٫ كان ياما كان في سالف العصر والأوان.. توجد مدينة تاريخية تسمي القاهرة بناها القائد جوهر الصقلي لتكون عاصمة لمصرالمحروسة أيام الدولة الفاطمية، وتضم ثلاث مدن كانت عواصم لها أيام دول أخري، وأقام حولها سورا عظيما هي الفسطاط والعسكر والقطائع بالإضافة إلي الأحياء التي طرأت عليها بعد عهد القائد صلاح الدين الأيوبي وحتي الآن.. وسجلتها اليونسكو منذ حوالي 35 عاما في قائمة التراث العالمي من أجل الحفاظ علي نسيجها العمراني للأجيال القادمة من المصريين بل وللإنسانية جمعاء ولكن جاءت ثورة 25 يناير بما لاتشتهيه السفن، فقد شهدت أحياء عديدة من القاهرة التاريخية عمليات تخريب متعمدة استبدلت المباني ذات الطرز المعمارية المتميزة والفريدة بكتل خرسانية وأبراج ممسوخة وعمارات مشوهة. وأصبح التغيير في نسيجها العمراني وطمس المعالم التاريخية يسير بوتيرة عالية جدا، في ظل الانفلات الأمني وغياب الحكومة عن تأدية دورها في وقف نزيف القاهرة التاريخية والذي أصبح يهددها بالشطب من قائمة التراث العالمي التي سجلت فيها قبل تشديد شروط دخولها والتي كان من المستحيل أن تقترب منها القاهرة بوضعها الحالي.. لكن ماهي حكاية القاهرة في قائمة التراث العالمي باليونسكو؟ وماهو مشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية الذي سينتهي منه بعد 6 أشهر تقريبا؟ يقول المهندس أحمد منصور نائب المنسق العلمي لمشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية باليونسكو: كانت القاهرة من المدن القليلة التي سجلت في قائمة التراث العالمي في عام1979م، حيث يقوم برنامج لجنة التراث في اليونسكو بتصنيف وتسمية والحفاظ علي المواقع ذات الأهمية الخاصة للإنسانية ،ويعتبر كل موقع منها ملكا للدولة التي يقع بها ولكنه يحصل علي اهتمام من المجتمع الدولي للتأكد من الحفاظ عليه للأجيال القادمة. أما المعايير التي علي أساسها سجلت القاهرة التاريخية في قائمة اليونسكو، يوضح منصور أنها كانت منارة للفكر الإنساني في وقتها متمثلة في العمارة الفريدة حيث إنها كانت عاصمة دينية وثقافية واقتصادية واجتماعية وحتي الآن باقية وتتمثل في جامع الأزهر والاحتفالات الدينية والحرف التقليدية والأسواق الشعبية، كما أنها تمثل طريقة عمران مختلفة عن بقية المدينة الحديثة وتتعرض لمخاطر تنقل منها إلي المدينة التاريخية. وفي عام 1992م.. أثر الزلزال علي حوالي 700 من الآثار والمباني التاريخية في القاهرة وبناء عليه كما يقول منصور جاءت اكوموس (المجلس الدولي للمعالم والمواقع باليونسكو)، وطلبوا معرفة المواقع التي سجلت لترسيم حدودها ووضع خطة لإدارتها وخطة أخري للحفاظ عليها. وفي عام 2007م قدمت الآثار 4 خرائط توضح حدود القاهرة التاريخية وطلبوا من اليونسكو تغيير الاسم المسجل في قائمة التراث العالمي من القاهرة الإسلامية إلي القاهرة التاريخية. وفي عام 2010 م وتحت مظلة مشروع أكبر لمساعدة الحكومة المصرية في الحفاظ علي الآثار الموجودة فيها، قدمت اليونسكو مشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية، وكان