لم يعد خافيا تعاظم الدور الإسرائيلي داخل قارة أفريقيا خلال العقود الماضية ونجاحها في بناء مصالح مشتركة مع العديد من دولها، فمنذ إنشاء الدولة العبرية وهي تسعي إلي التقارب مع بلدان القارة السمراء في محاولة لكسر عزلتها الإقليمية والعربية انذاك وإيجاد موطئ قدم لها في تلك البقعة الاستراتيجة من العالم عبر إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأفريقية وتقديم مجموعة من المساعدات الخارجية في شتي المجالات دون قيود أو شروط، إلا أن هذا التقارب أصبح يثير العديد من علامات الاستفهام حول ضلوع تل أبيب في تأجيج العديد من القضايا والخلافات داخل القارة، وانتهاجها سياسة تهدف إلي تطويق الدول العربية والإضرار بعلاقتها مع الدول الأفريقية. وقد كان الدافع الرئيسي لإسرائيل للتوجه إلي القارة السمراء يرجع إلي حد كبير إلي حقيقة أن أصوات الدول الأفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة تحسب علي قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة وروسيا، وبما أن إسرائيل كانت تواجه بالفعل كتلة معادية كبيرة من الدول العربية والإسلامية، كان من المهم بالنسبة لها محاولة إيجاد حلفاء جدد و كسب أكبر عدد من الأصوات الأفريقية لتجنب الإدانة المستمرة في الجمعية العامة، حيث إن إسرائيل كانت تملك صوت واحد فقط في الأممالمتحدة وغير ممثلة في منظمة الوحدة الأفريقية، في حين أن العرب كان لديهم 18 عضوا في الأممالمتحدة وستة في منظمة الوحدة الأفريقية. التعاون الإسرائيلي الأفريقي ويري الدكتور مصطفي الجمال الخبير بمركز البحوث العربية والأفريقية أن إسرائيل أدركت مبكرا أهمية أفريقيا كملعب خلفي لمضايقة أخطر أعدائها، مصر، وأيضا للسعي وراء المياه والطاقة والمواد الأولية، فضلا عن الأنشطة الاستخبارية لخدمة المخططات الاستعمارية العامة، وقبض أثمان هذا من الدول الغربية، فمنذ عام 1957 أنشأت إسرائيل وكالة ماشاف للتعاون الإنمائي الدولي، ومن يومها تلعب هذه المؤسسة أدوارا متعددة هدفها الأساسي تعظيم القوة الناعمة الإسرائيلية في أفريقيا (ماليا وتقنيا ودبلوماسيا) وتدخل الوكالة في مشروعات متنوعة مختارة بذكاء مع الاستفادة من النفوذ الإسرائيلي في جلب رؤوس أموال يهودية وغيرها لإنشاء مشروعات اقتصادية واجتماعية في البلدان الأفريقية. ومن الأمثلة المهمة هنا، التعاون في مجالات الزراعة والري المتقدم، وخاصة من خلال التدريب وتوفير التكنولوجيا والتمويل، فهناك مثلا مشروع لتطوير الزراعة في الأراضي القاحلة مع النيجر، ومشروع للتعاون السمكي وتدريب الصيادين مع اوغنداوكينيا وتنزانيا مشروعات للري والزراعة المتقدمة مع جنوب أفريقيا، ومشروع لتطوير نظم الري في السنغال، ومن الأمثلة في مجال الطاقة، اشتراك شركة تلي مينيا الإسرائيلية في تمويل محطة كهرباء في الجابون تكلفتها 151مليون دولار، ومحطة مماثلة في كوت ديفوار بقيمة 500 مليون يورو، ومشروع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في رواندا، وفيما يتعلق بالمجال الاجتماعي، فهناك تعاون مع أنجولا لتأهيل المعاقين من ضحايا الحرب الأهلية وغيرهم ومساعدة جامعة غانا في بناء مستشفي ضخم . كما أوضح أنه بعد انهيار علاقات إسرائيل التاريخية مع نظام جنوب أفريقيا العنصري أولت إسرائيل اهتماما خاصا مع كينيا التي تعتبر المحطة الرئيسية للموساد في أفريقيا، حيث تنشط في الصراعات الأهلية والانفصالية، أما التعاون مع إريتريا فهو قديم جدا وخاصة في المجالين العسكري والتقني، حتي إنه يقال إن إسرائيل استأجرت من أسمرة ثلاث جزر مهمة عند هذا المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث يمر أكثر من 20% من التجارة الإسرائيلية، يضاف إلي ذلك اهتمام خاص بنيجيريا وغانا نظرا لثرواتهما النفطية وكنقط ارتكاز مهمة للعزل بين الشمال الأفريقي وما يسمي أفريقيا جنوب الصحراء وبالطبع فإن إسرائيل لن تستطيع مجاراة عمالقة جدد يدخلون إلي القارة في العقود الأخيرة مثل الصين والهند. القضايا الأفريقية وعلي الجانب الآخر فقد أوضح الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية أن إسرائيل لها وجود قوي في أثيوبيا وأوغندا وكينيا وهي تلعب أدوارا بعضها مستتر وبعضها ظاهر حيث ينشط الإسرائيليون في مجال السياحة والخدمات الأمنية والأنشطة الاستخبارية، ومؤخرا بدأ يكون لهم نشاط في الزراعة وفي الاقتصاد بشكل عام، وفيما يتعلق بأزمة المياه فمن الواضح أن اسرائيل لها علاقات قوية بكل من إثيوبيا وأوغندا وهما الطرفان الأكثر تشددا ضد مصر في إتفاقية عنتيبي. كما أشار إلي أن الاهداف الرئيسية لإسرائيل في أفريقيا هي أهداف سياسية استراتيجية اكثر منها اقتصادية وإن كانت تسعي إلي كسر العزلة وإلي تطبيق استراتيجية شد الأطراف وتطويق مصر عبر قوس واسع من الجنوب، ولكن أحد هذه الأهداف تحقق بالفعل بعد اتفاقية السلام مع مصر حيث لم تعد إسرائيل محاصرة أومنعزلة، ومن ثم تطورت الأهداف الإسرائيلية إلي محاولة خنق مصر عبر محاولات التلاعب بقضايا المياه. وأكد أنه ليس من الممكن أن يتم الحديث عن سياسة عربية مشتركة تجاه السياسات الإسرائيلية بعد الانهيارات التي لحقت بالنظام الإقليمي العربي وبروز التناقضات فيه من القدرة علي التناغم والانسجام لكننا نستطيع أن نتحدث عن مصر التي يجب عليها أن تقوم بعملية توقف من أجل إعادة التموضع من جديد عبر إعادة تعريف المصالح بدقة ثم يلي ذلك صياغة أهداف محددة وكذلك الخطط والوسائل اللازمة لتحقيق هذه الأهداف وكل ذلك يمكن أن يتم عبر قاعدة متينة من التواصل مع شعوب القارة الأفريقية بشكل عام وحوض النيل بشكل خاص.