, الفيل الأزرق هو الفيلم الأكثر انضباطا فنياً ضمن أفلام العيد، وربما يكون مستواه الفني المتميز يؤهله ليكون مادة للحديث والجدل بين النقاد لفترة من الوقت، وهو يفتح باب النقاش لطرح هذا التساؤل، هل يمكن أن تكون استعانة السينما بالأدب مخرجا من حالة الركود التي عانت منها لسنوات؟ البعض يترحم علي تاريخ السينما المصرية وعصرها الذهبي، مبرراً حالة التردي إلي عدم استعانتها بالأدب، فالأيام الخوالي تشهد غزارة في التعامل مع أدب نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعي، ثم حدثت فجوة عميقة وطويلة، وانتهي زمن استعانة السينما بالأدب كمصدر أول للإلهام، وتصادف أن شهدت الألفية الثالثة حالة تدهور مخيف للموضوعات التي تناقشها السينما، واعتقد البعض أن اختفاء الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية هو السبب أو أحد الأسباب الجوهرية، ولكنها ليست الحقيقة الكاملة، لأن العشرين سنة الأخيرة، شهدت ارتباكا في كل عناصر الفيلم وأولها السيناريو، وفي صحوة مفاجئة جاء فيلم عمارة يعقوبيان المأخوذ عن رواية لعلاء الأسواني، وكأنه يذكر أهل الصناعة بما يمكن أن يقدمه الأدب، للسينما، ثم عادت الأمور لسابق عهدها، وكأن فيلم عمارة يعقوبيان هو بيضة الديك، ولكن في الخمس سنوات الأخيرة، بدأ نجم جديد في عالم الرواية يظهر، حاملا معه مواصفات جديدة ومختلفة، وطقوسا مبتكرة في الترويج للرواية، وكأنها سلعة عادية، ابتكر أحمد مراد طقس عمل تريلر دعائي لإنتاجه الأدبي يشبه تريلر الأفلام مصحوبا بموسيقي، ولقطات من غلاف الكتاب بشكل فني، وربما تكون الميزة في هذا الأسلوب، أنه وصل بمنتجه الفني لقطاع عريض لم يكن يعبأ مطلقا بميزة القراءة، فأصبح هناك جمهور من الشباب ينتظر روايات أحمد مراد، التي تضم قدرا من الإثارة والتشويق، وتتمتع بأسلوب سهل وبسيط ولكنه لايخلو من الحرفة، وحققت رواياته تراب الماس، فارتيجو، والفيل الأزرق مبيعات ضخمة لم تتحقق لمبيعات أي روائي معاصر، ورغم أن فارتيجو لم تحقق نجاحا عند تحويلها إلي مسلسل تليفزيوني، إلا أن الفيل الأزرق، كان له شأن آخر! رغم أنه يبدو جسما غريبا وسط مجموعة أفلام العيد التي تميل جميعها للكوميديا بأنواعها! الفيل الأزرق من إخراج مروان حامد، وسيناريو أحمد مراد نفسه، مع ملاحظة أن كثيرا من الأدباء الكبار كانوا يمتنعون عن كتابة سيناريوهات أفلامهم ويتركون ذلك لكتاب سيناريو آخرين، فعلها نجيب محفوظ، وكان يبدع في كتابة سيناريوهات عن روايات إحسان عبدالقدوس، ولم يفعلها مطلقا أن قام بكتابة سيناريو لأي من رواياته، وتبريره لذلك أنه وضع كل مايريد قوله في الرواية المكتوبة، وعلي أي كاتب سيناريو آخر أن يضيف إبداعا موازيا عندما يحولها إلي عمل سينمائي! وجهة نظر جديرة بالاحترام، ولكن يبدو أن أحمد مراد كانت له وجهة نظر أخري، ورغم أن سيناريو الفيل الأزرق يعتبر تجربة ناجحة، إلا أنه يحمل عيوب التجربة الأولي، منها أن الكاتب افترض أن جمهور الفيلم، لابد أن يكون قد قرأ الرواية، وبالتالي لم يهتم كثيرا برسم الشخصيات الأساسية، بنفس الدرجة من الإتقان، ثم إنه لجأ إلي استخدام الحوار في مناطق كان لابد من تقديمها عن طريق الحدث لشدة أهميتها، ومنها حادث السيارة، الذي أدي إلي مقتل زوجة وابنة د. يحيي راشد "كريم