مطلوبا وضع خطة إدارة مع خطة حفاظ عليها وطبقا للقانون المصري تم الاتفاق مع الهيئات الحكومية المعنية بإدارة وحفظ القاهرة التاريخية وهي وزارة الآثار ومحافظة القاهرة ووزارة الأوقاف وجهاز التنسيق الحضاري والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء . ويضيف منصور قمنا بدراسة لترسيم حدود القاهرة التاريخية حاليا ،واستعنا بأربع خرائط للمقارنة بينها هي خريطة الحملة الفرنسية عام 1807م وخريطة 1888م وخريطة 1948م وأخيرا خريطة 2006م وخرجنا بخريطة توضح أن هناك نسيجا عمرانيا لايزال موجودا إلي جانب شوارع وطرقات وازقة قد يكون حدث عليها إحلال للمباني لكن لايزال النسيج موجودا ، وبناء علي هذه الدراسة الخاصة بالخرائط الأربعة وجدنا أن عملية فتح الشوارع لاتزال قائمة لدينا مثل باب البحر القديم . ويتابع منصور لقد قدمنا اقتراحا للمشروع عام 2012، بإدخال مواقع جديدة في القاهرة التاريخية وهي منطقة الحلمية التي كانت بركة وشبكة المواصلات القديمة في المدينة ومنطقة بولاق أبوالعلا والتي كانت مرسي للقاهرة وبوابتها ولابد من المرور عليها قبل الدخول إليها لدفع الضرائب علي البضائع ومنطقة السيدة زينب وش بورسعيد. ويري منصور أن الخريطة التي رسموها للقاهرة التاريخية قريبة إلي حد كبير مع أول خريطة تمثلها خرج بها جهاز التنسيق الحضاري عام 2010 . ثم تتابع الحديث المهندسة إنجي توكل من فريق مشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية قائلة: في المرحلة الأولي من المشروع نزلنا إلي شياخات القاهرة لمعرفة القيم التراثية في مواقعها، وهناك عدة معايير للتقييم هي القيمة المعمارية للموقع (وأعطينا لها درجات من (لاتوجد) إلي (عالية القيمة) وشوارع وحواري الموقع حاولنا معرفة إذا كان تم توسعتها أم تغيرت تماما وهناك قطع الأراضي الأصيلة التي حددنا إذا كان قد حدث لها تقسيمات جزئية أم عمليات دمج، ووجود أنماط تاريخية وتقليدية للتقسيم الجزئي للأراضي تم تعديلها كليا من خلال تنمية عمرانية غير منتظمة وأخري تم الحفاظ عليها أو تعديلها جزئيا لكنها لا زالت محافظة علي النسيج العمراني التاريخي، وحددنا نوعية الأنشطة الموجودة في الموقع. وتضيف المهندسة إنجي: ومن كل ذلك عملنا تقييما لكل شياخة ثم قارنا بينها ثم وضعنا خريطة بها تصنيفات للشياخات فمثلا هناك شياخة فيها نسيج عمراني تقليدي وقيم تراثية عالية تحصل علي أعلي درجة بينما ثانية بها نسيج عمراني هش ويحتاج إلي رعاية خاصة فتحصل علي درجة تالية وأخري بها نسيج عمراني انتقالي أي بها كل أنواع النسيج في جميع حالاته. ولم نكتف بتحديد القيم التراثية لكل موقع في الشياخة والمقارنة بينها ولكننا وضعنا كما تؤكد المهندسة إنجي بعض المعايير للحفاظ علي المباني معماريا وكذلك الشوارع واستخدامات الأراضي وغيرها ولاتزال كلها توصيات مقترحة لأن النسيج العمراني السكني يختلف عن المقابر التاريخية والحدائق التاريخية، ثم عملنا خطة نوعية لتحديد القيم التراثية بشراكة جديدة ،وهي علي