تثق الدكتورة نوال السعداوي في الرئيس السيسي.. تثمن وقفته الوطنية مع الجماهير في ثورة 30يونيو، وتتهم الأحزاب الحالية بأنها لا تصلح لتمثيل الشعب في البرلمان، وتنصح الرئيس بعدم إجراء انتخابات يُنفق عليها المليارات من قوت الشعب لتأتي لنا بالسلفيين والفلول، ورجال الأعمال، وتري أن الديمقراطية تبدأ من البيت عندما يتم تغيير قانون الأسرة ولا يصبح للأب أو الزوج سلطة مطلقة علي المرأة. تهاجم السعداوي، بضراوة من وصفتهم ب(المنافقين) حول الرئيس، وتحذر من النخبة ومجتمع النصف في المائة من الذين استفادوا من فاروق، وعبدالناصر، والسادات، ومبارك، ويواصلون سعيهم للحصول علي مكاسب من السيسي. تؤكد في حوارها مع "آخر ساعة"، أهمية رفض المعونة الأمريكية وتشبهها بالخنجر المغروس في قلب الوطن، وتحصي عشرات الجوائز التي حصلت عليها من مختلف دول العالم دون أن يكون بينهم (ولو) جائزة من مصر! لا تطل شقة الدكتورة نوال السعداوي علي النيل، في الطابق 26 ببرج سكني في شبرا تعيش الكاتبة الكبيرة في صحبة الكتب بعد أن حولت جدران البيت إلي مكتبة تحتوي علي آلاف العناوين لمؤلفين من مختلف دول العالم. "بيتي كله مكتبة بما فيه حجرة النوم".. تقول السعداوي وهي ترانا نقف بخشوع أمام أعمال نادرة للعظماء من المبدعين، ونلمح في عينيها عتاباً – لا نعرف إلي من– ونحن نتفحص الميداليات والجوائز التي توجت بها من رؤساء دول وحكومات بلدان العالم المختلفة. 35 جائزة وميدالية عالمية تسلمتها في دول عربية وأوروبية وأفريقية وأمريكية في حين لم أحصل علي تكريم واحد من وطني. تصمت الدكتورة نوال وتنظر إلي التكييف المطفأ، فتلتقط (الريموت) وهي تشير إليه فينفث الهواء البارد. التكييف من أجل الضيوف.. أعيش علي ارتفاع يمنع درجة الحرارة من مضايقتي.. أحب الأنوار الخافتة، وأجلس لساعات طويلة خلف هذا المكتب أقرأ.. أكتب من 60 سنة، وأستمع إلي الموسيقي وشكاوي المرضي.. هنا بيتي، وأبحاثي، وعيادتي.. ومؤلفاتي في السوق.. ومن المفترض أن توليها الدولة اهتماما، وتعيد طباعتها، بدلا من دور النشر الخاصة.. في ليبيا وتونس ولبنان والمغرب وسوريا واليمن يدرسون علمي. تخبرنا السعداوي بشباب من شبرا يأتون إلي منزلها لعرض مشاكلهم النفسية، وتفيض بالحديث عن ثورة يناير التي كانت السبب في علاج الكثيرين من أمراض العزلة والاكتئاب، في الوقت الذي منحت أيضا- انتهازيين الفرصة لتكوين أحزاب. ستقول: أنا طبيبة نفسية، وأستطيع أن أحكم علي الشخصية من صوتها، ونظرة عينيها، وأدرس علاقة الإبداع بالطب النفسي والتمرد، والثورة. تنفي اتصالها بالمسئولين، لكنها لا تخفي أمنيتها في أن يصدروا أوامرهم بإنشاء قسم في الجامعة يهتم بعلاقة الطب النفسي والتمرد والثورة. وتتساءل: لماذا يذهب علمي إلي الآخرين من طلاب الجنسيات المختلفة ولا يستفيد به أبناء مصر .. بلدي!؟ مؤلفاتك نالت ثناء عالميا.. فهل تنتظر السعداوي نوبل؟ - رشحت لها 5 مرات من قبل .. وكبار النقاد في السويد تحدثوا إليّ في هذا الأمر وهم يؤكدون أنني لابد أن أنالها هذا العام. هل تتوقعين اهتماما خاصا من الدولة إذا اقتنصت نوبل؟ - نعم.. سيمنحني رئيس البلاد قلادة النيل، وكأن التقدير لابد أن يأتي من الخارج أولا. وماذا إذا لم تحصلي علي الجائزة ؟ - سيتم تقديري ولو بعد 400 سنة لأنني كاتبة متمردة، ولست كنجيب محفوظ الذي كان كاتبا للسلطة. وبما تفسرين عملية التضييق عليك من الأنظمة المختلفة؟ - الإبداع.. عندما أكشف عليك فهذا يعني أنني أخلع ملابسك، فالإبداع يعرّي المجتمع.. أنا ضد التعرية من أجل البغاء مع ملاحظة وجود أنواع متعددة من البغاء: فكري، وسياسي، وثقافي، وليس جنسيا فقط.. والتضييق عليّ لم يحدث في مصر فحسب، ففي أمريكا عندما كنت أدرس في جامعة (ميزوري) عام 2007 ما أبرع في تدريسه أثبت التوأمة بين بوش وبن لادن، وكلاهما وجهان لعملة الأصولية وحين عرف رئيس الجامعة بما قلت حاول أن يفسخ عقدي لأنه من أتباع بوش والمؤمنين به ولكن العميدة (أديل) رفضت نقض العقد، وهكذا كنت أدفع ثمن حريتي في كل مكان أذهب إليه. وهل هناك خيط يجمع الأصولية؟ - خطتهم الاستراتيجية واحدة، فالتوراة مبنية علي الآيات وكذلك الإنجيل والقرآن، وهو ما يعني العودة إلي النص.. استغرقت عشر سنوات في دراسة التوراة والإنجيل والقرآن تناولت فيها النواحي الإبداعية، والاختلافات الفكرية، ورصد القيم الإيجابية المتعلقة بالمساواة، والعدالة وحقوق المرأة، والاشتراكية والرأسمالية ودفعت ثمن ما قلته حين تحدثت عن الآيات في الكتب السماوية. ما يميز الإسلام عدم وجود كهنوت، ولذلك فإن منصب شيخ الأزهر أو هيئة الإفتاء غير موجود في الإسلام، فلا يوجد وسيط بين العبد وربه، وإذا أخطأ رجل الدين في تفسير النص وتبعته فأنت من تعاقب لأن مسئولية الدين مسئولية شخصية.. والدي تخرج في دار العلوم والقضاء الشرعي وتمرد وتم نفيه، وقال لي: ليس هناك أحد بينك وبين الله.. وهو الدرس الذي لم أنسه. ولكن البسطاء يحتاجون إلي من يعرفهم بأمور دينهم؟ - جدتي لم تقرأ كتابا، وكانت تفهم الإسلام أكثر من المشايخ، وعندما كان عمري خمس سنوات رأيتها تقود القرية ضد العمدة والإنجليز والملك، وخلفها طابور من الفلاحين، كنا حفاة وهي تقول للعمدة بجرأة: أنتم تسرقون عرق جبيننا، هذا ظلم. فقال لها العمدة: »إيش عرفك بربنا يا فلاحة يا حافية.. هو أنت بتعرفي تقري في المصحف«. ردت عليه قائلة: وهو ربنا كتاب بيخرج من المطبعة ياعمدة.. أنا أعرف الله أكثر منك.. ربنا هو العدل عرفوه بالعقل. جدتي أرسلت ابنها (أبي) إلي القاهرة ليتعلم، وربطت حزاما علي بطنها لتحتمل الجوع وتنفق عليه. كيف تقرأ نوال السعداوي الآن ما يحدث في الدولة المصرية؟ - البلد في موقف خطير.. والمعونة الأمريكية خنجر في قلب مصر.. وعلي الرئيس أن يرفضها.. أمريكا تريد معاقبتنا لأننا تحررنا من الإخوان، ولا بد من توحيد الصف بين المسلمين والأقباط، واليسار، واليمين، والاشتراكيين، والرأسماليين، والقوي الشعبية والوطنية. لا أحتمل رجوع الإخوان..ولا أظن أنهم سيعودون رغم مساندة أمريكا وإسرائيل وبعض طبقات الرأسمالية المصرية والمتعاونين معهم في الداخل سرا وعلانية.. سوف ننتصر بشعبنا العادي الذي يلتئم مع الجيش والشرطة الوطنية والمثقفين الحقيقيين.. لا يمكن أن يخمد العالم بأسره ثورة شعب، ولكني أحذر من فتح معارك جانبية. وماذا عن النخبة؟ - النخبة - باستثناء قليلين - باعت نفسها للسلطة، أنظر إليهم، إنهم يعيشون في القصور، ولديهم المليارات في البنوك، وكل منهم يسعي إلي مصلحته الخاصة، هذه النخبة كانت مع الملك، واستفادت من عبد الناصر، وربحت من السادات، وكونت ثروة في عهد مبارك، والآن أري المنافقين منهم وهم الأغلبية يتضاعف عددهم حول السيسي ويستفيدون من الالتفاف حوله، ولذلك يجب توجيه ضربة قوية إليهم قبل أن يتحولوا إلي ظاهرة.. هم الآن يحاولون تصوير السيسي علي أنه الحاكم بأمر الله مع أن الرجل يريد من الجميع أن يمدوا أيديهم لبناء مصر الجديدة. وكيف تنظرين إلي الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ - إجراء الانتخابات البرلمانية خطأ كبير، وإذا حدثت فإنها ستقسم الناس، فالأحزاب السياسية من وجهة نظري مثل الحدأة، تم تكوينها أثناء الثورة عن طريق انتهازيين، هرولوا لمقابلة البرادعي في المطار ظنا منهم أن رجلا قادما من أمريكا باستطاعته قيادة الثورة.. وهم أيضا من شتموه بعد ذلك! هل هذا يعني أن الأحزاب الحالية لا تصلح للبرلمان؟ - مؤكد.. فكيف نوافق علي أن يخوض حزب سلفي الانتخابات ويحصل علي مقاعد وهو أكثر تخلفا من الإخوان، ولهذا أنصح السيسي بعدم إجراء الانتخابات البرلمانية التي سيتم الصرف عليها بالمليارات من قوت الشعب لتأتي لنا بانتهازيين من أنصار مبارك، ورجال الأعمال، وأعضاء حزب الوفد الرأسمالي، بينما فئات من الشعب وشباب الثورة تم تشويههم من آلة إعلامية ينفق عليها رجال أعمال ظهر علي شاشاتها مبارك خطيبا يسب الثورة. وماذا أيضا؟ - هناك قطر وتركيا، أذناب البيت الأبيض، قطر تمتلك أكبر قاعدة عسكرية لأمريكا، وقناة الجزيرة التي تغطي الاستعمار الأمريكي، فضلا عن أن قطر صديقة لإسرائيل. في ظنك لماذا تحاول أمريكا فرض هيمنتها علي مصر؟ - مصر الوحيدة في المنطقة العربية التي تملك مقومات الدولة، مصر عريقة وستظل متقدمة بعقول أبنائها الذين يدرّسون العلم لأمريكا.. لكن أمريكا تمتلك الإمكانيات، وتسعي منذ ثلاثينيات القرن الماضي للاستحواذ علي بترول العرب بمساعدة إسرائيل.. لديهم خطة كبيرة لاستغلال المنطقة ينفذونها منذ 80 عاما. اكتشاف البترول العربي جعلهم يساندون إسرائيل لكي تساعدهم في الاستيلاء علي النفط، فقامت حرب 48 ومن بعدها حرب الخليج 91 وحرب العراق في 2003. تم قتل صدام حسين عندما عرفوا بنيته في تأميم النفط، وعزلوا مصدق في إيران، وكانت مشكلتهم مع عبد الناصر في تأميم القناة.. كلمة تأميم تثيرهم بالفزع.. القذافي قُتل.. والسودان تم تقسيمه، وما يحدث في ليبيا وسيناء جزء من الخطة. كيف؟ - بعد الشيوعية، كان لا بد من تقديم عدو جديد وهو الإرهاب الإسلامي، ليتم استخدامه ضد قيام الشيوعية من جديد، ولذلك فأمريكا هي التي صنعت (داعش) وهم أيضا من يضربونها اليوم لأن السياسة تخلو من القيم. هل تعتقدين أن هناك أعمالا ممنهجة للقضاء علي الثورة؟ - الشعب لم يتعلم.. تعليمنا هابط.. ومن ينل قسطا منه يصبح أسوأ من الأمي .. في العالم كله يتم تجهيل الشعوب وهذا جزء من خطة تدعيم النظام الطبقي الأبوي العنصري الرأسمالي حتي لا تثور الشعوب ضد الفقر، ورجال الأعمال الحاليون جزء من الطبقة الإقطاعية الرأسمالية التي خانت عبد الناصر وكانت تعمل ضده مع أقطاب الوفد بقيادة محمد نجيب وهو ما أحدث الفتنة بين الضباط الأحرار، وحين انتصر عبد الناصر لم يغفروا له، وهذه الطبقة هي التي دائما تخون وتتآمر علي الدولة بتحالفها مع الاستعمار الخارجي والمتاجرة مع إسرائيل.. للأسف هذه الطبقة لم تختف. هل تراقب نوال السعداوي مشروع قناة السويس؟ - لم أدرس المشروع، لكني أثق في السيسي لأنه وقف مع الشعب في ثورة 30 يونيو، ونفذ إرادته، وكنت أطمح أن يحكم البلاد بدون إجراء انتخابات رئاسية، فقد كنا نعرف أنه القادم بدونها، وكان يجب أن يقول فقط إن البلد في حالة حرب ولهذا أقول له الآن : (مش عايزين) انتخابات برلمانية. وماذا عن الديمقراطية؟ - الديمقراطية تبدأ من البيت حين يتغير قانون الأسرة، ولا تكون للزوج سلطة مطلقة علي الزوجة، أو تكون للأب نفس السلطة علي الأولاد، ويتم منع تعدد الزوجات حتي تشعر المرأة بالطمأنينة.. قانون الزواج والطلاق يستعبد المرأة، ولا بد من تحريرها لأنها تمثل نصف المجتمع، ودائما أقول إن قضية المرأة هي قضية الوطن. مشكلة المصريين أنهم يولدون في خوف ويعيشون في خوف ويموتون بالخوف، ولذلك حين كنت صغيرة، كان المدرسون يخوفونني بالنار في الآخرة كانوا يريدون تحويلنا إلي عبيد.. ذهبت لأمي وأخبرتها.. فقالت لي: لا يوجد نار (كانت تقصد أن تحررني) ولهذا فالحرية صنعت مني مبدعة.