صاحب الاختراع مهندس طارق عروق في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد راهناً، وارتفاع معدلات البطالة وبخاصة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 بات من الصعب علي الشباب الحصول علي وحدة سكنية لبدء حياة جديدة، نظراً لارتفاع أسعار الشقق نتيجة ارتفاع تكلفة مواد البناء، لكن يبدو أن هذه العقبة قد تنتهي قريباً إذا تم اعتماد فكرة "قالب الطوب" الذي ابتكره المهندس المصري طارق عروق مؤخراً، والذي يعد أول "قالب طوب" موفر للخامات ولا يحتاج إلي طلاء محارة بعد إتمام عملية البناء. التفاصيل في السياق. طارق عروق، مهندس في إحدي شركات البناء والتشييد، التقيته الأسبوع الماضي في مسقط رأسه بمدينة بورسعيد، قدم العديد من الاختراعات المتميزة في مجالات مختلفة، أبرزها سيارة "شقية" لحل أزمة الازدحام المروري، وكرسي متحرك للمعاقين يصعد ويهبط الدرج دون الحاجة لمساعدة من أحد، وأول دراجة تسير علي سطح الماء، لكن اختراعه الجديد له أهمية بالغة وبخاصة إنه سيكون الحل الأمثل لحل أزمة إسكان الشباب في مصر. الاختراع الجديد عبارة عن "قالب طوب" بمواصفات خاصة توفر الكثير من الأموال في عمليات البناء، ولا تحتاج إلي طلاء الحوائط المشيدة به، بخلاف مزايا أخري عديدة. يقول عروق: الفكرة ببساطة هي قالب طوب مصمم بفكرة لعبة مكعبات الأطفال، مع اختلاف بسيط هو أن هذا القالب به فجوات اسطوانية لتخفيف الوزن، ولاستخدامها أيضاً في أعمال تجهيزات الكهرباء ومد مواسير مياه الشرب والصرف الصحي، كما أنه يحتوي علي فجوات لوضع الأسمنت اللباني بها، ليتم الربط بين القوالب، بحيث لا يظهر الأسمنت، وبذلك نحصل علي حوائط ملساء ناعمة لا تظهر بها فواصل ولا تحتاج إلي طلاء محارة، وبذلك نوفر الوقت والمال، بالإضافة إلي أن أعمال الكهرباء والسباكة لا تحتاج إلي تكسير في الحوائط. مقاس القالب من الحجم الكبير بسُمك 15 سنتيمترا وعرض 45 سنتيمترا، وارتفاع 20 سنتيمترا، ويوجد مقاسان آخران في العرض 30 سنتيمترا و15 سنتيمترا، وهما الأكثر استخداماً، والقالب مصمم ليعطي جميع أشكال التقاطعات المعتادة في الحوائط، كما يمكن صب البلاط السيراميك مع القالب، ويتخذ القالب شكل زاوية علي هيئة حرفL وزاوية تقاطع حرفT وزاوية تقاطع حرفX . ويوضح صاحب الاختراع: تصميم القالب قوي إذا قورن بالبلوكات المفرغة التي لا تتحمل دق مسمار بها، ويرجع ذلك إلي شكل التجويف الدائري الذي يمنح القالب قوة في التحمل للصدمات، مشيراً إلي أنه لم يتطرق إلي خامة القالب، إذ يمكن صناعته من أي خامة يُصنع منها الطوب (أسمنتي أو خرساني أو رملي أو جيري أو وردي أو طفلي أو مصيص)، وذلك حسب الغرض المستخدم فيه، وإن كنت أري أن أفضل خامة للفكرة هي "الطفلة"، التي يُصنع منها بلاط السيراميك، حيث يمكن صناعة القالب منها وطلاء وجه واحد أو الاثنين بمادة السيراميك لتعطي أوجها لا تحتاج دهانات، وبذلك يمكننا بناء منازل لا تحتاج دهانات خارجية أو داخلية. "حقا بفكرة مكعبات الأطفال أضحي البناء سهلاً وسريعاً وأقل كُلفة". قالها مبتسماً كطفل، وتابع شارحاً: هذه الطوبة تصلح لبناء طابق أو اثنين من دون أعمدة خرسانية، لكن في حالة الطوابق المتكررة، ثمة حل آخر لصب الأعمدة بدون "فورمة" أو خشب، حيث تعطي هذه القوالب في شكلها المتراص المكتمل حوائط ناعمة لا تحتاج "بياض محارة"، أيضاً يمكن صبها مع السقف ونوفر وقت تجهيز الأعمدة وصبها منفردة، وكذلك تكلفة مصنعية الأعمدة وهي مكلفة جداً بالمقارنة بالأسقف، وبعد فك خشب السقف سنجد لدينا بناء بنسبة تشطيب 80٪ وتوفير 60٪ من وقت الإنشاء و30٪ من التكلفة. استلهام طارق عروق لفكرة هذا القالب الموفر سردها في قصة: في العام 1970 كان أحد أعمامي يعمل في السعودية، وحين جاء في إجازة إلي مصر أحضر لي هدية عبارة عن لعبة المكعبات. كانت مكونة من أكثر من 300 قطعة، وتعطي شكلاً نهائياً علي هيئة منزل جميل، وكان مع اللعبة كتالوج يوضح كيفية تشييد المنزل، لكنني لم ألتفت إليه، بل اندمجت مع اللعبة وبنيت المنزل كاملاً، وعمي كان يتابعني واندهش من وصولي لنفس الشكل بدون استخدام الكتالوج، وقال لي إنه شخصياً لم يستطع تكوين المنزل باستخدام الكتالوج. كان عمري وقتذاك خمس سنوات فقط، وهذه اللعبة كنت أصمم منها أشكالاً كثيرة جداً ومختلفة ومنوعة. لاشك أنها تركت أثراً كبيراً في تكويني الفكري. طارق مهندس ميكانيكا، وبحسب كلامه لي تعرض أخيراً لاستفزاز من مهندس "مدني"، فأقسم طارق أن يبتكر طريقة جديدة للبناء تجعله أسهل من لعب الأطفال. وهنا يقول: "تذكرت لعبتي المفضلة وبدأت التفكير، والحمد لله حولت اللعبة إلي حقيقة تساهم في حل مشكلة كبيرة وتجعل البناء سهلاً وسريعاً وأقل كُلفة"، مضيفاً: "ما أحوجنا في هذه الأيام إلي حلول عبقرية لحل مشاكلنا التي لا حصر لها ولا تجدي معها الحلول التقليدية". مزايا القالب الجديد لا تقتصر علي مجرد توفير المال والجهد والوقت أو حتي تسهيل عملية تجهيز أعمال الكهرباء والسباكة التي تمر عبر القوالب المتراصة من خلال تجاويف رأسية صممها المخترع العبقري، من دون الحاجة إلي تكسير في الحوائط، بل تمتد الفائدة إلي أن هذه الحوائط تعمل كعازل للصوت والحرارة أفضل من الطوب المصمت، علاوة علي أن الشكل الاسطواني يعطي قوة للقالب، بعكس البلوكات المفرغة التي لا تحتمل دق المسامير بها. الفكرة كما يقول طارق تساهم في حل أزمة الإسكان في مصر وتقليل أسعار الوحدات السكنية، كونها توفر 60٪ من وقت البناء، وهذا وحده يكفي، فالوقت أغلي من المال، بالإضافة إلي أنها توفر 30٪ من التكلفة الفعلية. أردت أن أسأله عن الأبحاث والدراسات التي اعتمد عليها لتنفيذ الفكرة، لكنني وجدته يقول: أهم الأبحاث هي استعادتي لذاكرة الطفولة مع اللعبة التي كنت أعشقها، هذا بشأن التصميم، أما فيما يتعلق بالأحمال وخلافه، فلم أخترع مواد جديدة، بل هي المواد والأبعاد ذاتها، والفكرة تكمن فقط في طريقة تنفيذ الحوائط، وهي في إخفاء الفواصل البينية للطوب عند البناء، بحيث تصبح لدينا حوائط ناعمة من دون فواصل مرئية، وذلك للاستغناء عن بياض المحارة والحصول علي حوائط بنفس الأبعاد النهائية المطلوبة، لافتا إلي أن الفكرة استغرقت أسبوعين فقط لتنفيذها، وهو الوقت الذي استغرقه في عمل "اسطنبة" القالب. فكرة ذكية كتلك بالتأكيد واجه مبتكرها عقبات في سبيل الانتهاء من تصميمها النهائي بكامل هذه المزايا، لكن الغريب أن طارق يقول: الحمد لله لم تواجهني أي عقبات، فهي الفكرة الأسهل والأسرع والأبسط والأقل تكلفة، بين الأفكار العديدة التي ابتكرتها، وعموماً لو أن الفكرة بحاجة إلي تعديل إنشائي، فلا مانع لديّ من المناقشة، وعمل أي تعديلات تطلب مني، لا يوجد شيء اسمه مستحيل وما دامت هناك مشكلة فأكيد يوجد لها مليون حل. يضيف: الانتقاد الوحيد الذي وُجه لهذا الابتكار، هو أنه موفر للعمالة، وذلك يمكن التغلب عليه بتحويل بعض المهن وتدريبها علي مهن أخري في نفس المجال، ويكفي أنني حوَّلت عملية البناء من عمل شاق إلي عمل سهل، وأقل كلفة، وهذا بدوره سيعود بالنفع علي الجميع. وحين سألته عن الرسالة التي يود أن يوجهها إلي وزير الإسكان للاستفادة من اختراعه الجديد، قال: أتمني أن يتم تبني فكرتي لتسهيل عمليات البناء وتقليص التكلفة وبالتالي نسهل علي الشباب عبئا كبيراً في مسألة الزواج وهو توفير شقة الزوجية، مضيفاً: "رئيس الوزراء الحالي هو أبويا وحبيبي المهندس إبراهيم محلب، هو عارف دماغي كويس وكان بيتبني أفكاري حين كان رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب، وأنا متأكد أن الفكرة سوف تعجبه، لأنه إنسان ذكي وكان بيفهمني من نص كلمة". وتابع: "الفكرة إهداء مني إلي الشعب المصري العظيم.. صاحب أعظم حضارة من الحجارة". قبل أن أنهي حديثه الشيق لي. وجهت له سؤالاً مهماً وضرورياً: هل سعيت إلي تسجيل براءة اختراع لهذا الابتكار الجديد؟ فكان رده صادماً ومحبطاً لخصه في عبارة مقتضبة تكشف مدي تجاهل بلادنا للعلم والاختراع والمخترعين، وتؤكد حجم الروتين الذي تعاني منه أجهزة الدولة: "في مصر تسجل الاختراع لكن ممكن تاخد براءة بعد الوفاة".