فيلم حلاوة روح يعيد طرح القضية، هل نحن أمام قيود تفرضها الدولة علي من يسمون أنفسهم مبدعين، أم أننا أمام نظام يسعي لحماية المجتمع، خصوصا في ظل الوضع الأستثنائي الذي تعيشه مصر، قرار المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بمنع استمرار عرض الفيلم أثار حالة كبيرة من الارتياح بين قطاعات كبيرة، أكدها استطلاع للرأي أشار إلي ترحيب 67% من المشاهدين، كما أن القرار كشف عن غياب كامل لوزارة الثقافة، المنوط بها اتخاذ هذا الإجراء، وزير الثقافة من جانبه قرر بعد تفجير الأزمة إحالة المسئولين عن تمرير الفيلم من جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية للتحقيق، بينما تشير بعض المصادر داخل الرقابة، إلي أن مدير الرقابة المخرج أحمد عواض وافق شخصيا علي عرض الفيلم، بعد اعتراض الرقباء المكلفين بكتابة التقرير الفني علي ما يتخلله من مشاهد، الزج بأحمد عواض في هذه القضية يفجر إشكالية أخري، وهي حساسية اختيار رئيس الرقابة، في الماضي، كان الجهاز يملك كوادره في مراحل عمرية مختلفة، ومن بين هذه الكوادر يتم تصعيد رئيس الجهاز، وكان آخر هؤلاء الرقباء حمدي سرور، ثم بدأ فاروق حسني خلال قيادته للوزارة الاعتماد علي المنتدبين من الخارج لإدارة قطاعات وزارة الثقافة، وظل الوضع قائما حتي الآن، حيث تم تكليف مخرج سينمائي برئاسة الرقابة، مما يطرح إشكاليات كبيرة، خصوصا عندما يكون منوطا برئيس الرقابة اتخاذ قرارات مهمة، تجاه شركات ارتبط بالعمل معها، وقد أخرج أحمد عواض للشركة المنتجة لفيلم حلاوة روح عدة أعمال آخرها بون سواريه لغادة عبدالرازق عام 2012. ربما يكشف التحقيق الإداري داخل وزارة الثقافة بعض الجوانب المعقدة في هذه الأزمة، وربما يضع حدودا واضحة للدور الذي يجب أن تلعبه الرقابة علي المصنفات الفنية، لسنا ضد حق المبدعين في التعبير، لكن مهمة الرقابة الموازنة بين حق المبدعين وحق المجتمع، كما أننا يجب أن نحدد بدقة الفارق بين الإبداع والإسفاف والتحريض علي القيم الأخلاقية، لايمكن أن نقول أن أفلاما من نوعية عبده موتة، التي ساهمت في مزيد من الانفلات الأخلاقي بين أوساط بعض الصغار إبداعا، كما أن الأعمال التي تخاطب الغرائز، وتفتعل المشاهد العارية والإباحية ليست إبداعا، والمبدعون في الصورة والكتابة يعرفون جيدا معني ودلالة الرمز الفني، الذي يوحي ولا يخدش، عندما تكون هناك ضرورة فنية، ليس من مصلحة الفن وضع الجميع داخل سلة واحدة، الذين يتعمدون الإسفاف، مع المبدعين الذين يقدمون رسالة حقيقية، ولا يحولون الفن لتجارة، الربح فيها يبرر الوسيلة، مؤلف الفيلم قال إنه يدين من خلال المشاهد الاغتصاب والتحرش، لكن ليس من الضروري فنيا وأخلاقيا المرور علي هذا الهدف من خلال مشاهد تخدش حياء مشاهديها، ولا يمكن تبرير مشاهد الطفل مع هيفاء وهبي، التي كانت أحد أسباب الحملة الجماهيرية ضده، ودفعت المجلس القومي للطفولة لإصدار بيان إدانة، ولجوء أحد المحامين للقضاء، وتطبيق القانون علي من أسماهم المتاجرين بالأطفال واستغلالهم، كما تعرض الطفل الذي صور هذه المشاهد لاعتداء بعض المواطنين عليه أثناء عودته من مدرسته، الطفل يصوره الفيلم معجبا بجارته الحسناء المثيرة هيفاء وهبي التي يعمل زوجها بالخارج! لا نريد من الرقابة أن تصادر حق المبدع في التعبير عن موقف سياسي، أو رؤية أخلاقية، أو تناول قضايا اجتماعية، لكننا نطالبها بمنع الإسفاف بكافة أشكاله، لأن هذا لايحمي فقط المشاهدين، لكنه أيضا حماية للمبدعين، حرية الإبداع يجب أن تظل مكفولة، وتستحق أن تهب النقابات الفنية والتجمعات الثقافية للدفاع عنها، لكن الدفاع عن إعمال مثل عبده موتة وحلاوة روح خطوة في الاتجاه الخاطئ تماما، ربما تؤدي بعد ذلك إلي رفض المجتمع للإبداع والمبدعين.