حين نقول مثلاً إن فلاناً »مندس» علي مجتمعنا أو دخيل علي عاداتنا وتقاليدنا.. فذلك يعني ضمنا أننا نقول وعلي وجه من الوجوه »نحن مجتمع من الأنقياء والملائكة»..هذا التنصل من »الخطائين» هو تهرٌب أيضاً من المسؤولية المجتمعية.. فكلما ارتكب واحد من الناس خطأ أو جريمة وضعه المجتمع علي جانب وتنصل منه وهو في الحقيقة أي المجتمع لا يتنصل من الشخص بقدر ما يدفع التهمة والمسؤولية عن نفسه.. لا يوجد في الكون كله بلد أو شعب بلا جريمة و»جمهورية أفلاطون» غير موجودة سوي في ذهن كاتبها.. صحيح أن أي جريمة لهولها قد تدفع الناس إلي التبرؤ من شخص المجرم والرغبة في دفعه بعيداً علي نحو مجازي.. لكن المجتمع باعتباره البنية المسؤولة وراعية الأخلاق والأعراف لا يمكن أن يكون بريئاً من حيث خلق المناخ المواتي ثقافيا وتربوياً لولادة ونمو »الخطائين» وهو بالتالي مسؤول بشكل ما عن جنوح أفراده وخروجهم علي المنظومة المتفق.. وبالتالي علي هذا المجتمع حين يخرج واحد منه علي هذا النظام المرسوم أن يستجوب أدواته وأن يسأل نفسه أين قصَّر.. وبالمناسبة فإنه لا يحدث سوي عندنا أن نتبرأ من المخطئ وندفعه عنا بكلتا يدينا ونقول »هذا مندس وخارج علي عاداتنا وتقاليدنا».. فلم أسمع مرة في الخطاب الإعلامي لكثير من الدول هذا التعبير.. لكن من أين يأتي »المندسون»؟!.. أليسوا مواطنين يحملون وجوهنا وأسماءنا ويعيشون نفس حياتنا.. بالتأكيد لم يهبطوا من السماء ولم يدخلوا من الشقوق وإن دخلوا فمسؤولية من وجود هذه الشقوق في بنية المجتمع.. لا أدافع هنا عن المجرم ولا عن الجريمة بالطبع ولكن عن حق المجتمع بأن يتشكل كأي مجتمع مدني من الصالحين والأخيار ومن الخطائين كذلك.. ولا توجد دولة أو مجتمع يستطيع كل يوم أن يطرد مجموعة منه خارج البيت بحجة أنهم خارجون علي العادات بل علي العكس من ذلك ما تفعله »المجتمعات المتقدمة».. بمعني واضح ومباشر: هؤلاء صنيعتك أيها المجتمع وليسوا كائنات غريبة أدخلها المهربون من الحدود فتحمل مسؤوليتك ولا تلقي علي غيرك المهمة..