وتمتد خشية أهالي غزة إلي التخوف من إعاقة الخلاف الداخلي وعدم الاتفاق الحقيقي علي حكومة التوافق، بأن يكون ذلك مقدمة لإطالة عملية إعمار ما دمرته إسرائيل خلال الحرب، وهو ما من شأنه أن يجعل آلاف الفلسطينيين يبيتون في مراكز الإيواء طوال فصل الشتاء، خاصة بعد أن أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، علي لسان المفوض العام «بيير كيرينيول»، أن إعادة إعمار غزة ربما تحتاج لعقد من الزمان، مؤكداً أن ذلك من شأنه أن يزيد تفاقم الخلاف بين الحركتين وأن يؤثر علي الدعم الدولي في إعادة إعمار القطاع حيث يشترط المجتمع الدولي أن تتولي حكومة التوافق مسئولية إعادة الإعمار. وأكد أن كل المخاوف التي ساقها أبومازن في مهاجمته لحركة حماس طبيعية وموضوعية، مشيراً إلي أن هناك 27وكيل وزارة في قطاع غزة تابعين لحماس يشكلون بالفعل ما يسمي بحكومة الظل، ويري أن حكومة التوافق حتي الآن لم تستطع بسط سيطرتها علي القطاع في ظل تحكم حماس، لافتاً أيضاً إلي أن تجدد الخلافات مرة أخري بين فتح وحماس، سينعكس بالسلب علي المفاوضات بين فلسطين وإسرائيل، موضحاً أن السلطة الفلسطينية عليها توسيع دائرة القرار ودعوة الإطار القيادي المؤقت للاجتماع لتلافي ازدواجية السلطة التي تهدد القطاع. في حين يري الباحث الفلسطيني، عبدالقادر ياسين، أن موقف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ومهاجمته لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، أمر "مخز"، مؤكداً أن عباس هو السبب الرئيسي في تدهور الأوضاع بفلسطين. ويري أن سبب مهاجمة عباس لحركة حماس هو تنفيذه لشروط إسرائيل في التهدئة فإما السلام الإسرائيلي أو حماس. فيما وصف المتحدث باسم حركة حماس، سامي أبوزهري، تصريحات الرئيس عباس ضد حركة حماس عبر الإعلام بال"غير مبررة"، وتعتمد علي معلومات وأرقام مغلوطة ولا أساس لها من الصحة، ودعا أبوزهري، الرئيس عباس للتوقف عن الحوار عبر الإعلام وإعطاء الفرصة للحوار والتفاهم بين الحركتين. من جانبه، حمل الدكتور مرسي أبومرزوق، القيادي بحركة حماس، ورئيس الوفد المفاوض باسم الحركة، حكومة الوفاق الوطني مسئولية إعادة إعمار قطاع غزة، مشيراً إلي أن إعادة إعمار قطاع غزة تحتاج إلي المليارات من أجل ترميم الدمار، ومطالباً بتكثيف الجهود الدولية والعربية من أجل توفير المساعدات اللازمة لإعادة أرجاء القطاع، مؤكدًا أن هناك اتصالات تجري من أجل تهيئة الأجواء في قطاع غزة للإسراع بعجلة "بدء إعمار القطاع". علي الجانب الآخر، يري سليمان أبودية، مدير دائرة فلسطين في مؤسسة فريد ريش قاومان الألمانية، أن قيام حركة حماس بإعدام مجموعة من الفلسطينيين بحجة التخابر مع إسرائيل واستئثارها بنصيب الأسد من القوة السياسية والعسكرية داخل قطاع غزة أمر يدفع بمحمود عباس إلي التخوف من استمرار وجود سلطتين علي الأراضي الفلسطينية، كما يدفعه ذلك إلي التأكيد علي ضرورة احتكام قطاع غزة من منطلق قانون فلسطيني موحد خاصة أن حماس لم تقدم علي أرض الواقع ما يؤكد رغبتها في تسليم إدارة غزة إلي حكومة وحدة وطنية. وحول ما إذا كان الخلاف الفلسطيني بين فتح وحماس قد يعوق التوجه نحو المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كما نص اتفاق التهدئة، يقول أبودية، إن الطرف الإسرائيلي غير مهتم أصلا لمفاوضات جدية مع الفلسطينيين حيث كان يبحث عن ذرائع تجعله يعلق تلك المفاوضات وكان يربط بين العودة إليها وبين شرط عدم وجود حماس في حكومة وحدة وطنية، رغم علمه أن الطرف الفلسطيني لن يقبل بهذا الشرط أبداً. وأشار أبودية للموقف الإسرائيلي وعدم رغبة إسرائيل في مباشرة عملية السلام، وإلي تهربها من الالتزامات المرتبطة بالمفاوضات السابقة مع السلطة الفلسطينية فهي لم تقدم في رأيه أي تنازلات من شأنها المساهمة في إحداث تقدم ملحوظ كما لم تلتزم بعد باتفاق إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من الأسري لذلك يشدد أبودية علي أنه علي الطرف الفلسطيني تقوية صفوفه الداخلية دون ربط ذلك بمسألة المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي.