الفنان عصام السيد أدار اللقاء الفكري، بمعرض الكتاب الذي استضاف الفنان سمير العصفوري، وأشار في تقديمه إلي أن العصفوري بدأ يمارس الإخراج المسرحي، في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وسط جيل من عمالقة الإخراج المسرحي وقتئذ، وبسبب براعته في الإخراج المسرحي يُنسب إلي الجيل الذي سبقه، ومن أهم المناصب التي شغلها إدارة مسرح الطليعة، الذي أفرز لمصر والعالم العربي معظم الفنانين الموجودين علي الساحة الآن، وقد تحول مسرح الطليعة في عهده، إلي بؤرة فنية من طراز خاص، كما كان للعصفوري السبق كذلك في إنشاء مسرح القاعة الصغيرة. بدأ العصفوري كلامه قائلا: لعله من الطبيعي في الوسط المسرحي والفني في مصر، ألا يكون المخرج رجلا مطيعا، وأنا من أولئك المتمردين، الذين لا يوجد لديهم شيء مطلق. وعن السخرية أو ما يطلق عليه العصفوريزم في مسرح العصفوري قال: كان قدري أن تكون بدايتي مع جيل العملاقة من أمثال الراحلين الكبيرين صلاح عبد الصبور وثروت عكاشة، وذلك عقب هزيمة 1967؟ من خلال قيام صلاح عبد الصبور بعمل شعري ضخم أطلق عليه مأساة الحلاج. وكنت أري مأساة الحلاج، مهزلة، لأن أمة تحاكم رجلا وتصلبه لأنه لديه يقين بأن الله يحل في جسده، وهذه قضية شخصية لا تخص سوي صاحبها.. والقضية الحقيقية للمسرحية في أصلها هي سياسية واجتماعية، حيث خرج الرجل ليحض الشعب ضد السلطان، إن مأساة الحلاج هي مأساة عصر كامل، أرادت فيه السلطة الحاكمة أن تتدخل في كل شيء، إنها تجمع بين الشيء ونقيضه في وقت واحد الضحك والبكاء. وقد حقق العرض نجاحًا كبيرًا، وبسبب هذا النجاح تم نقل العرض ليقام علي مسرح وكالة الغوري بقلب مصر الفاطمية في شهر رمضان، بتعليمات من المفكر محمود أمين العالم رحمه الله. وعن التناقض ما بين التراجيديا والسخرية في أعمال العصفوري؟ قال أنا أقوم بقراءة النص أكثر من مرة، هذا بالإضافة إلي أنني من أولئك القليلين الذين لا يصدقون كلام النقاد ولا المقربين في أعمالي، فأنا دائمًا أريد أن أشعر بنبض الجمهور. وفي إجابته علي سؤال عن أسلوب العصفوري التفكيكي وهل أثر في الأجيال التي جاءت من بعده لدرجة أنهم قاموا بتشويه النص المسرحي؟ ضحك العصفوري وقال: مشكلة الأجيال الجديدة أنها اعتادت علي أن تصعد السلم مرة واحدة وأنا أعتبر هذا من باب الانتحار، فجيلنا جيل الستينات تدرج حتي استطاع أن يعيش خارج جلباب من سبقونا، وهذا لا يمنع أننا استفدنا من تجاربهم وأضفنا إليها تجاربنا التي مررنا بها، والمشكلة الآن هي أنه لم يعد هناك تواصل بين الأجيال، فهيبة الآباء والمعلمين قد انتهت. أصبحنا نري عروضًا عمياء، كما أن الشباب الحالي يري أنه فوق الجميع متناسيًا، أن الدراسة دون الخبرة والممارسة والاحتكاك لا تعدو كونها حبرًا علي ورق لا فائدة منه. وأذكر الآن هذا الضابط العبقري الذي كان ذا نظرة ثاقبة، عندما أرسل العديد من البعثات في شتي المجالات الفنية والفكرية لاستكمال دراستهم بالخارج إنه الراحل ثروت عكاشة، وهذا ليس تحيزًا له، ولكنها شهادة حق، لواحد من أهم وزراء الثقافة في تاريخ مصر، وأعتقد أن فاروق حسني هو الآخر قد فعل شيئًا نسبيًا من ذلك. ويستكمل العصفوري: أنا لم أقم بعمل معجزة ولكني تواجدت داخل إطار، رسم لنا حلمًا قوميًا جاهدنا وكافحنا من أجله، وتاهت وانتهت هذه المعجزة. وعن إشكالياته ومشاكله المتعددة مع الممثلين؟ قال العصفوري الممثل هو المحطة الأولي التي من أجلها دخلنا معهد الفنون المسرحية، والممثل لا يكتسب خبراته الفنية فقط من خلال ما درسه بالمعهد، بل هو مجمل الخبرات الإنسانية، والتي تعد كنزا لأنها معرض للإنسان سواء كان الإنسان سويا أو منحرفا، فالممثل الذي لا يدري بما يدور في المجتمع من حوله، لا فائدة منه، فالممثل المحمل بالخبرات والتجارب، هو القادر علي أداء كل الأدوار بإجادة وإتقان. وأنا لا أنسي هذا الأسطورة في عالم التمثيل محمود المليجي، والذي كانت لديه القدرة علي أن يبهرك بأدائه الذي قد يصل لحد السحر، وقد شاهدت ذلك عندما عملت معه في مسرحية عائلة ضبش بعد عودتي من فرنسا، فقد كان المليجي أستاذا في علم التشريح التمثيلي والبشري. وعن رؤيته لحال المسرح الحالي والأوضاع السياسية الراهنة؟ أكد العصفوري أن المسرح المصري في حالة يرثي لها، فهو كالجسد الخوار، ولكي يعود إلي سابق عهده فعلي الجميع أن يشارك في ذلك، الدولة والمجتمع والمبدعون والفنانون، لقد كان المسرح هو الواجهة الأساسية للدولة المصرية ومدنيتها قبل وبعد اختراع السينما.. أما الوضع الراهن فهو حالة استثنائية في تاريخ مصر، ومصر قادرة بإرادة شعبها أن تجتاز هذه المرحلة. واختتم العصفوري لقاءه بأن دعا الحضور ليشاهدوا معه جزءا من عرض العسل عسل والبصل بصل.