عبد العزيز"، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في حياته، وأدي إلي ابتعاده عن مزاولة مهنته "الطب النفسي" لمدة خمس سنوات! وإلي وصوله إلي حافة الانهيار النفسي، مثقلا بحالة من تأنيب الضمير، جعلته يشك أحيانا في مدي صحة قواه العقلية! وربما لأنه أيضا لم يكن في حالة وفاق مع زوجته، ولإفراطه الشديد في تناول الخمور، نتيجة إخفاقه في قصة حبه مع لبني "نيللي كريم"، التي رفض صديقه، شريف الكردي "خالد الصاوي" أن يزوجه إياها! ربما جاء الحادث ليريحه من قصة زواجه الفاشل، ولكنه في نفس الوقت أدي إلي تصدع نفسه، نظرا لوفاة طفلته الوحيدة، المفترض أن الفيلم يقدم حالة صراع بين شخصيتين، كريم عبد العزيز الطبيب النفسي بمستشفي العباسية، وبين شريف الكردي "خالد الصاوي" المتهم باقتراف جريمة قتل بشعة، راحت ضحيتها زوجته الحامل التي كان يعشقها، وتصبح مهمة كريم عبدالعزيز صعبة ومرهقة لنفسه، فهو المسئول عن التحقيق في حالة خالد الصاوي النفسية والعقلية، لمعرفة إن كان في كامل وعيه أثناء تنفيذ جريمتة البشعة، أم أنه يعاني من مرض نفسي ما"شيزوفرانيا" يحميه من حكم الإعدام! ولكن كريم عبدالعزيز أو د. يحيي، يكتشف من خلال لقاءاته وجلساته مع صديقه السابق شريف الكردي، أنه يتصرف وكأن شخصا آخر يسكن جسده! حالة الصراع الثانية بالفيلم تحدث بين د. يحيي ونفسه، فهو يعاني من هلاوس وخيالات، تزداد حدتها بعدما يتناول أقراص "الفيل الأزرق" وهي تشبة عقار الهلوسة، وتجعله يسبح في عالم خرافي من الخيالات السمعية والبصرية، تكاد تصل به إلي مرحلة الجنون المطبق! ربما تكون العناصر الفنية بالفيلم قد ارتفعت بمستواة الفني، وجعلته يبدو مبهراً للجمهور المصري، الذي لم يعتد علي تقديم هذا المستوي الراقي من التصوير والإضاءة "أحمد المرسي"، والمؤثرات البصرية والسمعية "حالات الهذيان بعد تناول العقار"، مضافا إليها موسيقي هشام نزيه، ومونتاج أحمد حافظ، بقيادة مروان حامد ورؤيته الإخراجية التي تعتبر أفضل ماقدمه حتي الآن، أما عنصر التمثيل فهو يشهد تألق كريم عبدالعزيز، الذي يبدو في مستوي حرفي لم يصل به من قبل، مع صعوبة الشخصية، التي تعتمد علي الانفعالات الداخلية في أغلب الأحيان، والأداء الهاديء، الذي يخفي نفساً معذبة مضطربة، إنه ميلاد جديد لنجم شاب كاد يفقد شعبيته بعد مجموعة من الأدوار السطحية، استسلم فيها لنمط واحد من الأداء، أما خالد الصاوي، فقد انحاز لشخصية الجن نايل النكاح "اسمه كده" الذي يحتل جسد شريف الكردي، فهي تبدو شخصية مثيرة ومغرية للإفراط في الانفعال، بينما كادت تخبو تماماً، شخصية المريض النفسي، المتهم بجريمة قتل! أما الشخصيات المساعدة فقد تم اختيارها بعناية "مديرة المستشفي" لبلبة بحزمها تارة وتعاطفها تارة أخري، مع دكتور يحيي، والزميل الحاقد المزعج "محمد ممدوح"، رسامة التاتو شيرين رضا، لبني المرأة التي عشقها د. يحيي، ولم يتزوج بها، وظلت في صراع بين استقرار حياتها الأسرية، وبين حبها ليحيي، أداء هاديء يليق ويعبر عن الشخصية، ربما يحسب لفيلم الفيل الأزرق اقتحامه لأول مرة لعالم الجان، وتأثيرة علي البشر، أما الميزة الأكبر للفيلم فهي مستواه التقني المتميز جدا، وإعادة عالم الأدب إلي السينما المصرية، بعد أن خاصمها وخاصمته لسنوات طويلة!