المؤشرات تتجه إلي فيلم 12 سنة من العبودية للمخرج ستيف ماكوين ، ليكون هو فيلم العام، النقاد يرشحونه بشدة للحصول علي جائزة أفضل فيلم دراما في الجولدن جلوب، ومن المتوقع ترشحه ثم فوزه بالأوسكار! وفي الحقيقة أنا لا أرتاح كثيرا، لتركيز الانتباه تجاه فيلم ما، مهما كانت جودته، فهذا يظلم أفلاما قد تكون أكثر جمالا، وأهمية، وقد شاهدت الفيلم مؤخرا. وأعجبني بالطبع، فهناك عناصر فنية كثيرة تميزه، ولكني لم أصب بتلك الحالة التي يمكن أن تنتابك بعد مشاهدة فيلم، جميل أو ساحر أو مدهش، تلك الحالة التي تجعلك تغوص في أحداثه، وتعيش مع شخصياته كافة تفاصيل حياتهم، حتي لو كانت بعيدة عن عالمك، أو اهتمامك، إنه ليس من الأفلام التي بها وهج، يأسرك، ممكن تستغرب لهذا الرأي، ولكن الحالة التي يقدمها، سبق أن عايشناها في أكثر من فيلم، وبمستويات فنية أكثر إبهارا، أقربها في العام الماضي مع فيلم كوانتين تارانتيو، جانجو غير مقيد، أو جانجو طليقاً، العبودية وتبعاتها، وتجارة البشر، لمجرد أن بشرتهم سوداء، وحشية الإنسان الأبيض الذي يستحل حياة آخر ويسخره لخدمته، ويحق له أن يقتله إذا تمرد أو أبدي تذمراً أو اعتراضاً، علي معاملته اللاإنسانية، التي لاترقي حتي لمعاملة الإنسان مع الحيوان! فيلم جانجو طليقا، الذي نال في العام الماضي جائزة أوسكار أفضل سيناريو مكتوب خصيصاً للسينما، وكانت جائزة مستحقة بجدارة، فالسيناريو به لمحات مدهشة، وتركيبة شخصيات غير مسبوقة وحوار لاينسي! أما فيلم 12سنة من العبودية "فرغم أهميته" إلا أنه يعتمد علي سيناريو تقليدي، إلي حد كبير، وهذا لايعني أنه سييء أو متواضع، ولكن لاحظ أننا نتحدث عن فيلم مرشح لالتهام جوائز العام! وأرجو ألا يصدمك رأيي، فهو في النهاية رأي شخصي وإن كان مدعما ببعض الحجج التي سوف أسوقها، حالا ولك أن تتفق أو تختلف معها! الأحداث تدور في القرن التاسع عشر، نتعرف علي الشخصية الرئيسية في الفيلم وهو "سوليمان" الممثل الأسمر تشوتيل إيجوفور، وهو عازف كمان، متزوج وله طفلان، ويعيش حياة مستقرة، وفجأة يتم خطفه، وبيعه لأحد التجار علي اعتبار أنه من العبيد، ويصرخ الرجل مستنجدا ويحاول أن يؤكد أنه حر وليس عبدا، ولكن صرخاته تضيع أدراج الرياح، ويجد نفسه يتنقل من سيد إلي آخر، ويصبح أمله الوحيد أن يقتنع أي شخص عاقل بأنه لم يكن عبدا في يوم من الأيام، ولكنه يتلقي بعض النصائح ممن وقعوا قبله في الأسر، بأن يكف عن الشكوي ومحاولة إزعاج أسياده، لأن كل محاولاته لن تفيد بل ستجلب عليه المصائب، وفعلا يتم جلده وإهانته، بكل الطرق، أما النصيحة الثانية، فهي تحتم عليه أن يدعي الجهل وإنكار إجادته القراءة والكتابة، لأن تلك المعرفة تهمة قد تصل به إلي الشنق! فسادته يريدونه فارغ العقل، وجاهلا حتي يسهل ترويضه، وضمان طاعته العمياء! وينتهي به الأمر عند سيد يعاني من السادية المفرطة" مايكل فاسبندر"، يعشق واحدة من العبيد، ويفرط في مضاجعتها، وإهانتها وتعذيبها في نفس الوقت، ويحاول سوليمان الدفاع عن الفتاة بدافع الشفقة، إلا أن سيده، يأمره أن يقوم بجلدها بكل قسوة، فيفعل ذلك، وهو في شدة الألم والأحساس بالذنب! ثم ينتهي الأمر، بعودته إلي عائلته بعد 12 عاما قضاها في العبودية!! ربما يكون أداء تشوتيل إيجوفور جيدا ومناسبا للشخصية، ولكن سوف يصدمني أن ينال جائزة أفضل ممثل، وخاصة أن هناك آخرين قدموا في هذا العام أداء مبهرا، وغير مسبوق، بل إن مايكل فاسبندر نفسه الذي يلعب دور السيد السادي، يتفوق عليه مرات، ويفزعك بقدرته علي تجسيد مشاعر الرغبة المعتملة في صدره تجاه واحدة من عبيده، ومن حقده وكراهيته لها في نفس الوقت ورغبته في التنكيل بها وإيذائها نفسيا وجسديا! وأعتقد أن أداء مايكل فاسبندر هو النقطة المضيئة والمدهشة في فيلم 12 عاما من العبودية، الذي يظهر فيه براد بيت في لقطتين فقط، لا يضيفان له ولا للفيلم، ولكن قد يكون هذا منطقيا عندما تعرف أنه