شكل تخطيطي واستراتيجي عام 2011وأيضا عملنا خريطة محدثة بها قيم التراث والأسواق والأضرحة ، واستعنا بعدد من الاستشاريين لوضع خطة حفاظ علي المواقع الأثرية والتاريخية . لكن ظهرت لنا مشكلات جسيمة في العديد من المواقع منها وجود مبان في حالة سيئة جدا وقمامة منتشرة حولها بصورة خطيرة وحركة مرورية عالية، إلي جانب وجود أراض فضاء تعتبر أرصدة مجمدة وحرف تقليدية لايزال يعمل بها الأهالي . ومن شهر يونية الماضي نقوم كمجموعة مكونة من 12 فردا من جميع الجهات الحكومية المعنية، بعملية مسح ميداني في مناطق درب الحصر والخطابة ودرب اللبانة وعرب اليسار، وذلك من خلال القيام بحصر شامل لكل البيوت بها وتحديد جودة الفراغ بها لوضع خطة للحفاظ عليها. إلي جانب عمل دراسة أخري لمنطقة القلعة والمنطقة المحيطة بجامع ابن طولون وميدان السيدة عائشة وميدان صلاح الدين لأنها تتميز بقيم تراثية عالية ولكنها تعاني من المشاكل المرورية والمباني المهملة والأنشطة التجارية . وهناك دراسة متخصصة يقوم بها استشاريون لمنطقة باب العزب وهي منطقة جميلة ومهمة في نفس الوقت لربطها القلعة بميدان صلاح سالم، كما ندرس حاليا المحاور التاريخية مثل ش المعز والمربوط بمنطقة الدراسة ومحور سوق السلاح ومحور الدرب الأحمر وش ابن طولون ودرب الحصر وش محمد علي الذي يعتبر مرحلة ثانية لربط مقر الحكم القديم بالقلعة بمقر الحكم الجديد في عابدين في القاهرة التاريخية، فضلا عن دراسة مشاكل المرور بمنطقة صلاح سالم وميدان صلاح الدين الذي يربط وسط المدينة. وتؤكد المهندسة إنجي أنهم قاموا بتقييم حوالي350 شارعا في 91 شياخة بالقاهرة التاريخية، لكن للأسف الشديد بعد ثورة 25يناير 2011 تغيرت معالم هذه الشوارع تقريبا. ويتابع المهندس أحمد منصور: إن الانفلات الأمني حال دون نزولنا إلي المقابر المختلفة لدراستها لأنها تمثل جزءا من المدينة التاريخية ولايزال المصريون يزورونها في الأعياد والمناسبات وهذه عادة مصرية خالصة وهناك مقابر واضرحة ومقامات وشواهد آل البيت وأولياء الله الصالحين تقيم لهم الطرق الصوفية حلقات ذكر وموالد إلي جانب وجود بعض الحرف التقليدية تمارس فيها وأكثرها شهرة حرفة غزل الحرير التي يقوم بها ما يطلق عليهم العقادون . ويضيف منصور نقوم حاليا بعمل قاعدة بيانات للمواقع لوضع استراتيجية متكاملة وتشبيك كل جهات العمل للحفاظ علي التراث خاصة في ظل التعديات الصارخة علي المواقع من هدم وبناء غير مرخص، كل ذلك يؤدي إلي مشاكل جسيمة فضلا عن الحالة التي عليها الموقع من تردي العمران والعمارة نفسها ، فالتغيير في القاهرة التاريخية يسير بوتيرة عالية جدا، وأحب كما يقول منصور أن أسجل أن اليونسكو يحاول أن "يزق"الحكومة لحماية ماتبقي من القاهرة التاريخية ، فالمنظمة تستغيث بالخطابات التي ترسلها إليها ،ففي النهاية اليونسكو يتعامل مع حكومة دولة وليس أفرادا، فكل المواقع تعاني من نقص الخدمات وتدهور النسيج العمراني وطمس المعالم التاريخية ،علاوة علي مشكلة الإدارة فكل المواقع في أشد الحاجة إليها .