شريك في الإنتاج ، وظهوره نوع من الدعم للفيلم، أما المخرج ستيف ماكوين، فقد كان مميزا جدا في أفلام سابقة مثلHUNGER و SHAME ولكنه هنا لايزيد عن كونة جيدا، مقارنة مع منافسيه لهذا العام، مثل ألفونسو كورون "جرافيتي"، بول جرين جراس في كابتن فيليبس، الكسندر باين عن فيلم "نيبراساكا" ، ومن الظلم البين ألا يكون مارتين سكورسيزي بين المرشحين لجائزة أفضل مخرج، ولا روان هوارد مخرجRUSH الذي اعتبره الأكثر ألقا وإبداعا وإبهارا، ولأن رأي الغالبية ليس بالضرورة هو الأصوب، فيكفي أن تستمتع إلي موسيقي فيلم RUSH ولموسيقي فيلم 12 عاما من العبودية، والاثنان من إبداع هانز زيما، لتتأكد أنه كان في أروع حالاته في الأول، ومع ذلك جاء ترشيحه للجولدن جلوب عن الثاني!! وقد آمنت أن لعبة الجوائز يتدخل فيها عناصر كثيرة قد تكون بعيدة عن المنطق، وكما تم حشد الآراء ليحصل فيلم أرجو في العام الماضي علي جائزة أفضل فيلم، ويحصل بن أفليك علي جائزة أفضل مخرج، فإن هناك رغبة يتفق عليها أغلبية النقاد "ولا تسألني لماذا لأني لا أعرف" لأن يحصد 12 سنة عبودية معظم جوائز العام! عندما تقول إن هذا الفيلم ليس الأفضل، فيجدر بك أن تشير إلي الأفضل من وجهة نظرك، وسوف أجيبك أن فيلم جرافيتي مثلا يضم عناصر فنية أكثر جمالا وتأثيرا، وأن فيلم دالاس كلوب للمخرج الكندي جان مارك فالي، أكثر روعة ويتفوق علي 12 سنة عبودية في عنصر التمثيل والسيناريو، وان ماثيو ماكونهوي يقدم دور عمره، ليس فقط لأنه اضطر لأن يفقد ثلاثين كيلو من وزنه، ليكون مقنعا في أداء شخصية رجل يعاني من مرض الإيدز وعلي مشارف الموت، ولكن لأن كل تفصيلة في الحركة والنظرة والصمت، كانت مغلفة بإبداع غير مسبوق، حتي لهؤلاء الذين قدموا شخصية مشابهة من قبل، مثل توم هانكس في فيلادلفيا، ميزة "رون ودرووف" الشخصية التي لعبها ماثيو ماكونهوي، أنها متمردة علي قدرها، فهو شخص عاشق للحياة، مقبل علي كل أشكال المتع، نهم للجنس والمخدرات بأنواعها، ولكنه يفاجأ بإصابته بمرض الإيدز الذي انتقل إليه نتيجة علاقته بعاهرة رخيصة، يخبر الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سبعين يوماً، ولكنه يسخر من كل التحاليل والحقائق العلمية، ويقرر أن يقرأ كثيرا عن مرض الإيدز وعلاجه، الذي كان في مطلع الثمانينيات، درباً من المستحيل، ويتأكد أن هناك نوعا من الأدوية غير مصرح لاستخدامه في الولاياتالمتحدة، فيلجأ إلي استحضاره من المكسيك، ليبيعه لمرضي الإيدز، ويصبح مطاردا من السلطات الفيدرالية لترويجه لأدوية غير مصرحة، رغم أن الجميع يعلمون أن مافيا شركات الأدوية تتحكم في عملية منع تداول تلك العقاقير الطبية، لحماية مصالحها دون مراعاة لحق المرضي في الشفاء، وحده الأمل والصراع من أجل حياته وحياة الآخرين، هو الذي يمد بعمره سبع سنوات، بدلا من السبعين يوما التي حددها الأطباء، أما بقعة الضوء الثانية في هذا الفيلم الجميل، فتكمن في الأداء العبقري لجارد ليو، الذي لعب شخصية "جاي" شاذ جنسيا، يظهر معظم الوقت في ملابس وماكياج امرأة، وهو مصاب بالايدز، ويلقي معاملة سيئة وازدراء من كل من حوله، ولكنه يصادق رون وودروف، حيث تجمعهما الرغبة في الحياة، وترويج الأدوية المهربة، وبيعها لمصابي الإيدز، ولكنه يضطر مرة واحدة، لإزالة الاصباغ من علي وجهه، وارتداء ملابس الرجال، ليذهب إلي والده الثري، يرجوه أن يمنحه بعض المال، لشراء مايلزم من أدوية! لقاء الأب بولده المصاب بالإيدز، من أقوي مشاهد الفيلم، المليء بالمواقف الدرامية المؤثرة، لشخص يعافر من أجل الحياة! ومازالت في قائمة الأعمال المرشحة للجولدن جلوب، أفلام لم نشاهدها مثل ذئب شارع المال للمخرج مارتن سكورسيزي، وفيلم "هي" HER وفيلم فيلومنيا، وغيرها، ولذلك فإن من التعنت أن نغفل قيمة إبداع أصحاب تلك الأفلام، وننحاز لفيلم ليس هو الأفضل غالبا، ولنترك الأمر لترشيحات الأوسكار قد تكون أكثر إنصافاً!